Wednesday 29 October 2025
Advertisement
سياسة

عبد الرفيع حمضي: الجزائر… اللهم لا شماتة

عبد الرفيع حمضي: الجزائر… اللهم لا شماتة الرئيسان الجزائريان: تبون وبومدين
غدًا، الثلاثين من أكتوبر، سيصوّت مجلس الأمن الدولي على قرارٍ جديدٍ حول الصحراء المغربية، يقضي بتجديد مهمة بعثة المينورسو لثلاثة أشهر إضافية بدل سنةٍ كاملة كما جرت العادة، في خطوةٍ تعكس رغبة الأمم المتحدة في مواكبة التحوّلات المتسارعة التي يعرفها الملف، وفتح أفقٍ جديد لتسويةٍ سياسيةٍ واقعيةٍ ودائمة.
 
لكن الأهم في مشروع القرار المعروض هو التطور النوعي في لغة الأمم المتحدة، كما عكسته مضامين التقرير الأخير للأمين العام، والتحول الجوهري الوارد في الصيغة النهائية لمشروع القرار الذي حملت قلمه الولايات المتحدة الأميركية، حيث أكّد أن مبادرة الحكم الذاتي التي قدّمها المغرب هي قاعدة المفاوضات، أي المرجع الواقعي لأي حلٍّ سياسيٍّ مقبول.
 
ورغم أن الصيغة الزرقاء سُحبت منها كلمة «وحيد» لدواعٍ تتعلق بالتوازن الدبلوماسي، إلا أن الاتجاه العام واضح: لا حديث بعد اليوم عن استفتاء، ولا عن أطروحات الانفصال، بل عن حلٍّ سياسي داخل السيادة المغربية.
 
هذه اللحظة ليست عابرة. فخمسون عامًا من التجاذب الإقليمي والصراع الإيديولوجي تصل اليوم إلى نقطة تحوّلٍ حقيقية.
 
لقد كان تأسيس ما يُسمّى بـ«جبهة البوليساريو» ابنًا لزمن الحرب الباردة، حين كانت المنطقة تعيش على إيقاع التنافس الإقليمي والشعارات الثورية. الجزائر، التي خرجت لتوّها من حربها ضد الاستعمار الفرنسي، أرادت آنذاك أن تُصدّر نموذجها "التحرّري"فوجدت في ملف الصحراء فرصةً لبسط نفوذها الإقليمي وإضعاف المغرب الصاعد.
ومع دعمٍ من ليبيا وبعض الأنظمة الاشتراكية، وُلد هذا الكيان الوهمي تحت شعار «تقرير المصير»، لكن الهدف الحقيقي كان واضحًا: ممارسة سياسة الحذر من الجار، أي إضعافه بدل بناء توازنٍ صحيٍّ ومستقرٍّ معه.
 
غير أن التاريخ لا يرحم الأوهام. فسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي أَنهيا زمن الأيديولوجيا، وحلّت محلّه البراغماتية السياسية والمصالح الجيو–اقتصادية.
 
العالم لم يعد يصدّق الشعارات، بل يقيس المصداقية بمدى القدرة على البناء والاستقرار. والمغرب فهم هذه القاعدة مبكرًا، فحوّل أقاليمه الجنوبية إلى نموذجٍ للتنمية المندمجة: موانئ، جامعات، مشاريع طاقية، وبنية تحتية متقدمة.
تحوّلت الصحراء المغربية من قضية نزاع إلى فضاءٍ للحياة والعمل والاستثمار.
 
في المقابل، ظلّت الجزائر أسيرة خطابٍ قديم يرفض التكيّف مع منطق العصر. غير أن التحوّلات الإقليمية والدولية دفعتها اليوم، من حيث لا تريد، إلى موقعٍ لم يكن في حسابها.
 
فالجزائر، التي كانت سببًا رئيسيًا في إنشاء هذا الكيان الوهمي، تجد نفسها الآن عضوًا غير دائمٍ في مجلس الأمن، تشهد من موقعها على التحوّل الذي يضع حدًّا عمليًا للنزاع الذي صنعته.
 
قد تمتنع عن التصويت أو تتحفّظ على القرار، لكنها لا تستطيع أن تتجاهل رمزية وجودها في لحظةٍ تاريخيةٍ تُغلق فيها الصفحة التي فتحتها بإرادتها قبل نصف قرن.
 
فالتاريخ، كما يقول هيغل، لا يعيد نفسه إلا في شكل سخرية: الدولة التي صنعت الأزمة تجد نفسها شاهدةً على أفولها.
 
إن التصويت المنتظر في مجلس الأمن لن يكون مجرّد تمديدٍ تقنيٍّ لبعثة المينورسو، بل إعلانًا سياسيًا عن نهاية مرحلةٍ وبداية أخرى.
 
فالعالم بات يُدرك أن مقترح المغرب للحكم الذاتي ليس فقط حلًّا ممكنًا، بل النموذج الواقعي الوحيد القادر على الجمع بين السيادة الوطنية واحترام الخصوصيات المحلية.
 
تجارب التاريخ السياسي تؤكّد أن الدول التي تصنع نزاعاتٍ خارج حدودها سرعان ما تدفع ثمنها داخليًا.
العالم تغيّر، والمنطقة تغيّرت، والمغرب تغيّر، وحدها الجزائر ما زالت تراهن على خطابٍ تجاوزه الزمن.
لكن حتى هذا الرهان بدأ يتهاوى. فحين تُطرح مبادرة المغرب كقاعدةٍ للتفاوض في قرارٍ أمميٍّ رسمي، وحين يجلس ممثل الجزائر في قاعة التصويت على القرار، فإن الصورة تغني عن كل تعليق: من دعم الكيان بالأمس، يشارك اليوم – من حيث لا يريد – في نهايته.
 
والتاريخ، في قاعات مجلس الأمن، سيسجّل بدقّةٍ من كان سبب الأزمة برضاه، ومن كان شاهدًا على الحلّ رغمًا عنه.
 
ذلك هو مكرّ التاريخ حين يدور دورته كاملة: من صناعة الوهم إلى الشهادة على زواله.
 
فاللهم لا شماتة