Tuesday 3 June 2025
منبر أنفاس

عمر المصادي: "ليس في القنافذ أملس".. حينما تتشابه عيوب الأحزاب السياسية

عمر المصادي: "ليس في القنافذ أملس".. حينما تتشابه عيوب الأحزاب السياسية عمر المصادي
في عالم السياسة، كثيرا ما نستعير الأمثال الشعبية للتعبير عن ظواهر معقدة بلغة مبسطة وعميقة الدلالة، ومن بين هذه الأمثال التي تختزل فيها حقائق موجعة، نجد مقولة: "ليس في القنافذ أملس"، وهي عبارة تعني أن كل الأطراف المعنية، رغم اختلافها، تشترك في العيوب والتقصير، ولا يوجد من بينها من يمكن وصفه بالكمال أو البراءة المطلقة. وإذا ما أسقطت هذه المقولة على الواقع الحزبي، فإنها تلخص بشكل صادق ما باتت عليه أوضاع الأحزاب في البلاد.

لقد أصبحت الأحزاب السياسية، على اختلاف مرجعياتها، متشابهة في كثير من مواطن الخلل: من ضعف في الديمقراطية الداخلية، إلى غياب الرؤية الإستراتيجية، إلى تقديم الولاءات الضيقة على الكفاءات، إلى تبني خطابات متقلبة لا تعكس سوى السعي وراء التموقع السياسي لا غير.

وهو ما أدى تدريجيا إلى تآكل الثقة بينها وبين المواطنين، خصوصا فئة الشباب، التي باتت ترى في هذه التنظيمات مجرد أدوات انتخابية لا تحمل مشروعا مجتمعيا حقيقيا، مما دفعهم كما أشار إلى ذلك الملك محمد السادس، "إلى العزوف عن الإنخراط في العمل السياسي، وعن المشاركة في الإنتخابات. لأنهم بكل بساطة، لا يثقون في الطبقة السياسية، ولأن بعض الفاعلين أفسدوا السياسة، وانحرفوا بها عن جوهرها النبيل".
 

إن من يتابع الحياة السياسية في المغرب يدرك أن الممارسة الحزبية لم تعد تقوم على التنافس في تقديم الحلول، بقدر ما أصبحت رهينة الإصطفافات والولاءات الظرفية.
 
فما إن يشكل تحالف حكومي، حتى تختفي الخلافات الإيديولوجية، ويذوب الخطاب السياسي في لغة واحدة جوفاء، تتغير لهجتها بتغير المواقع، دون مراعاة للوعود الإنتخابية أو للبرامج المعلنة.
 
بل إن المواطن البسيط لم يعد قادرا على التمييز بين هذا الحزب أو ذاك، لأن السلوك السياسي أصبح متشابها إلى حد التطابق، فكما القنافذ تختلف في الحجم والشكل ولكن تشترك جميعها في الأشواك، كذلك الأحزاب تختلف في الشعارات لكنها تتشابه في الممارسة، ما يجعل المقولة تنطبق عليها بشكل مؤلم.
 
ومع ذلك، فإن هذا الواقع لا ينبغي أن يغرقنا في اليأس أو اللامبالاة، فالديمقراطية لا يمكن أن تنضج بدون أحزاب قوية، مسؤولة، ومتجددة. والمطلوب اليوم هو إصلاح عميق للمشهد الحزبي، يبدأ من داخل التنظيمات نفسها: بمراجعة طرق اشتغالها، وإعادة بناء جسور الثقة مع المواطن خاصة الشباب، وتقديم نخب جديدة تحمل الكفاءة والصدق بدل التموقع والإنتهازية.
 
فإذا كانت القنافذ كلها غير ملساء، فقد يكون في بعضها أمل التغيير... شرط أن تراجع ذاتها، وتستوعب أن السياسة مسؤولية قبل أن تكون سلطة، وأن خدمة الوطن لا تتحقق بشعارات ترفع موسميا، بل برؤية، وإلتزام، ووضوح مع المواطن.
 
فقرة من الخطاب الذي وجهه الملك محمد السادس، بمناسبة الذكرى 18 لتربع على عرش أسلافه :
..."وإذا أصبح ملك المغرب، غير مقتنع بالطريقة التي تمارس بها السياسة، ولا يثق في عدد من السياسيين، فماذا بقي للشعب؟
لكل هؤلاء أقول :" كفى، واتقوا الله في وطنكم... إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا.
فالمغرب له نساؤه ورجاله الصادقون"..