Tuesday 27 May 2025
كتاب الرأي

عادل الزبيري : في الحاجة إلى الصحافة في المغرب

عادل الزبيري : في الحاجة إلى الصحافة في المغرب عادل الزبيري
اختلط الشقيقان حابل ونابل، ودخلا معا في حرب بسوس، لا مؤشرات على قرب نهايتها، في بلاط مهنة جميلة، منذ ظهورها تاريخيا تحت اسم الكازيطات، واسمها الصحافة.
 
للأسف الشديد، لم تعد مهنة الصحافة، كما كانت لما بدأت في تاريخ البشرية، جرى تنفيذ أكبر سرقة مهنية ضد حرفة لها أهلها، في واضحة النهار، وشارك بعض من المنتسبين إلى هذه الحرفة، في تنفيذ تفاصيل خطة السرقة.
في المستقبل الذي بدأ اليوم، ستندم البشرية على تسليمها لكل شيء إلى الذكاء الصناعي وإلى ملاك منصات التواصل الاجتماعي وشركات صناعة الهواتف المحمولة غير الذكية في تقديري.
 
يعتقد كثيرون أن الصحافة لم تعد صالحة لأي شيء، وأن الصحافي المهني مجرد كائن مزعج جدا، ويتوجب الرمي به إلى رفوف الأرشيف البشري، ولكن هذا غير صحيح، لأن الأمن الإعلامي للبشرية، لن يحرص عليه إلا إنسان، لديه وعي غريزي فطري، ويؤمن بضرورة الحفاظ على البشرية في أمنها الإعلامي، بعيدا عن أي اتجار أو عمليات بيع وشراء.
فتاريخيا، أفضل الصحافيين عاشوا وماتوا فقراء.
 
في جائحة فيروس كورونا في العام 2020، ضرب تسونامي الأخبار الكاذبة منصات التواصل الاجتماعي، ليكتشف الناس لأول مرة، أنهم سقطوا ضحية لخداع كبير جدا من المنصات الاجتماعية؛ ولكن يبدو أن هذه الأزمة لم تكن كافية، فعاد الناس إلى تسليم أمنهم كاملا إعلاميا وإخباريا إلى المنصات التواصلية الاجتماعية، فيصبح المواطن صحافيا، وهذا خطأ، ويصبح الخبر الصحيح مفقود في السوق.
 
خرجت علينا منصات التواصل الاجتماعي بسلة من التسميات؛ الصحافة المواطنة وصناعة المحتوى والمؤثرين، خلطة سحرية جعلت الناس يسلمون مصائرهم إلى أكثر الناس جهلا في مطلع القرن الحادي والعشرين.
 
منذ صعود منصات التواصل الاجتماعي، تتالى توافد شباب مغربي على مهنة الصحافة، الكل يدخل بصُباطه، في ظل غياب قوانين جديدة ومحينة ومواكبة، تنظم مغربيا الاشتغال في بلاط صاحبة الجلالة.
 
فالأخبار الكاذبة هي العملة التي يجري تداولها، فيصبح كل صارخ أو مثير ضجيج صحافيا مدعيا، يطالب باحترامه في كل خروج له، ينشر الأخبار الكاذبة، ولا يبالي، وإذا تحدث أحد رد عليهم بأنهم أعداء حرية التعبير.
 
أنتجت منصات التواصل الاجتماعي تجارا جددا في المغرب، يتاجرون في كل شيء، يأخذون مقابلا ماليا سخيا جدا، من المنصات الاجتماعية، وفق نظام مالي أصبح يتحكم في دخول وفي خروج المنصات؛ خصوصا أن ما يسمى بالمحتوى الجاد والمسؤول، ما عاد له مكانا.
 
يقف مارك زوكربورغ صاحب فكرة فيسبوك، إلى جانب جيل من الشباب الأمريكي وراء الدفع بالبشرية إلى ظلمات جديدة، من أجل تحويل سكان كوكب الأرض، إلى مجرد أرقام في بنوك المعطيات، في سياق تنافس محموم للرفع من عدد الخوادم، التي يجري تبريدها بالماء الصابح للشرب، في مراكز تحت حماية أمنية عالية المستوى.
 
إن ما تعيشه الصحافة المهنية المغربية من انهيار متسارع جدا، وسط فرجة من الجمهور المغربي، لأمر مؤسف حقا، على مهنة دخلها أناس بإيمان، تعلموا في الميدان، ونقلوا القصة بتفاصيلها.
 
في الولايات المتحدة الأمريكية، بلد صناعة المنصات التواصلية الاجتماعية، تدور رحى حرب بين صحافيين مهنيين يدافعون عن وجودهم، ومعهم فئات اجتماعية ترى في الإعلام المهني أمانا، وبين أبرز تجار القرن الحادي والعشرين الذين تسلموا اليوم بإيمان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بهم، من أجل المضي قدما في تطوير الجيل الجديد من محركات البحث التي تحمل اسم الذكاء الصناعي.
 
ففي إسبانيا، لا يزال الراديو القديم صاحب تأثير وسط مجتمع له تقاليد، ولا تزال الصحافة سلطة في المجتمع، وتراقب المؤسسات الدستورية، لأن المواطنين في إسبانيا قرروا وأقروا بالحاجة إلى الاعلام، باعتباره مثل الهواء، ضرورة حياتية.
يحتاج المجتمع المغربي إلى الإيمان بالإعلام، على اعتبار وجود حاجة يومية إلى استهلاك الأخبار الصحيحة يبقى أمرا صحيا، بعيدا عن خوارزميات المنصات التواصلية الاجتماعية التي أثبتت بما لا يدع مجالا للشك، أن الكذب عملة رقمية لغسل العقول، وتوجيهها إلى الاستهلاك من أجل تسريع الهلاك.