رغم مرور السنين، مازال معتقل الرأي السابق الموريتاني محمد يسلم ولد هيدالة، أحد الناجين الموريتانيين من معتقلات "البوليساريو" يترافع في كل مرة وحين ضد تنظيم البوليساريو، فهو ليس ممن سمع عن جرائمها، بل كان ضحية من ضحايا هذا التنظيم الإرهابي، بل وشاهد على مقابر الشهداء الموريتانيين الذين قضوا تحت التعذيب داخل أسوء سجون مخيمات تندوف المعروف بالرشيد.
وقال ولد هيدالة في تصريحات إعلامية سابقة، إن جيلا كاملا ينتظر تحديد مكان المقابر التي تم دفن ذويهم فيها حتى يتمكنوا من زيارة قبورهم، متسائلين عن الأسباب الكامنة وراء اغتيالهم بهذه الطريقة البشعة وإخفاء جثامينهم في مقابر جماعية وحرمان عائلاتهم من أبسط حقوقهم.. وذلك خلال أحداث 1982 بمخيمات تندوف، حيث حدثت خروقات كبيرة في مجال حقوق الإنسان كان ضحيتها شباب موريتانيين مثقفين تشبعوا بالفكر الثوري، قدموا إلى الجبهة مؤيدين لها بعد توقيع اتفاقية السلام مع موريتانيا.
وبعد سنوات من العمل الجاد في التعليم والصحافة والتمثيلية الدبلوماسية وغيرها عملت القيادة على تصفية الشباب الموريتاني داخل سجن الرشيد الرهيب.
بدأت هذه القضية سنة 1982 حيث لفقت لجميع الموريتانيين تهم التجسس والتخابر مع موريتانيا وفرنسا، وسميت آنذاك بالشبكة الموريتانية. فعمدت قيادة البوليساريو إلى سجنهم في سجن يدعى الرشيد ما بين العام 1982 والعام 1991، حيث تم تعذيبهم من طرف جلادي البوليساريو التي قتلتهم بدم بارد ودفنتهم في سبخ الملح لكي تخفي معالم جريمتها فلا يعرف لهم قبر ولا يعرف عنهم سوى أنهم ماتوا.
وبما أن ولد هيدالة كان ضمن هؤلاء الشباب ونجا رمن القتل، فإنه اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية متابعة قضية رفاقه و المطالبة علنا بالكشف عن مكان دفنهم، من طرف سجانيهم ومعرفة حقيقة ما جرى لهم والأسباب التي جعلتهم يعاملون بهذه الوحشية و بذلك المستوى من اللاإنسانية دون رأفة ولا رحمة، مجددا طلبه من المنتظم الدولي، كشف الحقائق والسعي خلف الجرائم الإنسانية التي ارتكبت على وجه هذه الأرض والمظالم التي خلفت وراءها. فهناك جيل كامل ينتظر، لا يدري كيف ولا أين يزور قبور ذويه، ولا يعرف شيئا عن الأسباب التي جعلتهم يقتلون ويخفون بتلك الطريقة البشعة.
يقول ولد هيدالة: «هناك، بتندوف، حيث يتجسد الحزن القاتم في السجن السري المشهور، حيث كان المئات من أبناء جلدتنا، يعيشون التعذيب والإذلال، مدهوسة كرامتهم ومجبرون على كل الاعمال الشاقة والمهينة. الكثير منهم قضى نحبه، اغتيلوا بدم بارد ودفنوا في أماكن مجهولة، بدون علامات وفي صحاري شاسعة. إنهم ضحايا أسطورة سوداء للبوليساريو، الناجون منهم مازالوا يحتضرون، متمسكون بالكشف عن شهدائنا.. التعذيب والإذلال الذي عانى منه مواطنونا في سجن الرشيد، فاق التصور في مدى العنجهية والقسوة».
ويطالب ولد هيدالة بالكشف عن حقيقة ما جرى لأبناء موريتانيا الذين تعرضوا لأسوء ما يمكن أن يتعرض له الإنسان من الظلم والجبروت والطغيان.
وهذه بعض أسماء السجناء الموريتانيين الذين قضوا تحت التعذيب في سجون البوليساريو: بونا ولد العالم، عبد العزيز ولد هيدالة، محمد مولود ولد تاجدرت، تاغرة ولد باباه، لكهيل ولد الحيدب، اعمر ولد ابيطات، محمد ولد الأزغم، أحمد فال ولد باهاها، الشيخ ولد يرعاه لله..
ويضيف ولد هيدالة: "مهما كانت الأعذار ومهما كانت الحجج التي يمكن اختلاقها لتبرير ما حدث، فلا شيء يمكنه تهدئة سخطنا، ولا حتى إراحة ضميرنا، كلنا نشعر بعمق الجروح التي غارت في كرامتنا وشرفنا.
كلنا نشعر أننا ضحايا كبشر وكموريتانيين من فداحة هذا العار.
كلنا نشعر بوزر هذه الجرائم وأنه دين على عاتقنا ما دمنا لم نحقق العدالة ونصون كرامة الضحايا.
لقد كانت مجزرة مخططة ومنفذة عمدا، من قبل فريق من القادة والمؤتمرين بأمرههم»
واختتم ولد هيدالة تصريحاته بقوله «أصبح معروفا من هي الأرواح الآثمة والمجرمون الذين يعيشون معهم، في مخيمات تندوف، أمثال: سيدي أحمد البطل، البشير مصطفى السيد، وغيرهم لا أحد يمكنه أن ينكر الفظاعات التي ارتكبها كل الجلادين في سجون البوليساريو..»