الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة أن تنزيل قانون العقوبات البديلة في أفق شهر غشت2025 يكتسي أهمية بالغة بالنظر لراهنية موضوع العقوبات البديلة في السياسة الجنائية والعقابية المعاصرة على المستوى الوطني وكذا الدولي، حيث تُشكل تغييرا جوهريا في النظام العقابي التقليدي بالنظر لمحاسنها وآثارها الإيجابية في تيسير إعادة الاندماج الاجتماعي والمهني للأشخاص المحكوم عليهم، وقيمة مضافة للسياسات العقابية التي سبق لدول أخرى أن اعتمدتها بالنظر لمزاياها الإيجابية المتعددة.
جاء ذلك في كلمة له خلال افتتاح اليومين الدراسيين حول العقوبات البديلة المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أروبا، وبتنسيق وتعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج يوم الأربعاء-07 ماي 2025 من أجل تدارس مقتضيات القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، وتحليل مقتضياته وبسط سبل تنزيله.
وأفاد بأن هذين اليومين الدراسيين وما سيتخللهما من نقاشات واقتراحات ستشكل لا محالة خارطة طريق موجهة من أجل ضمان التنفيذ الأمثل لمقتضيات هذا القانون الجديد، واعتبرت موضوع العقوبات البديلة من بين المواضيع التي حظيت باهتمام بالغ خلال الحوار الوطني حول اصلاح منظومة العدالة من منطلق ضرورة مواكبة وتطوير السياسة الجنائية بالمغرب تماشيا مع التحولات التي تعرفها المنظومة العقابية على مستوى العالم، وذلك في اتجاه تنويع رد الفعل العقابي على الجريمة من خلال إقرار عقوبات بديلة للعقوبات السالبة للحرية، وهو الأمر الذي أكد عليه الملك محمد السادس في خطابه بتاريخ 20 غشت 2009 بمناسبة ذكرى 56 لثورة الملك والشعب حيث قال: " وهو ما يتطلب نهج سياسة جنائية ، تقوم على مراجعة وملاءمة القانون والمسطرة الجنائية ومواكبتهما للتطورات، بإحداث مرصد وطني للإجرام، وذلك في تناسق مع مواصلة تأهيل المؤسسات الإصلاحية والسجنية .
وبموازاة ذلك، يتعين تطوير الطرق القضائية البديلة، كالوساطة والتحكيم والصلح، والأخذ بالعقوبات البديلة." انتهى النطق الملكي.
الحسن الداكي أبرز أيضا أن التوجيهات الملكية شكلت مرتكزا جوهريا تمت على أساسه بلورة هذه التصورات في إطار التشريع الحالي المنظم للعقوبات البديلة والذي يرجع فيه الفضل لوزير العدل وللحكومة وللسلطة التشريعية في إخراجه إلى حيز الوجود لتدارس السُبل المثلى لتنزيله، والذي يعد مطمحا اجتماعيا، وحقوقيا يُجسد تطور مفهوم العقوبة من مجرد وسيلة للردع، والشجب إلى وسيلة للإصلاح والتهذيب وضمان بقاء المحكوم عليه داخل وسطه الاجتماعي وممارسته لحياته العادية اقتصاديا واجتماعيا، وفرصة لإعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع، لا سيما في ظل ما أثبتته الدراسات والتقارير الوطنية والدولية ذات الصلة بالمجال العقابي من ضعف نجاعة العقوبة السالبة للحرية ــــ سيما القصيرة المدة منها ـــــ في تحسين مؤشرات الأمن والسكينة العامة، ولما لها من آثار وخيمة اجتماعيا واقتصاديا، زيادة على السلبيات المرتبطة بتفاقم مشكل الاكتظاظ داخل المؤسسات السجنية، والذي أضحى عائقا يؤرق السياسات العمومية بصفة عامة، والمؤسسات القائمة على تنفيذ النظم العقابية بصفة خاصة.
وأضاف أن القانون المذكور في هذا الإطار جاء بخيارات عقابية جديدة بديلة عن العقوبات السالبة للحرية، حيث أتاح الحكم بها في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبسا نافذا، وحددها في أربعة أصناف هي: العمل لأجل المنفعة العامة، والمراقبة الالكترونية، وتقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية، والغرامة اليومية، ويضع تصورا جديدا لمعالجة القضايا التي يُحكم فيها بالعقوبات الحبسية النافذة طبقا لما هو منصوص عليه ضمن مقتضياته، حيث خوّل للقضاء إمكانية استبدال هذه الأخيرة بإحدى التدابير المشار إليها أعلاه، ما يضمن بقاء المحكوم عليه في وسطه الطبيعي وتلافي سلبيات اعتقاله، كما يفسح المجال لتيسير إمكانية إصلاحه سلوكيا وضمان استمرار أداء دوره اقتصاديا واجتماعيا بالنظر للتتبع الدقيق الذي تخضع له العقوبات البديلة سواء من طرف السلطات القضائية أو الإدارية الموكول لها قانونا تتبع تنفيذ العقوبات البديلة.