السبت 14 ديسمبر 2024
كتاب الرأي

نوفل البعمري: الدبلوماسية الأمنية 

نوفل البعمري: الدبلوماسية الأمنية  نوفل البعمري
إعلان المغرب عن كونه البلد الذي سيحتضن المؤتمر الدولي للأنتربول في مراكش، لم يكن تتويجاً عادياً لمسار مغربي في بعده الأمني، بل كان عبارة عن شهادة دولية لما يقوم به المغرب عموماً من تغييرات في مختلف مؤسساته، وهو أيضا شهادة على ما تم القيام به على مستوى المؤسسة الأمنية المغربية في إطار اشتغالها على موضوع محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للدول والحدود، اعتباراً لكونهما معاً باتا يشكلان معاً تهديداً كبيراً و خطيراً لعدة دول التي أصبحت تستشعره كخطر قادم ، خاصة مع تحالف التنظيمات الإرهابية لمنظمات الإجرامية الدولية التي احترفت تجارة السلاح والمخدرات خاصة القوية. ويبدو أنهما يسعيان معاً لتحويل أفريقيا بشكل عام ومنطقة جنوب الصحراء بشكل خاص لبؤرة تمركزها التنظيمي.
هذا التهديد الأمني الكبير ذو البعد الدولي والإقليمي كان للمغرب الدور الكبير في مواجهته، ليس فقط لأنه البلد الذي يتموقع في أفريقيا وله عمق استراتيجي أفريقي ساعده على التصدي لهذه التنظيمات، بل للاختيارات الاستراتيجية التي قام بها على مستوى مؤسساته الأمنية الداخلية والخارجية التي استطاعت معا توجيه ضربات قوية لهذه الشبكات. وقد استطاعت هذه الأجهزة توفير معلومات أمنية دقيقة جنبت عدة دول غربية ضربات إرهابية جدية منها الولايات الأمريكية الأمريكية، وإسبانيا وهولاندا وألمانيا وفرنسا وغيرها من الدول الأوروبية والغربية التي بفضل المعلومات التي تم توفيرها من طرف الأجهزة الأمنية المغربية، استطاعت هذه الدول تجنب ضربات خطيرة كان يمكن أن تؤدي في حال حدوثها إلى خسائر بشرية ومادية كبيرة.
التحركات المغربية على المستوى الأمني استطاعت أن تخدم صورة المغرب على المستوى الخارجي، وتعزز من حضوره الدبلوماسي وتمنحه في هذا الجانب ثقة الدول الكبار تصطف لجانبه باعتباره بلداً منخرطاً بشكل جدي على مستوى محاربة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود. وقد استطاع المغرب، من خلال ما قام به على الصعيد الأمني، أن يخدم مختلف قضاياه الحيوية خاصة قضية الصحراء التي أصبح استمرارها كنزاع مفتعل، مع الارتباط الموضوعي القائم بين مليشيات البوليساريو والتنظيمات الإرهابية، يشكل تهديدا للمنطقة ككل، بالتالي فقد كانت المقاربة الأمنية المغربية التي تم اعتمادها على مستوى محاربة الإرهاب ناجعة في كشف مختلف الخيوط التي تربط بين مليشيات البوليساريو ومختلف العناصر التكفيرية والجهادية، خاصة بعد الضربات التي تلقتها داعش في سوريا والعراق. هنا كان السلوك الأمني المغربي ذا تأثير إيجابي على مستوى مقاربة ملف الصحراء في بعده الأمني ارتباطاً والتهديدات التي تشكلها العناصر المليشياتية في المنطقة، خاصة بعد تبني مختلف دول العالم لمقاربة أن الانفصال يُنعش التنظيمات الإرهابية ويقتات عليه.
المقاربة الأمنية المغربية لم تكن قط مقاربة عادية، بل استراتيجية تم من خلالها ربط مصالح مغربية في بعدها الأمني مع عدة دول في العالم. وكان هذا المدخل مساعدا للمغرب ليعيد تنويع شراكاته وتموقعه الفعال ضمن الخريطة الأمنية العالمية ويحظى بثقة الفاعلين الكبار، وتكون معه المؤسسة الأمنية موضوع إشادة دولية من خلال ما تقوم به على مستوى محاربة الإرهاب.
الاستراتيجية الأمنية الجديدة التي انطلقت مع ما أعلنه عاهل البلاد سنة 1999 « المفهوم الجديد للسلطة» التي انتقلت لتكريس مقاربة جديدة للمؤسسة الأمنية المغربية، بحيث شهدت إصلاحات كبيرة سواء من خلال منح الصفة الضبطية لرجال Dst، وإعمال المقاربة الحقوقية كجزء من التحرك الأمني الداخلي والخارجي. أضف لها تحديث العمل والتعاطي مع الجريمة من خلال المقاربة الاستباقية التي استطاعت تفكيك مئات الخلايا الإرهابية… وغيرها من الخطوات التي تم القيام بها على هذا المستوى، في إطار المقاربة التي اقترنت بالعهد الجديد وبتولي الملك المغربي محمد السادس العرش، وبالإصلاح الشمولي الذي عاشه المغرب في ظل قيادة عاهل البلاد.
لقد أصبح للمغرب تنوع في دبلوماسيته حتى بات يتحرك على المستوى الخارجي بعدة أذرع، تتكامل كلها في الدفاع عن مصالح المغرب وفي حفظ مكانته بين الأمم و الشعوب وفي أن تكون الكلمة العليا للمغرب. هذا التنوع في المقاربة الدبلوماسية هو ما فرض الحديث اليوم عما يمكن تسميته بالدبلوماسية الأمنية بنموذج مغربي خالص، وهو حديث ليس من باب البروباغندا بل ينطلق من الواقع الأمني ومما خلفته هذه الدبلوماسية من نتائجه ملموسة انعكست إيجاباً تتكامل مع باقي التحركات الدبلوماسية التي يتم القيام بها المغرب على مستوى الخارجية المغربية، وعلى مستويات أخرى تحت مسمى دبلوماسية اقتصادية، ثقافية وسياسية…كلها تدفع بالمغرب ليتموقع بالشكل الذي يريده عاهل البلاد ويسعى إليه الشعب المغربي.