Monday 9 June 2025
سياسة

غضب المغرب من مواقف فرنسا يلقي بظلاله على التعاون الاقتصادي

غضب المغرب من مواقف فرنسا يلقي بظلاله على التعاون الاقتصادي الرباط بانتظار موقف فرنسي واضح من مبادرة الحكم الذاتي
الدولة العميقة في فرنسا عوض أن تفهم رسالة الملك محمد السادس بالشكل المطلوب، قامت بردود فعل غير ودية، محاولةً استفزاز المغرب والضغط عليه.
 

انتقلت الأزمة بين الرباط وباريس من المستوى السياسي والدبلوماسي إلى المستوى الاقتصادي، حيث أرجأ الاتحاد العام لمقاولات المغرب زيارة كان من المرتقب أن يجريها رئيس “حركة مقاولات فرنسا”.

يأتي هذا في وقت تطالب فيه الرباط باريس بتقديم موقف واضح من مبادرة الحكم الذاتي التي يعرضها المغرب كأرضية لحل قضية الصحراء وتحوز دعما واسعا من عدة جهات، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول أوروبية وأفريقية.

وأكد الاتحاد العام لمقاولات المغرب أن الأزمة بين الرباط وباريس هي سبب إلغاء زيارة وفد “حركة مقاولات فرنسا”، وهو ما يشكل ضغطا على الشركات الفرنسية التي تطمح للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي تتيحها عدة مشاريع اقتصادية في المغرب، وخصوصا في مجال الطاقة المتجددة والقطارات فائقة السرعة.

ونقلت إذاعة فرنسا الدولية عن مصدر في الاتحاد العام لمقاولات المغرب قوله إن إلغاء الزيارة “يرجع إلى السياق الحالي للعلاقات المغربية – الفرنسية”، مؤكدا أن الفترة الراهنة “لا تصلح لهذه الزيارة”.

ووصفت الإذاعة الأمر بأنه “طريقة صريحة للقول بأن مؤشرات الصداقة الرسمية بين البلدين ليست موضع ترحيب في الوقت الحالي”.

وكان من المرتقب أن يزور رئيس “حركة مقاولات فرنسا” جوفروا رو دو بيزيو المغرب في السادس والعشرين من يونيو الجاري برفقة وفد من رجال الأعمال الفرنسيين، للتباحث بشأن فرص الاستثمار والتعاون الاقتصادي بين البلدين.

وقال رئيس نقابة رجال الأعمال المغاربة شكيب لعلج “سوف نعيد برمجة هذه الزيارة في أقرب وقت عندما تكون الأجواء مناسبة سياسيا ودبلوماسيا لأن السياق الحالي غير مناسب”.

وأكد محمد الطيار، الباحث المغربي في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، أن إلغاء زيارة وفد “حركة مقاولات فرنسا” يعكس حالة الجفاء بين باريس والرباط، مشيرا إلى أن فرنسا لم تستوعب خطاب العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 2022، عندما دعا حلفاء بلاده التقليديين إلى الخروج من منطقة الغموض في قضية الصحراء المغربية.

ويرى الطيار في تصريح لـ”العرب” أن “كلام الملك محمد السادس كان موجها بصفة خاصة إلى فرنسا بشكل لا يحتاج إلى تأويل، حيث ربط استمرار أو بناء أي شراكة اقتصادية بالإعلان عن موقف صريح داعم للمغرب في وحدته الترابية”.

ولفت الباحث المغربي إلى أن الدولة العميقة في فرنسا عوض أن تفهم رسالة الملك محمد السادس بالشكل المطلوب، قامت بردود فعل غير ودية، محاولةً استفزاز المغرب والضغط عليه والهروب إلى الأمام.

وتعتبر فرنسا ثاني شريك تجاري للمملكة على المستوى العالمي بعد إسبانيا. وتم ترتيب فرنسا العام الماضي ثاني مستثمر أجنبي في المملكة والأول على مستوى عائدات الاستثمارات الأجنبية، كما كان المغرب أول مستثمر أفريقي في فرنسا خلال العام الماضي، وفق مكتب الصرف (حكومي).

ومن بين مؤشرات استمرار الأزمة عدم تعيين سفير مغربي جديد بعد إنهاء مهام السفير السابق بباريس محمد بن شعبون في يناير 2023 وتكليفه بمنصب المدير العام لصندوق الملك محمد السادس للاستثمار.

وتم اتخاذ قرار إنهاء مهام السفير السابق بالتزامن مع تبني البرلمان الأوروبي توصية غير ملزمة، تنتقد أوضاع حرية التعبير في المملكة، حيث لقيت هذه الخطوة إدانة قوية في الرباط التي اتهمت باريس بالوقوف وراء الحملة ضدها.

وقبل ذلك توترت علاقات البلدين عندما خفضت باريس إلى النصف عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة بين خريف 2021 ونهاية 2022، بسبب خلاف حول إرجاع مهاجرين غير نظاميين.

وتمر العلاقات بين الرباط وباريس بحالة جفاء بلغ مداه إثر عدم تحديد الرباط موعدا لزيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب ولقاء الملك محمد السادس، على الرغم من أن قصر الإليزيه سبق أن حدد مواعيد مبدئية لتلك الزيارة ثم اضطر بعد ذلك إلى تأجيلها، وهو ما يؤشر على عمق الأزمة بين البلدين.

وعلى رأس الأسباب التي ساهمت بقوة في تأزيم العلاقات الثنائية تلكؤ فرنسا في الإعلان بوضوح عن دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء، على خطى واشنطن وألمانيا وإسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا والنمسا. وزادت الأمور سوءا بعد تبني الإعلام الفرنسي اتهام الرباط بالتجسس على الرئيس ماكرون وعلى مسؤولين فرنسيين رفيعي المستوى، على الرغم من النفي الرسمي المغربي.

وترى الرباط أن الحزب الذي يقوده ماكرون يقف وراء الحملات ضد المغرب داخل البرلمان الأوروبي.

ويعتقد الطيار أن باريس تكتفي حاليا بالترحيب بمقترح الحكم الذاتي كمقترح، دون اعتباره الحل الكفيل وحده بحل النزاع المفتعل في إطار السيادة المغربية، ولا خيار أمام دولة فرنسا العميقة غير الاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه والالتحاق بركب الولايات المتحدة وألمانيا وإسبانيا للحفاظ على مصالحها في المغرب بصفة خاصة وفي أفريقيا بصفة عامة. 

المصدر: العرب