Wednesday 18 June 2025
كتاب الرأي

إدريس الأندلسي: ثلاثة دراهم وكتاب

إدريس الأندلسي: ثلاثة دراهم وكتاب إدريس الأندلسي
إنها حكاية واقع مر ينتحر فيه الإبداع بدون إرادته. هذا الإبداع الذي يفترش الثرى منثورة كلماته على صفحات ملت شوارع المدينة ولا تريد أن تقارن بأي مخلوق لا مأوى له. في نهاية كل يوم يتم التعامل مع الكتاب بقسوة. يوضع في علب من " الكرتون" ويقضي لياليه جائعا متعطشا لغد قد تحمله فيه بعض الأيادي لكي تتصفحه وتمحي عن وجهه الهموم وما تراكم من غبار على غلافه. خجلت كثيرا وأنا أجمع من الثرى كتبا تضم أبحاثا وقصصا لمثقفين وحاملي هموم تقاسم المعرفة. صوت رجل متواضع وبشوش يرتفع كلما مر من جانبه شخص تظهر على محياه علامات أنه يقرأ.
ويزيد الصوت ارتفاعا مع توافد محبي الشاورما والحلويات على المطاعم التي توجد قرب تلك الأمتار من الشارع التي تستلقي عليها الكتب مجبرة لا مخيرة.
"ثلاثة دراهم للكتاب" ويعيد الرجل هذه الجملة بسرعة حتى يتسابق مع إيقاع التهام السندويتشات التي يباع أقلها جودة بعشرة دراهم. راعني المنظر فوقفت أتأمل العناوين وأسماء من كتبوها ورسوم من سهروا على جودة الغلاف. اخترت بعض الكتب وعبرت لبائع الكتب عن خجلي من اقتناء سبعة كتب بما مجموعه واحد وعشرون درهما. وخجلي أصبح كبيرا حين قررت الكلام عن حياة كتب تعيش في زمن ازدراء الإبداع والتفكير والثقافة بشكل عام. لا أريد إقحام أسماء مؤلفي كتب تباع بثلاثة دراهم في موضوع يتجاوز ارادتهم.
عدد الكتب التي لا مكان لها على رفوف المكتبات وتلك التي لا تجد من يتحمل معاناة الحصول على عصارة التفكير أكثر آلاف المرات من تلك التي تملأ فضاءات معارض الكتاب. ثلاثة دراهم للكتاب عنوان حزين على انتصار من يكرهون الثقافة والفلسفة والمسرح والموسيقى والغناء والرسم والنحت.
هؤلاء ليسوا فقط من أصحاب شعارات محاربة أعمال العقل وتغييبه والاكتفاء بطاعة من لا صلة لهم بالعلوم. إنهم كذلك من ملتهمي سندويتشات الغرب ومن حاملي كل مظاهره من لباس وسيارات وطرق استهلاك بضاعته بشره وبأموال كثيرة. معاداة الكتاب تأتي أيضا من بعض من أشعلوا سوق النشر بهدف اغتناء سريع عبر الجري وراء تمويل عمومي مصدره الضرائب. هؤلاء يعرفون من أين تؤكل الكتف وبعدها يفترش الكتاب الثرى في انتظار متصحف حتى لا أغامر بإلصاق "تهمة" بل صفة القارىء بكل من اقتنى كتابا. يعجبني كثيرا مفهوم "التربية على القراءة" وأؤمن بنجاعة تفعيله رغم آثار وسائل الاتصال الحديثة. التأطير التربوي داخل البيت والمدرسة ليس مضيعة لجهود المربين والأسر. ولحسن الحظ أن أمثلة النجاح موجودة وقابلة للتوسع مجتمعيا. حاول الوزير السابق للشباب محمد الكحص تعميم مجالات قراءة الكتب لتصل إلى الشارع والمخيم ودور الشباب، لكن أصحاب التنشيط التافه كانت لهم سطوة تعميم التفاهة.