الثلاثاء 19 مارس 2024
مجتمع

البروفيسور إسماعيل رموز: الصحة النفسية.. الطفل اليتيم في القانون المالي كل عام

البروفيسور إسماعيل رموز: الصحة النفسية.. الطفل اليتيم في القانون المالي كل عام البروفيسور إسماعيل رموز مع صورة تعبيرية عن حالة المرض النفسي - العقلي

يثير البروفيسور إسماعيل رموز، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب في أكادير، في هذا الحوار حيثيات الوضع النفسي والعقلي في المغرب؛ مشيرا إلى أن هناك معطيات رسمية تؤكد أن ما يعادل 48 في المائة من الساكنة المغربية، البالغة من العمر16 سنة فأكثر، تعاني من اضطراب نفسي.. مضيفا أن البنيات التحتية الاستشفائية في المغرب في هذا المجال تشكل نقطة سوداء لمنظومة الصحة بالمغرب...

 

+ بداية ما هي قراءتك للوضع النفسي والعقلي في المغرب؟

تشير المعطيات الرسمية أن ما يعادل 48 في المائة من الساكنة المغربية، البالغة من العمر16 سنة فأكثر، تعاني من اضطراب نفسي، وذلك من خلال الدراسة التي أنجزتها وزارة الصحة خلال سنة 2005 على عينة من 6 آلاف شخص تتجاوز أعمارهم 16 سنة.

وتبين من خلال هذه الدراسة إلى أن اضطراب الاكتئاب يأتي في المقدمة بنسبة 26 في المائة، واضطراب القلق العام بنسبة 9  في المائة. أما الاضطرابات الهذيانية (مرض الفصام وأشكال ّأخرى مزمنة وحادة من امراض الذهان) فيشكل نسبة 5 في المائة، فيما الإدمان على الكحول  يمثل 1.4 في المائة. أما الإدمان على المخدرات يصل إلى نسبة 2.8 في المائة.

لكن هذه الدراسة تحتاج إلى مراجعة في منهجية البحث لأنها خلصت إلى أرقام عالية، خاصة  في ما يخص الاكتئاب.

 

+ هذا يقود إلى سؤال البنيات التحتية الاستشفائية في المغرب؛ هل الوضع عاد ويستجيب للانتظارات؟

- للأسف هذا الموضوع يشكل نقطة سوداء لمنظومة الصحة بالمغرب، وكل الفاعلين الصحيين واعون بهذا الأمر. وتشكل المراكز الاستشفائية المختصة في الطب النفسي القاطرة في مجال التكوين والعلاجات المتقدمة وكذلك على صعيد البحث العلمي. فهناك 5 مراكز استشفائية جامعية على الصعيد الوطني، بعدد أسرة يصل إلى 744، في انتظار  بناء ثلاثة مراكز أخرى بطنجة وأكادير والعيون.

أما في ما يخص مستشفيات الطب النفسي فهو يعادل 20 مركزا على الصعيد الوطني، بعدد أسرة يصل إلى 696.

وانطلاقا مما سبق، يمكن القول أن مجموع مراكز، مصالح ومستشفيات الطب النفسي في المغرب يصل إلى 30 مؤسسة، بعدد أسرة إجمالي يصل إلى 2115.

أما مجمل الأطباء النفسانيين فيبلغ عددهم 450 طبيب بالقطاع العام والخاص معا. كما تجدر الإشارة إلى أن هناك 16 مستشفيات عامة متوفرة على مصلحة الطب النفسي، فضلا عن مصلحة واحدة خاصة بالطب النفسي للأطفال، فيما وتصل القدرة السريرية لمجموع هذه المراكز يقدر ب 1725 سريرا.

 

+ وماذا عن الوضع في القطاع الخاص؟

- في المغرب 3 مصحات خاصة مختصة في الطب النفسي. وهو القطاع الأكثر استقطابا ويتمركز خاصة في الوسط الحضري. وهناك 3 جهات ترابية في المغرب تنعدم فيها مراكز الصحة النفسية في القطاع الخاص. يتعلق الأمر بكل من جهة كلميم السمارة، وجهة العيون الساقية الحمراء، وجهة الداخلة وادي الذهب.

 

+ لكن، هل الميزانية المرصودة تفي بالمطلوب وتستجيب للانتظارات؟

- بلغة الأرقام دائما، فإن الميزانية المخصصة للصحة النفسية تمثل أقل من 1 من الميزانية العامة لوزارة الصحة، والميزانية المخصصة لشراء الأدوية تمثل ما يقارب 36 مليون درهم.

ميزانية هي أقل من انتظارات المواطنين وأسرهم، وأقل من انتظارات العاملين في قطاع الصحة، وأقل كذلك مقارنة مع التخصصات الأخرى، على الرغم من زيادة  الميزانية خلال السنوات الأخيرة. كما أن التوزيع غير متساو بين القطاع الجامعي والصحة العامة.

 

+ هذا يقودنا إلى سؤال يتصل بالآليات القانونية والتشريعية تؤمن الحماية وتحمل كل طرف مسؤوليته وحدوده؟

- يرجع التشريع المغربي حول الصحة النفسية إلى السنوات الأولى من الاستقلال، فلا يوجد مع الأسف  تعريف محدد للصحة النفسية، وليس هناك أي اشارة لحقوق المريض النفسي. كما أن هناك اشكالات  في التدابير الإدارية للاستشفاء.

 

+ واقع الحال يؤكد أن تمت إكراهات تواجه تدبير الصحة النفسية والعقلية للمغاربة. ما قراءتكم لذلك بلغة الأرقام؟

- بحسب إحصاءات رسمية لوزارة الصحة، هناك توزيع غير متكافئ للأطباء النفسانيين في القطاع العام عبر مختلف الجهات، والتجهيزات والبنايات غير مؤهلة وغير صالحة للاستعمال الملائم، إلى جانب عدم مطابقة البنايات للمعايير الدنيا، وكذا عدم ملائمة الفضاء لخصوصية المرضى الذين يعانون من أمراض نفسية.

كما أن هناك أماكن متداعية وغير صحية، وسط تدني مستوى السلامة، إلى جانب شبه غياب مرافق المواكبة وإعادة التأهيل ومراكز الدعم النفسي والاجتماعي وخصوصا بالنسبة للأطفال ولكبار السن.

وتمثل الكثافة الوطنية بالنسبة للأطباء النفسيين هي 0,78 طبيب نفسي لكل مائة ألف نسمة، في حين أن هذه النسبة يجب أن تفوق 1.25 على المستوى الدولي. أما الكثافة الوطنية بالنسبة للممرضين هو 2,43 طبيب نفسي لكل مائة ألف نسمة. في حين أن هذه النسبة يجب أن تفوق 5,80 على المستوى الدولي.

ويوجد طبيب نفسي لكل مائة الف نسمة في المغرب في حين أن توصيات المنظمة العالمية للصحة تلزم توفر طبيب نفسي واحد لكل عشرة آلاف نسمة. كما يوجد 0.04 معالج نفسي لكل مائة الف نسمة في حين أن توصيات المنظمة العالمية للصحة تلزم توفر معالج نفسي واحد لكل 50 سريرا.

وبلغة الأرقام، يوجد ممرض نفسي واحد لكل 64600  نسمة في حين أن توصيات المنظمة العالمية للصحة تلزم توفر ممرض نفسي واحد لكل 4 أسرة.

وبالنسبة لعدد الأسرة، يتوفر المغرب على سرير واحد لكل 18900 في حين أن توصيات المنظمة العالمية للصحة تلزم توفر 4.5 سريرا لكل عشرة آلاف نسمة.

وتمثل كثافة الأسرة تعادل 6,34 لكل مائة ألف نسمة. كما أن 35 من أسرة الاستشفاء هي مركزة على المحور الدار البيضاء الرباط. أضف إلى ذلك فعدد باقي التخصصات: أخصائي نفسي، أخصائي نفسي حركي، أخصائي النطق، مساعدين اجتماعيين.. وهذا مؤشر قليل جدا.

ويواجه استشفاء المرضى المصابين بمختلف الامراض النفسية وبالذهان على وجه الخصوص من عدة إكراهات نظرا لتجاوز أغلب المستشفيات الصحة النفسية الطاقة الاستيعابية المحددة مما يخلف استياء العائلات.

 

+ في ظل هذا الوضع المترهل للصحة النفسية والعقلية للمغاربة. ما المطلوب فعله؟

- أولا التوزيع العادل للبنيات الصحية، وخلق مصالح مدمجة للصحة النفسية، وإنشاء قاعات بسريرين وسط عمران ملائم، وتشيد فضاءات مفتوحة، فضلا عن أنسنة العلاقة بين العاملين في قطاع الصحة والمريض.

ومن أجل تجاوز الوضع لا بد من التذكير برؤية  المجلس الوطني حقوق الإنسان الذي رصد في تقريره لعام 2012  بعد أن باشر زيارات عدة لمستشفيات الطب النفسي بالمغرب، ليخلص إلى ملاحظات، على رأسها نمط التسيير غير الملائم، ونمط التوزيع غير المتساوي، إضافة إلى ملائمة مهملة، وأسرة طبية غير كافية، فضلا عن التجهيزات غير الكافية وغير الملائمة. كما أن عدد سيارات الإسعاف غير كاف.

أما بخصوص فضاءات الاستشفاء في بعض الأحيان فهي غير إنسانية في قاعات متعددة غير مجهزة، تعمق جراحها وجبات الأكل غير الصحية، والقاعات المتلاشية، والتهوية غير الكافية والمكيفات غائبة، بحسب نفس التقرير الحقوقي.

 

+ ما هي الوصفة التي تقترحها لتحسين العلاج ومحاربة التمثيلات المشينة حول المرض النفسي ومرضاه؟

- يمكن حصر ذلك في حزمة إجراءات وتدابير عملية، منها ما يتعلق بالتجهيزات، وما هو وقائي، وما يرتبط بالموارد البشرية، وقانوني ومالي (توفير التمويل) ومحاربة الوصم.

ففي الشق الوقائي، يتعين منذ الطفولة، في أوائل المراهق، أن نشتغل مع عدد من الفاعلين والشركاء، من وزارة التربية الوطنية ووزارة الشباب ومؤسسات الاعلام. وهنا العمل التشاركي ينبغي أن يصب في مجرى واحد ألا وهو تجويد الحياة النفسية، وعدم إيذاء الطفل والمراهق في المدرسة والبيت والشارع من خلال أساليب عنيفة وغير ملائمة للطفل.

وإجراءات الجانب الوقائي  وتدابيره لها ثمار مؤكدة، لكن تجنى على المديين المتوسط والبعيد.

وهنا لا بد من التأكيد على أنه من المفيد الاعتماد على وزارات أخرى عبر شراكات مؤسساتية. ففي التاريخ الإسلامي، المعروف أن وزارة الأوقاف، أو من يدبر شأن الأحباس، يساهمون بشكل كبير في تمويل المستشفيات المخصصة للطب النفسي. وهذا جانب يمكن الاستفادة منه، فضلا عن المتطوعين والفاعلين والشركاء في المجتمع المدني لتقديم يد العون لتمويل البنيات الاستشفائية وخدماتها الاستشفائية.

المستوى الآخر، يتصل بوصم المرض والمريض. لذا يتعين علينا أن نحارب ذلك، فالكثير من الأشخاص يحتاجون لطبيب نفسي غير أنهم يخافون من ذلك، يخافون من أن يشار إليهم بأنهم مجانين. فلا بد أن نتصدى لمثل هاته التمثلات المشينة عند المرضى النفسيين. وهذا دور الأطباء النفسانيين لأنهم ينبغي أن يكونوا حاضرين بتكوينهم وصدقهم  وتفاعلهم وتواصلهم مع المريض، من دون إغفال دور الممرضين النفسانيين الذين يباشرون عملهم بشكل جيد من حيث الإنصات والتواصل والرعاية الصحية وغير ذلك، مما يستلزم رعاية المريض النفسي ودعمه...