Saturday 12 July 2025
كتاب الرأي

يوسف بوش: حق الأطفال في التامين واجب على الدولة

يوسف بوش: حق الأطفال في التامين واجب على الدولة يوسف بوش
أصدرت وزارة الشباب والثقافة والتواصل قطاع الشباب دوريه مؤرخه بثالث يناير 2023 موضوعها النظام القانوني لدور الشباب التابعة للسلطة الحكومية المكلفة بالشباب توضيحا للمرسوم الوزاري رقم 2.21.519 الصادر بتاريخ 3 غشت 2022 و المنشور بالجريدة الرسمية عدد 7118 بتاريخ 18 غشت 2022 والذي اعتبرته الدورية يدخل في اطار استكمال الورش التشريعي ، وقد اوضحت الرسالة المذكرة بان المرسوم الوزاري حدد كيفيات الاستفادة من الخدمات التي تقدمها دار الشباب فيما يتعلق بانخراط الشباب والأطفال واستفادة الجمعيات، وانه اوجب اكتتاب وثيقة تامين قصد تغطية الأضرار التي قد تلحق بالمستفيدين أو العاملين بدار الشباب، وأنه في هذا الصدد (( يتعين على الجمعيات و المؤسسات العاملة في مجال الشباب ان تؤمن مجموع الأطفال والشباب التابعين لها والذين تتوخى استفادتهم من الخدمات المقدمة بدار الشباب ،في حين تتولى السلطة الحكومية المكلفة بالشباب مهمة تامين الأطفال والشباب المنخرطين بها طبقا لمقتضيات المادة 14 من المرسوم رقم 2.21.159
هذه المقتضيات التي تعد تراجعا واقعيا عن التزامات الدولة في حق الأطفال وتشكل انتكاسة حقوقية ودستورية وهو ما يتبين فيما يلي :
المقتضى يتعارض مع المادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل المتعلقة بالمصلحة الفضلى للطفل والتي تنص على أنه (في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولي الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى.)
المقتضى يتعارض واتفاقية حقوق الطفل في مادتها 3 خصوصا الفقرة 2 التي تنص على أنه : ((تتعهد الدول الأطراف بأن تضمن للطفل الحماية والرعاية اللازمتين لرفاهه، مراعية حقوق وواجبات والديه أو أوصيائه أو غيرهم من الأفراد المسؤولين قانونا عنه، وتتخذ، تحقيقا لهذا الغرض، جميع التدابير التشريعية والإدارية الملائمة.))
وإذا رجعنا الى المادة 15 من الاتفاقية التي تنص على ان :
1. تعترف الدول الأطراف بحقوق الطفل في حرية تكوين الجمعيات وفى حرية الاجتماع السلمي
2. لا يجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأية قيود غير القيود المفروضة طبقا للقانون والتي تقتضيها الضرورة في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن الوطني أو السلامة العامة أو النظام العام، أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو لحماية حقوق الغير وحرياتهم.
وبالرجوع الى المرسوم الوزاري نجده قيد الاستفادة من دور الشباب و انشطة الوزارة بقيد التأمين بشكل صريح مما يعد خرقا للحق في تكوين الجمعيات وحرية الاجتماع السلمي، وتملصا من طرف الحكومة من مسؤوليتها .
مقتضيات المرسوم تخرق الفقرة 3 من المادة 18 من حقوق الطفل التي تنص على أنه:
((تتخذ الدول الأطراف آل التدابير الملائمة لتضمن لأطفال الوالدين العاملين حق لانتفاع بخدمات ومرافق رعاية الطفل التي هم مؤهلون لها.))
أما المادة 26 من اتفاقية حقوق الطفل تنص بشكل صريح على الحق في التأمين وانه من مسؤوليات الدول و هكذا جاء في هذه المادة:
1. تعترف الدول الأطراف لكل طفل بالحق في الانتفاع من الضمان الاجتماعي، بما في ذلك التأمين الاجتماعي، وتتخذ التدابير اللازمة لتحقيق الإعمال الكامل لهذا الحق وفقا لقانونها الوطني.
2. ينبغي منح الإعانات، عند الاقتضاء، مع مراعاة موارد وظروف الطفل والأشخاص المسؤولين عن إعالة الطفل، فضلا عن أي اعتبار آخر ذي صلة بطلب يقدم من جانب الطفل أو نيابة عنه للحصول على إعانات)).
ثانيا : المقتضيات المتعلقة بالتامين التي جاء بها المرسوم والرسالة الوضحة له يتعارض والدستور المغربي .
بالنظر الى أن الدستور المغربي ينص على ان الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب تعتبر جزءا من قانونه الداخلي وبالنظر الى ان المغرب صادق على اتفاقية حقوق الطفل فإنها تعتبر جزءا من قانونه الداخلي بل هي اسمى من هذا القانون وخرقها يعتبر خرقا للدستور الذي ينص على هذا السمو.
وهو نفس ما قرره خطاب صاحب الجلالة محمد السادس بمناسبة تقديم مشروع الدستور الجديد بتقريره على انه بمقتضى الدستور الجديد تمت (دسترة كافة حقوق الإنسان، كما هو متعارف عليها عالميا، بكل
آليات حمايتها وضمان ممارستها. وهو ما سيجعل من الدستور المغربي دستورا لحقوق الإنسان،
وميثاقا لحقوق وواجبات المواطنة.
وفي هذا الصدد، تمت دسترة سمو المواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، على
التشريعات الوطنية ) انتهى كلام جلالته.
خرق مبدأ المساواة بين المواطنين ( الأطفال ) دون أي اعتبار لما التزم به المغرب دستوريا من (( حظر ومكافحة كل أشكال التمييز، بسبب الجنس أو اللون أو المعتقد أو الثقافة أو الانتماء الاجتماعي أو الجهوي أو اللغة أو الإعاقة أو أي وضع شخصي، مهما كان؛))
بينما المرسوم يميز بين المرتفقين اد خول للمنتسبين لدار الشباب وضعا تفضيليا على حساب المنتسبين للجمعيات .
المرسوم الوزاري يعد خرقا للمادة 21 من الدستور التي تنص انه : (( لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته، تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع.)).
خرق الفصل 31 من الدستور الذي يلزم
أن تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:
- العلاج والعناية الصحية؛
- الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛
- التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛
و لنا أن نتساءل كيف سيستفيد المواطنون الأطفال من تلك الحقوق بعد تقييدها بوجوب التامين في تهرب واضح من مقتضيات المادة 31 .
أما اذا انتقلنا الى الفصل 33 من الدستور فإننا نجده يتحدث عن توسيع مشاركة الشباب، بينما ما جاء به المرسوم هو عكس ذلك .
ثالثا : خرق مبادئ الحكامة الجيدة ومبادئ القانون الإداري:
خرق الحكامة الجيدة
بالنظر الى ان الحكامة الجيدة تنبني على تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.
تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية، وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها الدستور.
و بالنظر الى ان المرسوم يتعارض كما سبق توضيحه مع مبدأ المساواة بين المواطنين ، ويحد بل يعوق من ولوج المواطنين الى مرفق دار الشباب.
فإنه يكون مفتقرا الى الحكامة الجيدة
خرق قواعد القانون الإداري ومبادئه
حيث يعد مرفق الطفولة والشباب من المرافق التي هي من صميم مهام الدولة وذلك بصريح مواد الدستور والمواثيق الدولية ومبادئ واعراف الإدارة والتنظيم الإداري المغربي والمقارن، وبذلك فقيام الجمعيات بتنشيط وتأطير وتربية وتكوين الأطفال والشباب لا يلغي الاختصاص عن الدولة في ذلك المجال بل تبقى هي الوصية على القطاع والمسؤولة عنه وبالتالي لا يمكن ان تحل الجمعيات محلها في التزاماتها، وحيث ان من ابرز تلك المسؤوليات هو توفير الحماية القبلية والبعدية للأطفال، على اعتبار ان الطفل ولو كان عند الجمعية فان سلامته من صميم مسؤولية الدولة باعتبارها الراعية لمصالح افراد المجتمع ، مما يجعل تامين الأطفال من اوجب واجباتها ان ارادت ان تحمي نفسها من أداء التعويضات.
أما ما جاء به المرسوم الوزاري فهو هروب الى الأمام وقلب لقواعد المسؤولية كما جاءت بقانون الالتزامات والعقود وتهرب من الحكومة من مسؤوليتها وتحميل الجمعيات بها على غير أساس قانوني او دستوري او اداري .
ان مسؤولية الدولة عن سلامة الأطفال لا تقف عند مؤسسات دور الشباب وانما هي ممتدة في الزمان والمكان، لأجل ذلك فإنها مطالبة بان توفر التأمين للأطفال أينما حلوا و ارتحلوا.