الخميس 28 مارس 2024
مجتمع

حديث الصورة.. كيف أصبح هم الشجرة الوحيد اتقاء شر الحديد

حديث الصورة.. كيف أصبح هم الشجرة الوحيد اتقاء شر الحديد الصورة موضوع الحديث
وأنا أتجول عبر شوارع إحدى مدن الشمال، سمعت همسا خفيفا به نغمات حزن دفين، التفت بناظري ذات اليمين وذات الشمال، أدركت مصدر الصوت المبحوح، هي شجرة من فصيلة التينيات، معروفة بقوة تشبتها بالحياة وبمكان النشأة...كما تتميز بقوة الإسناد والمساندة بين الأغصان والجدع، خلتها تشكي حضها البئيس من النسيان، قلت لها ما خطبك ياشجرة، أراك مورقة وأغصانك وارفة وملتفة ببعضها البعض...تمايلت بعض الأغصان حتى لامست طربوشي أوراقها، صاحت في قائلة:
يا عجوز، هلا أخدت لي صورة وسلفي لتوقيترانية الحدث؟
قلت على الرحب والسعة " هيٌ.اللي ماتتعاودش"، برمجت هاتفي على مسافة السيلفي والمباشر، خلت الشجرة تقول:
ما بالك، يا رجل بأناس، غرسونا لتزيين الشوارع المضيقية،"حزَّمونا " و"رزَّمونا" بالشباك الحديدي ونحن في عنفوان الشباب، كان ذلك حتى يستقيم مسيرنا، ولا يلحقنا ضرر من المتطفلين ومن لا يعتبر بأهمية التشجير،كنا فرحين على مسافة النمو، المرتبط بهدف التشبيك... ولما اشتد عودنا، وقوية فروعنا، واحتجنا للحرية في ترسيم المسار، فقدنا الرعاية والصيانة من القيمين على الشأن البيئي، وبقي همنا الوحيد خوض الحرب مع كثلة الحديد التي طوقت الجدع والفروع...
تأملت منظر الشجرة، حالة تدعو للشفقة، خَمَّنْت كيف كان طموحها في تحديد المسار الجميل لتفيد الساكنة بظلالها الوارفة، وتستفيد هي من الرعاية والتشديب ... وكيف أصبح همها الوحيد، اتقاء شر الحديد والشباك، وما يترتب عن الصدإ من أعطاك وأمراض...أغصان غيرت مسيرها في كل اتجاه، وكأن شارات التشوير الحمراء تقف لها بالمرصاد، لا هي استمتعت بجميل المسير، ولا الساكنة استمتعت بحسن الظلال، وجميل المنظر.
أحالني المنظر على مواقع ومواطن أخرى على مسافة الوطن، تُنسى فيها عمليات التدبير والصيانة والتجديد، وما يترتب على ذلك من سوء التدبير، ذاك السوء الذي يُنفرك ويجعل أواصر الانتماء، بين ألف سؤال وسؤال.
حين تابعت مسيري، خلت شباك الحديد، يقول: لا تفضحنا يا عجوز...لربما حتموا علينا قرار البقاء لثلاثين سنة في نفس التشبيك، كما قُرٍّر سقف التوصيف في صنوة للثلاثين...فاختلط عليهم الأمر كما اختلط البقر على قوم موسى.