تشهد المخيمات التربوية تنظيمًا متزايدًا لفعاليات تحسيسية (كالتربية الطرقية، والصحية، والبيئية، وحقوق الإنسان) من جهات خارجية، غالبًا ما تكون منفصلة عن المشروع البيداغوجي الأساسي للمخيم. فالمخيمات التربوية تدور فيها الحياة حول مشروع بيداغوجي يحمل بين دفتيه الأهداف والوسائل سيعمل بها ويستهدفها وبين أضلعه برنامجا تنشيطيا لتأثيث أيامه ولياليه،

على مدى أربعة عقود، تطورت هذه الأنشطة من عروض سينمائية بسيطة مصحوبة بإعلانات، إلى قوافل متكاملة تشمل عروضًا بهلوانية ومسرحيات وورش رسم وتلوين، بل ووصل بعضها إلى درجة مرافقة رجال أمن حقيقيين لتقديم عروض تطبيقية. ورغم هذا التطور الشكلي، فإن جوهر الكثير من هذه الحملات بقي "تحسيسيًا مباشرًا" يقدم "دروسًا" نظرية، يغيب عنه عنصر "التنشيط البيداغوجي" الجذاب الذي يحول المعلومة إلى تجربة ممارسة حية وممتعة للطفل.

والملاحظ في هذا المضمار أنه لا تنظيم القوافل ( وهي تحرك موظفين وأعوان وبعض التجهيزات ) ولا شعارات بعض المخيمات حول البيئة والتنمية المستدامة ، لا يشكل عمق التنشيط البيداغوجي ولكن حملات تحسيسية تفتقد العنصر الرئيسي للتنشيط البيداغوجي بالمخيمات الذي هو المتعة والمرح وهي فقط عناوين ترفع على لافتات تزيين أو سبورات، ولا نجد من تنشيط إلا إنتاج بعض الأشغال اليدوية لتدوير بعض النفايات ولا نجد أثرا لملصقات التربية الجماعية للمحافظة على البيئة في فضاءات مخيمات الأطفال.

فالمشكلة الأساسية تكمن في أن هذه الحملات، رغم حدوثها داخل فضاء المخيم، إلا أنها:

• منفصلة زمنيًا وبرنامجيًا: تُعقد على هامش النشاط اليومي وليس ضمن نسقه المتكامل.
• تفتقر إلى التكامل: لا يوجد توازن أو تكامل بينها وبين باقي الأنشطة التي يشرف عليها الطاقم التربوي للمخيم.
• تفضل الشكل على الجوهر: أصبحت نشاطًا مهيكلًا ومربحًا للمنظمين، لكنه غالبًا ما يخفق في تحقيق الأبعاد التربوية العميقة.

وهكذا سجلنا:

1. الصحة (دكتور سنينات): رغم فائدة توزيع فرشاة ومعجون أسنان، إلا أن العرض النظري المصاحب لا يغني عن جعل العناية بصحة الفم ممارسة يومية يرعاها المنشط مع مجموعته.
2. السلامة الطرقية: تطورت إلى مسابقات على دراجات وممرات مرسومة، لكن دمج مبادئها في ألعاب وأنشطة يومية مستمرة هو البديل الأكثر فاعلية.
3. البيئة (القافلة الخضراء): تقتصر على عروض سمعية بصرية وتحسيس نظري، دون أن تتحول إلى ممارسة عملية يومية كفرز النفايات وإنتاج لوحات فنية من مواد معاد تدويرها داخل حياة المخيم، وأشكال تعبيرية إبداعية.
4. حقوق الإنسان: تم وضع صناديق لتلقي الشكايات، لكن غاب التوضيح للمستفيدين حول آليات المتابعة وكيفية معالجة تلك الشكاوى بشكل عملي. والنشاط التربوي التنشيطي الوحيد ولكن يحتاج الى تشذيب هو برلمان المخيم الذي يصبح عرضا غير جدي لدى البعض حيث يحاول محاكاة ما يجري من وجهة نظر منظميه، عوض أن يكون كما ينبغي في الحياة ذاتها.
5. وأخيرا سجلنا الشروع في نوع من النشاط "التحسيسي" الجماعي حول مبادئ التدبير المالي السليم لدى الناشئة"، عوض تعلم تداول المال عبر اللعب والمشاركة في تنظيم بنك المخيم والقيام بألعاب حول المقايضة أو انتاج قصة مصورة أو ألعاب عائلية....
6. والادهى من كل هذا هو دعم غريب لنشاط من صلب نشاطات المخيمات "كرفان المخيمات" من تنشيط مهرج محترف تحت عنوان قافلة المواطنة لتخلق الحدث الفني والترفيهي في المخيمات الصيفية منذ الصيف الفارط حيث يقوم باستعراض وتنشيط جماعات الأطفال كأنهم في مدرجات الملاعب الرياضية،
7. ثم هناك اتفاقية أخرى جاءت لتعزيز المشاركة المواطنة للشباب " في إطار ضرورة تعدد الفاعلين والمتدخلين للاستجابة لانتظارات الشباب في مختلف المجالات توفير تكوينات موجهة للشباب من أجل مساعدتهم على تفادي الإشكاليات المطروحة في مجال التكوين" فما هو محتوى ذلك وما أهدافه.

وهذه الأنشطة الاستثنائية ستملأ زمن المخيم كله ويعود الأطفال الى دورهم بحمولات تحسيسية، إن المخيم ليس فصلاً دراسيًا ولا ثكنة، بل هو حياة جماعية مصغرة، لذلك فإن الحل الأمثل هو:

• إدماج القيم في الحياة اليومية: تحويل الأنشطة الأساسية إلى جزء من العملية التربوية لتعزيز القيم مثل المسؤولية والتعاون.
• اعتماد التنشيط التفاعلي: استبدال العروض النظرية بأوراش عمل تفاعلية، ومناقشات جماعية، وألعاب هادفة، ومسرحيات يرتبها ويشارك فيها الأطفال، مما يعزز اكتساب المهارات الحياتية بشكل طبيعي.
• التركيز على المتعة والممارسة: جعل المشاركة والتجربة محور أي نشاط تحسيسي، عوضًا عن التلقي السلبي.

فالتربية الحية لا تنظر إلى الطفل باعتباره متلقّيًا فقط داخل حصة أو نشاط، بل ككائن يعيش تجربة شاملة، وإدماج أنشطة الحياة اليومية يرسخ مبدأ أن التربية لا تتوقف عند لحظة التعلم المدرسي، بل هي ممارسة ممتدة في كل تفاصيل اليوم حيث أن الطفل يتعلم بشكل طبيعي من خلال الممارسة، لا عبر التلقين أو الحصص "المفروضة"، وتلك الحملات المنظمة على شكل قرى وقوافل تقوم بنفس ما يقوم به المدرس في الفصل ولا يشارك الطفل في كل مراحل النشاط ولا يصنعه ولا يضعه ضمن الأنشطة الأخرى، وهذا هو محور تخوفنا وطرحنا لهذا الاشكال.

إن إدماج أنشطة الحياة اليومية في التربية والتنشيط التربوي يضمن وحدة التجربة التربوية، حيث يصبح كل فعل يومي مجالًا للتمرس والمشاركة، ومن خلال المشاركة الجماعية والتنظيم المشترك، يتعلم الأطفال قيم الديمقراطية العملية، والمسؤولية المشتركة، ويختبرون معنى الانتماء للجماعة؛ وهكذا تتحقق الغاية الكبرى: تربية حيّة تتجاوز الحصص والبرامج لتصبح أسلوب عيش جماعي قوامه القيم والممارسة العملية.

إن الخطر الحقيقي هو تحول المخيم إلى "سوبر ماركت" لأنشطة منفصلة، حيث يأخذ الطفل "منتجات" متناثرة دون تكامل، فالتحدي هو كيفية استعادة دور المخيم كفضاء للتربية الحية المتكاملة، حيث تكون المشاركة الفعالة والممارسة اليومية هما الوسيلتان الأساسيتان للعيش الجماعي وبناء الشخصية، وليس فقط استضافة حملات تحسيسية منعزلة.