الثلاثاء 16 إبريل 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: عاد آيت الطالب فهل يعود العثماني؟.. بركاتك يا "سيدنا خالد"...

محمد الشمسي: عاد آيت الطالب فهل يعود العثماني؟.. بركاتك يا "سيدنا خالد"... محمد الشمسي

هل يذكر التاريخ أن وزيرا حلت ساعته، وتيقن من تاريخ نهاية صلاحيته وسلم المفاتيح لخلفه، وتمنى لها السداد والفلاح، ثم خرج متحسرا أسفا على كرسي كان من فوقه يحيي ويميت، ومر على موظفي وشواش الوزارة منهم من تحسر عليه ومنهم من تشفى فيه، ولم يسرع أحدهم لفتح باب سيارة الدولة له كما اعتاد، خرج مثله مثل أيها الخارجون، ودخل بيته محبطا يئسا من أمواج السياسة التي تعز من تشاء وتذل من تشاء؟ وهو الذي ترك مكانه لوزيرة كانت بالأمس القريب مرؤوسة من مرؤوسيه بل سبق وعاتبها وأفتى بإعفائها مندوبة له... ويستقبل بداية أسبوعه على غير بقية الأسابيع، يغادر بيته بلا موكب ولا جلبة، يسري فيه حكم تلك الايام التي يداولها الله بين العباد،  لكن في نهاية اسبوعه تصله مكالمة هاتفية تطلبه على عجل، فيلبي النداء، يخبرونه أنه سيعود للصحة وزيرا، سيعود لنفس الوزارة ونفس البناية ونفس المكتب بنفس الكرسي، وعلى نفس السيارة والسائق، لا يصدق ويذهل ذهولا شديدا، يكاد يغمى عليه، سيسترد مفاتيحه من غريمته فالعين لا تعلو على الحاجب، لأن الوزير وزير والمندوب مندوب، وعاش من عرف قدره وحجمه، يتساءل وزيرنا العائد لعرشه، هل انصرمت خمس سنوات من عمر الحكومة وتجددت وأنا مثل أهل الكهف أفلتُّ التاريخ والزمن؟ هل مضى عام او عامان لإعفاء خلفي وإرجاعي إلى وزارتي؟ يعود آيت الطالب لأجندته فيثبت له ثبوتا شرعيا أنه لم يمر على إعفائه غير أسبوع وها هو يسترجع كرسيه ومفاتيحه وأمره ونهيه، وهي الحكومة التي دخلها اصلا بتعديل، وما إن وطئها حتى هاجم فيروس كورونا العالم، وصار للصحة مكان مقدم على الطعام، وسطع نجم "الوزير ذو الرأس الأبيض"...

 

السياسة في المغرب عالم فريد متفرد، لا يمكن فهمه بعتاد العلم وعدة المعرفة ومفاهيم الموضوعية، فما يتعلمه الطلبة في مدرجات الكليات من علوم سياسية وتحليل الخطاب الساسي تُضرب في الصفر أمام أول انتخابات قروية تجرى في تناقض مع المنطق السياسي، وحتى تلك الكائنات التي تنتمي لسلالة المحللين السياسيين يكون أمرهم مثل أهل اللغو الرياضي الذين ينتظرون نهاية المباراة ليشرحوا ببلادة للناس ما تفرجوا فيه بأعينهم،  لفهم السياسة المغربية يلزمك الانكباب على قراءة كبريات أعمال مسرح العبث في انجلترا، وملاحم الخرافة عند الإغريق، وشيء من فنون التحنيط لدى الفراعنة، وبعض من طقوس الرقص حول النار عند الهنود الحمر، حتى تنضج وتصل إلى درجة توقع ما لا يمكن توقعه، وتعلم أن للسياسة المغربية أخلاقها البعيدة كل البعد عن قواميس ومعاني الأخلاق، فهناك اخلاق الساسة وأخلاق العامة، قريبة من أخلاق السادة وأخلاق العبيد لدى فريديريك نتشه، فالكذب في السياسة ليس فقط مباحا بل هو ركن من أركان العمل السياسي، والصادق في السياسة مفلس من ليلته، وأما التشلهيب وتابانضيت والبيع والشرا فهي توابل طاجين السياسة المغربية، والمعقول في السياسة المغربية سيجد نفسه وحيدا معزولا ومذموما تشير إليه أصابع الرعاع بالسوء، ومن يرى هذه الشروط قذرة لعينة فليتأكد أنه كائن غير حامل لفيروس السياسة المكتسبة، ويمشي يعطي للسياسة التيساع والتيقار، ويكتفي برشق الخيمة بالأحجار .

 

وإذا كانت السياسة هي فن الممكن ففي المغرب هي فن غير الممكن، وهي فن اللاممكن، وهي فن مكن ليا نمكن ليك، وهي فن امتلاك ثلاثة وجوه، واحد للخطاب الاستهلاكي والحديث عن المرحومة القيم والمثل العليا، وأسطورة الديمقراطية والمساواة والعدالة وهلم "غميقا"، وآخر لترتيب الدسائس وصيد الطرائد وفتل خيوط الكمائن، وقيادة الانقلابات الصغيرة وتفجير العبوات الناسفة هنا وهناك، وما تبقى من وجه ثالث للأسرة والزوجة والابناء في محاولة لإيجاد توازن بين الوجهين الأول والثاني.

 

لا نقول هنيئا للوزير آيت طالب لأنه لا نعرف "الوقت آش جايبة"، بل نقول له "بركاتك يا شيخ خالد"، فعلا "فقيهك صحيح" انت هو "سوبير" أما السيدة نبيلة الرميلي فقوصنا عليها مسكينة بعدما تبين أنها "سوبير من ورق" سرعان ما هزها الماء ونقبها الحوت، وعدت أنت مكانها على بساطك السحري.

 

مستعدون نحن الجاهلون بالسياسة المغربية لكل شيء وخبر إلا أن نستفيق ذات يوم ونسمع أنه عاد العثماني... تا لهادي بزاف... ومن يدري "تا العثماني راه عندو جوادو، علاه مكانش راقي قبل ما يولي سياسي، حيت السياسة عندو كانت رجس من عمل الشيطان"، قبل أن يذوق عسيلتها...