Friday 21 November 2025
منبر أنفاس

بدر شاشا: الاقتصاد المخبأ في المغرب.. ثروات غير معلنة وفجوة بين الواقع والإحصاءات الرسمية

بدر شاشا: الاقتصاد المخبأ في المغرب.. ثروات غير معلنة وفجوة بين الواقع والإحصاءات الرسمية بدر شاشا

في المغرب هناك واقع اقتصادي واجتماعي معقد يختلط فيه الشفافية مع الغموض والتقدير الشخصي مع الواقع المعيش حيث نجد أن العديد من القطاعات الحيوية تعيش في دائرة من الغموض المالي والاقتصادي فمثلاً قطاع الكسابة وهو واحد من أقدم وأهم القطاعات التقليدية في المغرب لا يعكس أرقامه الرسمية الصورة الحقيقية لمداخيله وعائداته فالكثير من الكسابة لا يصرحون بالمداخيل الحقيقية لأسباب متعددة منها الخوف من الضرائب أو الرغبة في الحفاظ على استقلالية مالية أو ببساطة تقليد متوارث عبر أجيال جعل التصريح بالمداخيل أمرًا غير شائع كما أن قطاع الفلاحة الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد المغربي ومصدر رزق شريحة كبيرة من السكان يعاني من نفس الظاهرة الفلاحون في كثير من الأحيان يمتلكون أراضٍ وعقارات ومحاصيل باهظة القيمة ولكن ما يصل إلى الجهات الرسمية في شكل إحصاءات ومداخيل هو جزء ضئيل من الواقع الحقيقي الأمر الذي يجعل من الصعب على الحكومة والمختصين تقييم الوضع الاقتصادي بدقة وبالتالي وضع السياسات الاقتصادية الصحيحة

ليس فقط الكسابة والفلاحون هم من يعيشون هذا الواقع بل حتى العديد من القطاعات التجارية والخدمية الصغيرة والمتوسطة حيث نجد أن أغلب التجار والحرفيين وأصحاب المشاريع الصغيرة يمارسون نشاطاتهم بشكل جزئي رسمي وجزئي آخر غير معلن وهذا يخلق فجوة كبيرة بين الواقع المعيش والإحصاءات الرسمية التي تعتمد عليها الدولة لتخطيط ميزانيتها وتحديد أولويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية

ومن جهة أخرى المواطن المغربي العادي يعيش في عالم من التقديرات غير الدقيقة فالكثير من الأسر تمتلك ذهبًا نقدًا عقارات أو ممتلكات متعددة لكن هذه الثروات لا يتم الإعلان عنها ولا يتم تسجيلها في أي قاعدة بيانات رسمية معظم الناس يفضلون الاحتفاظ بها بشكل شخصي خشية الفقدان أو لأسباب ثقافية أو خوفًا من تدخل السلطات المالية وحتى في حالة التسجيل غالبًا ما يتم ذلك جزئيًا أو بطريقة لا تعكس القيمة الحقيقية لهذه الممتلكات وهذا الأمر يجعل من الصعب معرفة حجم الثروة الحقيقي في المجتمع المغربي

هذه الظاهرة لا تقتصر على الأفراد فقط بل تؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد الوطني فالاقتصاد المغربي يعتمد في جزء كبير منه على تقديرات غير دقيقة عن الثروة والإنتاجية والدخل الحقيقي مما ينعكس على التخطيط الاقتصادي والاجتماعي وعلى السياسات الضريبية ويخلق فجوة بين الواقع المعاش والبيانات الرسمية وبالتالي بين السياسة الاقتصادية والواقع الفعلي وهذا يجعلنا أمام تحدٍ كبير في معرفة الحجم الحقيقي للثروة ومدى توزيعها والقدرة على تحقيق عدالة اقتصادية بين مختلف شرائح المجتمع

الجانب الآخر من القصة أن هذه الظاهرة جزء منها يعود إلى ثقافة الاحتفاظ بالممتلكات وعدم التصريح بها والتي تمتد جذورها في التاريخ المغربي حيث كان المجتمع يقوم بإخفاء ممتلكاته للحفاظ على استقلاليته ومكانته الاجتماعية ولتجنب المضايقات الخارجية وحتى في العصر الحديث تستمر هذه العادة نتيجة الخوف من الضرائب أو الرغبة في عدم تدخل الدولة في الحياة الشخصية وهو ما يجعل فهم الاقتصاد المغربي أكثر تعقيدًا ويتطلب دراسة دقيقة وشاملة تتجاوز البيانات الرسمية لتصل إلى الواقع الميداني الفعلي

وبالتالي يمكن القول إن المغرب يعيش في عالم مزدوج بين البيانات الرسمية التي لا تعكس الواقع بالكامل وبين الحياة الاقتصادية اليومية التي يعرفها المواطن المغربي عن كثب هذا الواقع المزدوج يخلق فجوة كبيرة في فهم الاقتصاد الوطني ويطرح تساؤلات عن كيفية تحسين الشفافية وكيفية الوصول إلى تقييم دقيق للثروات والمداخيل الحقيقية في مختلف القطاعات كما يسلط الضوء على أهمية وجود استراتيجيات حكومية وتشريعات تساعد على تقريب الواقع من الإحصاءات الرسمية وتسهيل معرفة الثروات بشكل يضمن حقوق الدولة والمواطن معًا

إنها قضية عميقة ومعقدة تمس كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية في المغرب وهي تستدعي وعيًا أكبر من الحكومة والمجتمع المدني وكذلك من المواطنين أنفسهم لفهم الأبعاد الحقيقية للثروة والعمل على تحقيق نوع من التوازن بين الخصوصية والشفافية بين الحياة الشخصية ومتطلبات التخطيط الوطني لضمان تنمية عادلة وشاملة لكل فئات المجتمع المغربي.