الجمعة 29 مارس 2024
فن وثقافة

  برنامج "مدارات" يستعرض صفحات من تاريخ الفكر الاصلاحي للعالم المجدد محمد بن الحسن الحجوي  

  برنامج "مدارات" يستعرض صفحات من تاريخ الفكر الاصلاحي  للعالم المجدد محمد بن الحسن الحجوي   العالم المجدد محمد بن الحسن الحجوي
جدد برنامج مدارات من الاذاعة الوطنية،  ليلة الثلاثاء 5 أكتوبر 2021، اللقاء بمستمعيه ومستمعاته ، من خلال حلقة جديدة خصصها الاعلامي الزميل عبد الاله التهاني، للحديث عن محمد بن الحسن الحجوي،  بصفته عالما مجددا وفقيها مستنيرا، وأحد أبرز رواد الفكر الاصلاحي في المغرب، فكانت  حلقة متميزة ، رسمت بعض الملامح من تاريخ الفكر الإصلاحي بالمغرب.
 
عالم موسوعي عايش أربعة ملوك علويين
في ورقته التقديمية، أوضح معد ومقدم البرنامج بأن شخصية الحلقة "قامة علمية مغربية كانت لها ريادتها في رحاب الفكر الإصلاحي، وفي الحركة التنويرية التي قادت إلى النهضة المغربية الحديثة، إنه العالم المجدد والفقيه الإصلاحي المستنير المرحوم محمد بلحسن الحجوي ، الذي حاول تقديم إجابات عن مرحلة الوهن الذي أصابت المغرب منذ النصف الثاني من القرن 19، بسبب الفتن الداخلية، وتزايد التدخلات الأجنبية في شؤون المغرب، وتعاظم الأطماع الإستعمارية في أراضيه وخيراته ،روكذلك بسبب حالة الترهل الناتجة عن شلل في البنيات التقليدية القائمة، والتأخر الحاصل في مسايرة مستجدات التطور الذي كانت تحققه أوروبا الاستعمارية بشكل متسارع، على الرغم من كل المبادرات الإصلاحية المهمة التي شهدها المغرب على عهد السلطان العلوي محمد الرابع والسلطان العلوي الحسن الأول ، والتي استهدفت تحديث الجيش والإدارة والتجارة ،وإرسال البعثات الطلابية إلى الخارج، وإنشاء نواة للوحدات الصناعية الحديثة".
واستطرد الزميل التهاني قائلا: "لم يكتف محمد بن الحسن الحجوي رحمه الله من موقعه كفقيه بارز في سلك الدولة،  بتشخيص أعطاب المغرب في تلك المرحلة التاريخية الحرجة، بل سعى إلى تقديم حلول عملية من خلال فكره الإصلاحي، ومن خلال مبادرات تحديثية ومخططات تجديدية، كتبها ودونها ،وهي الآن تشكل تراثه المتبقى".
وأضاف بأنه "سرعان ما أهله نبوغه ليحظى بثقة السلطان العلوي مولاي عبد العزيز ، الذي عينه تباعا في عدة وظائف سامية ، ومنها تكليفه بإدارة الصوائر في مكناس، قبل أن  يعينه أمينا على جمارك وجدة سنة 1903، قبل أن يصعد نجمه في أسلاك الدولة المغربية، ويصبح سنة 1904 مفتشا في الجيش السلطاني، ثم نائبا لوزير المالية والحربية، إلى أن غادر سلك الوظيفة، مواصلا توسيع مداركه وتعميق إطلاعه في المعارف الحديثة في شؤون العصر ومستجداته.." يوضح معد ومقدم البرنامج
 
الفقيه المجدد الذي شخص حالة المغرب وطرح البدائل
واورد معد البرنامج  مقطعا من السيرته الذاتية لمحمد بن الحسن الحجوي، رسم فيها صورة قاتمة لمغرب نهاية القرن 19 ومطلع القرن العشرين، قائلا :
  "بدأ انقلاب الأحوال بالمغرب بسبب ثورة بوحمارة، التي تسببت في فقر مالية المغرب، وسقوط الإدارة المالية بيد السلف، وفناء حماة المغرب وأبطاله في الحروب الداخلية. وقد اختل النظام وضاع الأمل، وجر ذلك إلى تلاشي الدولة العزيزية ، وتتابعت المحن وأظلم جو المغرب. وفي أثناء ذلك، وقعت معاهدة بين فرسنا والإنجليز، ومؤتمر الجزيرة عام 1906، وسقطت الدولة العزيزية  وقامت الدولة الحفيظية سنة 1908، ثم وقع إثر ذلك الاحتلال في عام 1911، ثم إعلان الحماية سنة 1912. هذه  إحدى عشرة سنة، رأى فيها المغرب من الأهوال والشدائد، ما يشيب له الرضيع وتندك له الجبال...." حسب وصف محمد بن الحسن الحجوي .
وواصل معد البرنامج حديثه   قائلا: "كان الفقيد قد أدرك بحسه وفكره الثاقب، أسباب قوة أوروبا وقتئذ . كما فطن وهو الذي كلف أكثر من مرة بمفاوضة الفرنسيين، في ملفات وقضايا مهمة، فطن إلى ألاطماع الاستعمارية في المغرب في أراضي المغرب وفي خيراته، كما كان واعيا بعناصر التفوق الأجنبي وبالوضع التراجعي للمغرب ، منذ الإنهزام في معركة  " إيسلي" في منتصف القرن 19". لذلك يستطرد عبدالاله التهاني،  قائلا،  بأن الحجوي رفع مذكرتين إلى السلطان مولاي عبد الحفيظ "شخص فيهما أوضاع المغرب وقتئذ، وقدم تصوراته لعدد من المشاريع الإصلاحية ، ومبادرات التجديد والتحديث التي رأى الحجوي ، بأنها هي السبيل للتحرر من القانص الأوروبي" ،  وفق ما أورده الأستاذ الزبير مهداد في كتابه القيم عن العالم الفقيه المتنور محمد الحجوي الذي "سيعين في عهد السلطان مولاي عبد الحفيظ وبالضبط سنة 1912 ، في مهام نائب الصدر الأعظم في العلوم والمعارف".
 وحسب ما أورده معد البرنامج  فقد "أشار الأستاذ الزبير مهداد في مؤلفه المذكور، إلى أن محمد بن الحسن الحجوي هو أول مغربي يشغل هذا المنصب في الإدارة المغربية، حيث استمر فيه حوالي 25 سنة".
 
مشروعه الإصلاحي التحديثي وأبعاده الثلاثة
في سياق متصل، أكد الزميل عبدالاله التهاني ، بأن الإهتمام بمجال التربية والتعليم "شكل الشغل الشاغل لمحمد بن الحسن الحجوي،  ومشروعه الإصلاحي الأساسي الذي ركز عليه ، وأنتج فيه حصيلة مؤلفات وتقييدات ومحاضرات ومذكرات وتقارير عديدة، عكست تطلعه إلى تمكين المغرب من الدخول إلى  عهد المدرسة الحديثة، والتشجيع على تَمَدْرُسْ الفتيات، حيث كان اهتمامه بتعليم الفتاة المغربية، من مظاهر رؤيته الحداثية ، وفكره الإصلاحي المستنير".
وباعتباره واحد من الباحثين القلائل الذين اهتموا بكتابات محمد بن الحسن الحجوي، استعرض معد البرنامج ما رصده   الأستاذ الباحث الدكتور سعيد بنسعيد العلوي من ملامح رئيسية في  المشروع الإصلاحي الرائد لهذا العالم المستنير ، حيث يرى هذا الباحث المغربي "بأن في شخصية الحجوي ثلاثة أبعاد، لكل بعد منها دلالته على الواقع المغربي، ولكل بعد منها ما يلقي على فهمنا لحياة الدولة والمجتمع أضواء في مرحلة خطيرة من مراحل تشكل التاريخ المعاصر في المغرب، فهو الموظف المخزني ، وهو التاجر والفقيه" ، مبرزا  "بأن هذه الأبعاد الثلاثة وإدراك الكيفيات التي تتفاعل فيها، ثم محاولة استخلاص ما كان لها  في بناء الشخصية المتميزة لهذا الرجل ، معتبرا أن  هذه معطيات وعناصر ضرورية، للوقوف عندما نعتبره مشروعا إصلاحيا وتحديثيا لدى محمد بن الحسن الحجوي".
وفي نفس السياق وتأسيسا على ذلك ، أوضح  الزميل التهاني أن الدكتور سعيد بن سعيد العلوي، انتقل في قراءته التحليلية  "إلى التفصيل في هذه الأبعاد الثلاثة التي صنعت شخصية الحجوي،  بتوقفه عند نسبه وانتمائه الأسري بفاس "فيذكرنا بأنه ينتسب إلى بيت أشتهر بمزاولة التجارة وبالنجاح فيها" ، مشيرا إلى ملاحظة الاستاذ بنسعيد العلوي،  كون  "فئة التجار الكبار في المغرب في الشطر الأخير من القرن 19 ، عرفت الكثير من البلدان الأوروبية، وأقامت معها علاقات تجارية كبيرة"، لافتا إلى أن الحجوي بنفسه "اكتسب حسا تجاريا عاليا ، ونظرا متفتحا على العلم الحديث ومكتسباته" ومن ثمة يخلص الأستاذ العلوي، وفق ماورد في البرنامج ، إلى القول: "بأن أجواء كبار التجار في فاس خلال نهاية القرن 19 ومطلع القرن 20، لم تكن بعيدة عن مشاغل التحديث، وإدارة الانفتاح على العالم الخارجي، شرقا وغربا".
ويواصل  الزميل عبدالاله التهاني استعراضه لتحليل الدكتور سعيد بنسعيد العلوي، وهو يتحدث عن  المكون الرئيسي الثالث في شخصية وفكر محمد بن الحسن الحجوي ، حين يقول عنه بأنه "كان ولا شك في طليعة العلماء المغاربة، الذين تشهد لهم كتاباتهم الغزيرة بسعة المدارك، وقوة الإطلاع على مصادر الثقافة الإسلامية الاصيلة....".
كما أنه برأيه يعد "واحدا من أبرز وجوه النخبة المخزنية، في مطالع القرن العشرين ،ذات المعرفة العلمية والفكر الموسوعي، والنزوع التحديثي". ويخلص معد البرنامج إلى شرح  تصور الاستاذ سعيد بنسعيد العلوي " للابعاد الثلاثة التي رسمت شخصية محمد الحجوي، والتي تتجلى في نسبه ونشأته، في  أسرة عرفت بنشاطها التجاري، وطبيعة تكوينه الفكري، ثم مركزه الوظيفي الرفيع في دواليب الدولة المغربية، على عهد السلاطين العلويين بدءا  من مولاي عبد العزيز ومولاي عبد الحفيظ ، مرورا بمولاي يوسف، وانتهاء بالمغفور له محمد الخامس".
ويشير الزميل التهاني إلى دراسة الاستاذ بنسعيد العلوي، حول صورة المرأة في الفكر الإصلاحي عند محمد الحجوي،  والتي نشرها في العدد الثاني من مجلة التاريخ العربي ، مستعرضا ما كتبه هذا الباحث المغربي بشأن الأبعاد الثلاثة في شخصية محمد الحجوي، ولاسيما قوله بأنها 
 "مفاتيح ضرورية لإدراك المشروع التحديثي في كتاباته الغزيرة والمتنوعة، فمن موقع الموظف المخزني، كانت له قراءة للواقع السياسي الذي كان شاهدا عليه ، والتي تقدم ككل قراءة، تشخيصا للأعراض السلبية، وتقترح في الوقت ذاته حلولا عملية" ، مضيفا " أن الحلول ليست سوى تساؤلات عن الكيفية الملائمة، التي تكون بها الإستفادة من البلاد المتقدمة".
ومن موقعه كممارس للتجارة سابقا ، يقدم محمد بن الحسن الحجوي ـ بنظر الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي ـ وفق ما أورده معد ومقدم البرنامج "قراءة لأعراض التأخر الاقتصادي، وعلاماته، وضعف الممارسة التجارية ،وضيق النظر فيها والجهل بأساليبها ، ثم الإسراف في النفقات الراجع إلى التشبث بالعادات السيئة المتمكنة من المجتمع"، أما الحل الذي كان يقترحه فقد أورده الزميل التهاني منسوبا إلى الأستاذ سعيد بنسعيد العلوي ،  ـ حين أشار إلى محاضرة لمحمد الحجوي بعنوان (مستقبل تجارة المغرب) ، طرح خلالها سؤالا : لماذا تقدم الأوروبيون وتأخر المسلمون؟ فأجاب: لأنهم قدمهم العلم بالتجارة، وأخركم الجهل بها".

من ذخائر مؤلفاته النفيسة:
واستعرض الزميل التهاني حصيلة تآليف الحجوي، التي تكشف غزارة علمه ، وقوة إطلاعه، وإلمامه العميق بمصادر الفقه الإسلامي ، ومنها كتابه المسمى (الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي) وهو في أربعة أجزاء، وبه تحققت شهرة محمد الحجوي وعرف بهذا الكتاب، داخل المغرب وخارجه، حيث كان يدرس في جامع القرويين والزيتونة والازهر . كما استعرض بقية مؤلفاته ، ومنها : 
كتاب "التعرض المتين بين العقل والعلم والدين"، وكتاب "مختصر العروة الوثقى"،  ثم كتاب "نقد كتب الدراسة في إفريقيا الشمالية"، بالإضافة إلى كتاب "الفتح العربي لإفريقيا الشمالية"، و كتاب "طيب الأنفاس" ، وغيرها من العناوين، لافتا الانتباه إلى أن المرحوم محمد بن الحسن الحجوي،  ترك تآليف وتقييدات،  بقي أغلبها إلى اليوم في عداد المخطوطات المحفوظة بالمكتبة الوطنية بالرباط.
 
أدب الرحلة في كراساته التوثيقية: 
في سياق متصل أكد الزميل التهاني، بأن المرحوم الحجوي "كان يبدي اهتماما كبيرا بما يحصل في أوروبا ، من اختراعات واكتشافات ومن معارف وخبرات ومعلومات، وتجديد الرؤيا لما يحصل عند بقية الأمم مبرزا أن الحجوي نفسه،  "قام أيضا برحلات عديدة شرقا وغربا، ومن ذلك رحلته إلى فرنسا وبريطانيا سنة 1919، والتي دونها بتفصيل في كراسة خاصة، اقتطف منها معد البرنامج  عبارات ، قال فيها الحجوي : "رحلت إلى فرنسا وإنجلترا في هذه السنة (1919) بأمر من السلطان مولانا يوسف، ودأبت أن أقيد ما شاهدته في رحلتي هذه، لإفادة أهل المغرب الذين لم يرحلوا ،ولم يعرفوا شيئا من أحوال أوروبا".

 التربية والتعليم في صلب اهتمامات العالم المجدد محمد الحجوي:
بخصوص حقل التربية والتعليم أورد الزميل عبدالإله  التهاني،ما تناوله الباحث الزبير مهداد في كتابه عن الحجوي من " أن  مخطط الحجوي لتحديث التعليم، كان يقوم على مرتكزات أساسية ، منها نشر التعليم على أوسع نطاق في ربوع المملكة، وإصلاح مناهج وبرامج وطرق التعليم، وربط هذا التعليم بمخططات التنمية الاجتماعية والاقتصادية ، وذلك بتعليم البنات، وتلقين العلوم وأولها الرياضيات ،وإدخال التعليم الصناعي والتجاري، وإصلاح التعليم العالي، وتجديد هياكل جامعة القرويين وتنظيمها".
وخلص معد برنامج "مدارات" إلى القول : " ونفهم من هذا ما كان لفكر الحجوي من تأثير في ولوج المرأة المغربية إلى المدارس ، في إطار خطة وطنية دعمها الملك المغفور له محمد الخامس، والهادفة إلى تحرير المرأة المغربية، وتمكينها من سلاح العلم والمعرفة لتقوية وتنمية شخصيتها".
وفي هذا السياق ، أورد ما ذكره  الأستاذ الزبير مهداد ، من كون الحجوي "تكلم في شروط التقدم، وأجملها في شرطين أثنين هما،  العناية بالعلم ونشره، والتمسك بالنظام" ، متوقفا عند "مركزية المسألة التعليمية والثقافية في الفكر الإصلاحي والتجديدي لمحمد بن الحسن الحجوي " ، مشددا على أن "العناية الفائقة والأهمية البالغة، التي كان يوليها الحجوي للمسألة التعليمية ، هي أهمية تترجم مدى الوعي العميق بمسألة التعليم، ودوره في تجديد مسار الأمم في الحاضر والمستقبل"، وهذا ما يفسر بنظره ـ سعي الحجوي المتواصل لإصلاح منظومة التعليم وخاصة جامعة القرويين".
 
خلاصات "مدارات" عن العالم الحجوي
وعن الخلاصات الاساسية التي انتهى إليها معد برنامج مدارات ، حول فكر الحجوي ، فقد أجملها بالاشارة إلى أن  هذا العالم المجدد والفقيه المستنير ، كان له "وعي دقيق بلحظة التأخر التي أضعفت وضعية المغرب، في واحدة من أصعب الحقب الزمنية التي اجتازها ،وهي المدة الفاصلة بين نهاية القرن 19 و مطالع القرن 20، وما تلاها من تصادم بين الوجود الاستعماري في شمال المغرب، ووسطه وجنوبه، وبين إرادة التحرر الوطني التي حققت أهدافها الأولى باستقلال المغرب رسميا في سنة 1956، وما تلاها من إسترجاع مدينة إفني، ثم بالمسيرة الخضراء عام 1975، التي استرجع بها المغرب صحرائه وعزز وحدته الترابية والوطنية"، وأضاف عبدالإله التهاني ،  بأنه لا بد من القول بأن الفكر الإصلاحي لمحمد بن الحسن الحجوي، كان "فكرا شاملا متكاملا في أبعاده التنويرية ، مع التشبث بمقومات الأصالة المغربية ، والهوية الإسلامية  بعمقها الايماني،  وخاصية الإعتدال والوسطية التي تشكل الجوهر الحقيقي للاسلام ".