Sunday 29 June 2025
خارج الحدود

حسن عبد الخالق: البرنامج النووي الجزائري ..إلى أين؟.. انطلاقة سرية وتعاون وثيق مع إيران

حسن عبد الخالق: البرنامج النووي الجزائري ..إلى أين؟.. انطلاقة سرية وتعاون وثيق مع إيران حسن عبد الخالق

لفتت حرب الـ12 يومًا بين إسرائيل، المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية، وإيران الانتباه مجددًا إلى النقاش الدائر منذ عقود حول خطورة الاستخدام العسكري للطاقة النووية، وتهديده للسلم والأمن في العالم، وأهمية التزام المجتمع الدولي بالحد من انتشار الأسلحة النووية.

ولا تغيب المنطقة المغاربية بدورها عن هذا النقاش، خصوصًا منذ اعتماد النظام الجزائري في ثمانينيات القرن الماضي برنامجًا نوويًا سريًا بالتعاون مع الصين الشعبية، لبناء مفاعل "السلام" في عين وسارة، بولاية الجلفة، على بعد 150 كلم من العاصمة. يعمل هذا المفاعل بالماء الثقيل، وتبلغ قدرته 15 ميغاواط. وقد كشفت عنه بعض وسائل الإعلام الأمريكية، ودخل الخدمة سنة 1993، مما اضطر الجزائر إلى إخضاعه لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في السنة نفسها.

انطلاقة سرية للبرنامج النووي

ما أثار الشكوك حول هذا المفاعل، واحتمال تطويعه لأغراض عسكرية، هو السرية الكبيرة التي أحاط بها النظام مراحل إنجازه، فضلًا عن الحماية الأمنية والعسكرية المشددة التي خُصّ بها الموقع. ومن تجليات ذلك، اعتباره منطقة عسكرية يُمنع الاقتراب منها، كما تم طرد دبلوماسي غربي حاول تصوير الموقع عن بُعد خلال تسعينيات القرن الماضي.

وزعمت السلطات الجزائرية أن هذا المفاعل مخصص لإنتاج المواد الصيدلانية الإشعاعية، كما أن مفاعل "نور" الواقع في الدرارية قرب العاصمة، والذي تم بناؤه بالتعاون مع الأرجنتين ودخل الخدمة سنة 1989 بقدرة واحد ميغاواط، مخصص بدوره للأغراض السلمية. وقد أعلنت السلطات أنها أنشأت لهذا الغرض "محافظة الطاقة الذرية"، لتكون مختبرًا بحثيًا للتكنولوجيا النووية، مهمتها صياغة مشروع تطوير الطاقة النووية في البلاد.

غير أن نزوع النظام الجزائري، وضمنه المؤسسة العسكرية، إلى استكشاف إمكانية امتلاك السلاح النووي، كان قائمًا منذ عقود. وقد تجلى ذلك في إرسال العديد من الطلبة إلى أوروبا لدراسة الفيزياء النووية، وتوقيع اتفاقيات تعاون في مجال الطاقة النووية مع روسيا، والصين الشعبية، والأرجنتين، وكوريا الشمالية، وجنوب إفريقيا، وإيران.

وتعززت الرغبة في إمكانية الحصول على السلاح النووي بتوفر الجزائر على احتياطي كبير من اليورانيوم، فضلًا عن تداول معلومات غير مؤكدة عن قدرة مفاعل عين وسارة على إنتاج كمية من البلوتونيوم قد تكفي لصناعة قنبلة نووية.

وفي سياق تنويع علاقاته في مجال الطاقة النووية، أولى النظام الجزائري اهتمامًا خاصًا لتعزيز التعاون مع جنوب إفريقيا وإيران، المعروفتين بعدائهما للمغرب.

وسبق للجزائر أن أبدت رغبتها في اقتناء مفاعل نووي من جنوب إفريقيا، بذريعة إنتاج الطاقة وتحلية مياه البحر، وقد تبادل البلدان زيارات الخبراء في هذا المجال.

الجزائر على خطى النموذج الإيراني

سعت الجزائر إلى تمثل النموذج الإيراني في امتلاك المعرفة النووية، وربطت علاقات تعاون قديمة مع قادة طهران، تتوخى الاستفادة من أي تقدم تحققه إيران في طريق امتلاك السلاح النووي. بل إن هناك من يرى أن النظام الجزائري جعل من بلاده واجهة لتمكين إيران من التحايل على المراقبة الأممية المفروضة عليها، من أجل الحصول على بعض مكونات صناعة السلاح النووي.

وفي هذا السياق، أوردت مجلة "الجيش" اللبنانية في عدد أبريل 2012، أن "بعض التقارير تحدثت عن شراء إيران من الأرجنتين، بواسطة الجزائر، كميات كبيرة من ديوكسيد اليورانيوم، المادة التي تُصنّع من الكعكة الصفراء، حيث يجري تحويلها إلى سائل أو غاز، بما يسهل معالجتها للحصول على اليورانيوم المخصب".

وكان الملف النووي في صلب زيارات الرؤساء الإيرانيين السابقين محمد خاتمي (2003)، ومحمود أحمدي نجاد (2007)، وإبراهيم رئيسي (2024) إلى الجزائر، على أساس تبادل الخبرات، وانخراط النظام الجزائري في الدفاع عن إيران في مواجهة الضغوط الغربية التي تتعرض لها، مع سعيه للاستفادة من التقنيات التي طورتها إيران في تخصيب اليورانيوم.

التحالف بين الجزائر وطهران

تيسر التعاون بين البلدين في مجال الطاقة النووية، في ظل التحالف القائم بينهما على المستويات السياسية والعسكرية. فقد سايرت الجزائر في وقت سابق موقف إيران، التي فرضت وصايتها على أربع دول عربية، حيث عارضت تجميد عضوية نظام بشار الأسد، الخاضع لطهران، في جامعة الدول العربية، وسعت لاحقًا إلى تأهيله للعودة إلى الجامعة، قبل أن تعصف بهذه الجهود أحداث ما بعد حرب غزة.

وفي انسجام مع سياسة طهران، عارض النظام الجزائري قرار جامعة الدول العربية بتصنيف حزب الله اللبناني، وكيل إيران في المنطقة، تنظيمًا إرهابيًا.

ولم يسبق للجزائر أن أدانت الحوثيين، وكلاء إيران في اليمن، في هجماتهم الصاروخية على المملكة العربية السعودية. كما تجنبت وزارة خارجيتها الإشارة إليهم في أي من بياناتها، بينما كانت أغلب دول العالم تتهمهم بالوقوف وراء الاعتداءات على السعودية.

وتحاشت الجزائر، قبل أسبوع، في بيان لوزارة خارجيتها، التنديد بإيران في الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له قاعدة "العديد" في قطر، مكتفية بوصف ما حدث بأنه "انتهاك لسيادة دولة قطر الشقيقة وحرمة ترابها"، مع العلم أن إيران اعترفت بأنها وراء الهجوم.

تمسك النظام الجزائري دومًا بالتحالف مع إيران، على أساس أنها تدعمه في عدائه للمغرب ولوحدته الترابية، إذ أقدم وكيلها، حزب الله، على تدريب انفصاليي البوليساريو، مما أدى إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر والمغرب.

ويقوم التحالف بين البلدين أيضًا على التعاون في الملف النووي، علمًا أنه تم تداول معلومات غير مؤكدة عن تهريب إيران، بعد تعرضها أخيرًا للقصف الإسرائيلي والأمريكي، عددًا من علمائها النوويين إلى الجزائر، تجنبًا لاغتيالهم على يد إسرائيل.

كما يشمل التحالف التعاون في مجال التسلح، في ضوء أن المؤسسة العسكرية في الجزائر أبدت قبل عدة سنوات رغبتها في الحصول من إيران على تقنيات صنع الصواريخ المتوسطة المدى، وخاصة صاروخي "شهاب 3" و"شهاب 4".

لقد انطلق البرنامج النووي الجزائري بشكل سري، قبل أن يُخضع لرقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتواصل في ظل تعاون وثيق بين الجزائر وإيران، يثير القلق. ويتطلع المجتمع الدولي إلى أن يظل هذا البرنامج بطابع مدني وسلمي، غير مثير للشكوك، لضمان أن تبقى منطقة شمال إفريقيا في مأمن من أي سباق محتمل لامتلاك السلاح النووي، يهدد أمنها واستقرارها.

 

حسن عبد الخالق، سفير سابق