الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

فائز: التأويل الديمقراطي والسلطوي للدستور.. الأزمة التونسية نموذجا! 

فائز: التأويل الديمقراطي والسلطوي للدستور.. الأزمة التونسية نموذجا!  الحبيب فائز 
يخضع الدستور في قراءته لتأويلات يتقاطع فيها البعد الديمقراطي الذي يكرس لدولة القانون وفلسفة الحقوق، وبعد سلطوي ينهل من الفضاء السياسي ويتماهى مع منطق السلطة السياسية.
بهذا المنطق في التحليل، يطرح إعلان الرئيس التونسي بخصوص تجميد مجلس الشعب ورفع الحصانة النيابية عن أعضاءه وإعفاء رئيس الحكومة، وكذا حل الهيئة الوقتية المكلفة بمراقبة دستورية القوانين وإبتداع أحكام انتقالية خارج المثن الدستوري... في تعارض صريح مع  مشمولات المادة 80 من دستور الجمهورية لسنة  2014، وهو ما يطرح مجموعة من الإشكاليات الدستورية في تقدير مدى ملاءمة قرارات الرئيس قيس سعيد مع روح الدستور التونسي! 

 
التأويل الديمقراطي للدستور التونسي:
تشكل كتلة الدستور التونسي مجموعة من المبادئ التي تؤسس لطبيعة العلاقة بين السلطة السياسية والتشريعية والقضائية في الدولة. فالدستور بمثابة ميثاق سياسي متعاقد حوله بين شعب هو المالك الأصلي للسلطة التأسيسية، وبين سلطة سياسية خاضعة لروح الدستور، وبثوابت جامدة في النص الدستور هي: مبدأ فصل السلط، الديمقراطية، مبدأ سمو الدستور وإقرار الحقوق والحريات.
فالنموذج التونسي، الذي يتأرجح نظامه السياسي بين نظام دستوري بصيغة برلمانية وأخرى طبيعة رئاسية، بسبب نمط الاقتراع المباشر للمؤسستين الرئاسية والبرلمانية، يتقاسمان من خلالها مبدأ الإرادة العامة.
فهذا الغموض الذي يلف طبيعة النظام السياسي في الدولة، يترجم من جهة تخوف المشرع الدستوري من النظام الرئاسي الذي كرسته تونس قبل الثورة، ومآلات الأوضاع السياسية والحقوقية المتردية التي عاشتها تونس في تلك الفترة، الشيء الذي دفع بالمشرع إلى تقوية مؤسسة البرلمان على حساب باقي المؤسسات، ما من شأنه أن يضمن مرونة كبيرة في تحقيق التعاقب السلمي حول السلطة من خلال الآلية الانتخابية.
هذا الوضع الجديد والذي يذهب إلى حد التداخل بين نظامين سياسيين، جعل القراءة الدستورية تذهب في اتجاه النزعة البرلمانية للنظام السياسي، خاصة إذا علمنا أن هذه القراءات هي قراءات أكاديمية تنهل من السياق العام الذي عرفه مخاض التأسيس الدستوري لسنة 2014 .
إذن يمكن القول بأن هذه النزعة حدت قدرة رئيس الجمهورية من التحكم في كل دواليب الدولة، وهو النمط الذي كرسته تونس تاريخيا قبل هذه التجربة، وهذا ما جعل منطوق وروح الدستور التونسي يسيج القرارات المتوقعة من رئيس الجمهورية في إمكانية حل البرلمان والإعلان عن حالة الاستثناء، إلا بعد استشارة رئيس مجلس الشعب ورئيس الحكومة وكذا رئيس المحكمة الدستورية غير المعلنة إلى الآن، ثم قيد المشرع الدستوري التونسي رئيس الجمهورية في حالة إعلانه عن حالة الاستثناء بعدم رفع لائحة لوم للحكومة، وأن يظل مجلس الشعب في حالة انعقاد دائم.
بهذا المعنى الذي ينحاز للقراءة الديمقراطية للنص الدستوري، يمكن الجزم بأن إعلان رئيس تونس عن حالة الاستثناء يتنافى من النص وروح الدستور التونسي.

 
التأويل السلطوي للدستور:
 يخضع الدستور في مرحلة ممارسة السلطة التأسيسية الأصلية لوضع دستور جديد، أو في مرحلة ممارسة السلطة التأسيسية الفرعية لتعديل دستور قائم، لميزان قوى سياسي يأرجح الدستور بين صراع مركز القرار السياسي وبين مركز الضغط الشعبي.
في ظل هذه الثنائية، يتم الإخراج الدستوري وفق الظرفية السياسية التي تمر منها الدولة، بمعنى أدق فالدستور هو إفراز للجانب القوي داخل الدولة، فإما يخضع لرغبة السلطة السياسية الشمولية والقوية، وبالتالي يكون دستورا لإضفاء الشرعية وبمثابة الواقي السياسي لها. او لقوة الضغط الذي قد تمارسه كيانات داخل الدولة ومن خارج العلبة السياسية، وبالتالي يكون الدستور بمثابة ترجمة لقوة الحركات الاحتجاجية السياسية والاجتماعية... 
هذا الأمر ينطلي أيضا في اللحظة السياسية التي يتم فيها تنزيل المقتضيات الدستورية، وقد يتأكد عندما تسود حالة الأزمة أو التعارض السياسي بين أطراف الحقل السياسي الدولتي، ومعه يبرز ميزان القوى السياسي الذي يعتبر محددا أساسيا لدولة القانون من منطلق السمو، لكنه في الحالة هاته يعتبر آلية قانونية لاضفاء القرارات السياسية الحاسمة لحظة الأزمة والتدافع السياسي من طرف المستأسد بالسلطة السياسية.
يقول كارل شميت في كتابه اللاهوت السياسي بأن: "الحاكم السيادي هو من يقرر في الحالات الاستثنائية"، ويبدو أنه في الحالة التونسية، ظهر الرئيس قيس سعيد وهو المالك الأول للسلطة التنفيذية، بمثابة المبادر في لي عنق المثن الدستوري مع ما يخدم استراتيجتيه المفتوحة اتجاه الخصوم السياسيين، أولهم مؤسسة مجلس الشعب (الذي يخضع لسلطة حزب النهضة التونسي) والحكومة المنبثقة عنه (امتداد لحصول الاسلاميين على المرتبة الأولى في الانتخابات التشريعية الأخيرة).
إن الرئيس التونسي ،ومن خلال تعليقه (مفهوم خارج المثن الدستوري) لمؤسسة مجلس الشعب وتعطيله للحكومة، واستنباثه لأحكام انتقالية خارج مدار الدستور، وتوقيف العمل بالهيئة الوقتية المكلفة بمراقبة دستورية القوانين، واتباع سياسة انتقائية في متابعة قضائية مفتوحة لبعض أعضاء مجلس الشعب... كلها قرارات وغيرها تنبع من التأويل السلطوي للدستور التونسي.
لا يمكن في أي حال من الأحوال الإيحاء بالخروج قطعا عن المثن الدستوري، لكن السلطة السياسية في ظل الأنظمة الديمقراطية الهجينة، تكون بحاجة ماسة إلى تأويلات سياسية للوثيقة الدستورية تعطي الانطباع باحترام تام للدستور، وهو سلوك سياسي بمثابة خطاب سياسي موجه لعامة الشعب، خطاب عاطفي بالأساس ينفد من خلال شعار المصلحة العامة والضرورة الملحة، ويلفه بقراءة سياسية لنص دستوري يحتاج لقراءة دستورية من طرف محكمة مستقلة (المحكمة الدستورية). 
الحبيب فائز باحث في الدراسات الدستورية بمختبر السياسات العمومية للدكتوراه بكلية الحقوق بالمحمدية