يبدو أن اتحاد المنظمات التربوية المغربية، تمكن أخيرا من استعادة المبادرة والدور الذي كان يضطلع به منذ تأسيسه سنة 1991، في الترافع عن قضايا الطفولة والشباب، وذلك بعدما شرع في تنفيد سلسلة من المبادرات في مقدمتها اعلانه رفضه القاطع والتصدي لتفويت تدبير مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب، لجهات استثمارية ذات طابع ربحي، باعتبار ذلك ضربًا لمبادئ الخدمة العمومية والتجربة الجمعوية المغربية في خدمة الطفولة والشباب.
ووصف الاتحاد في أعقاب اجتماع استثنائي مؤخرا عقده بالرباط وخصص لمناقشة "التهديدات التي تواجه مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب"، " سياسة الحكومة بالتجاهل والتسويف، خاصة تجاه مطالب الاتحاد بعقد لقاء مع وزير الشباب والثقافة والتواصل مشيرا إلى التراجع الكبير بنسبة 70 في المائة في عدد المستفيدين من البرنامج الوطني للتخييم.
وأكد الاتحاد تمسكه بمسؤوليته التاريخية في حماية هذه الفضاءات كخيار استراتيجي لا محيد عنه، معلنًا عزمه على مواصلة النضال والترافع للحفاظ على هذا المرفق العمومي الحيوي وفاءً لقيم المواطنة والعدالة الاجتماعية.
التفويت يصل البرلمان
وتجاوبا مع النداء الذي وجهه اتحاد المنظمات التربوية المغربية إلى " كافة الفاعلين الجمعويين والسياسيين والنقابيين للانخراط في الحملة الوطنية لإقناع الحكومة بالتراجع عن هذا المخطط الذي يهدد مستقبل الطفولة والشباب"، سارعت فرق بالبرلمان الى توجيه أسئلة الى وزير الشباب والثقافة والتواصل بخصوص ما يروج حول تفويت هذه المؤسسات.
وذكر الفريق الاشتراكي ( المعارضة الاتحادية ) بمجلس النواب في سؤال شفوي، حول " تفويت مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب على حساب الخدمة العمومية" ، إنه في الوقت الذي تعلن فيه الحكومة التزامها ببناء الدولة الاجتماعية وتعزيز الاستثمار في الرأسمال البشري، " تفاجأ الرأي العام ومعه مختلف مكونات الحركة الجمعوية التربوية بالإجراءات الجارية لتفويت تدبير عدد من مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب".
وأوضح الفريق أن الأمر يتعلق بتفويت هذه المراكز لفائدة فاعلين من القطاع الخاص، " بمنطق تجاري ربحي، وفي غياب تام لأي مقاربة تشاركية مع الفاعلين الجمعويين الذين راكموا تجربة نوعية في هذا المجال مشيرا إلى أن هذا التوجه الذي ساهم في تراجع مهول في عدد المستفيدين من البرنامج الوطني للتخييم الذي عرف انخفاضا بنسبة تقارب 70 بالمائة، " شكل مؤشرا مقلقا على فشل السياسة العمومية المتبعة في هذا المجال الحيوي، ويطرح تساؤلات جول جدية الحكومة في الوفاء بالتزاماتها الدستورية والاجتماعية تجاه فئات الطفولة والشباب".
الوعي بأدوار بالمنظمات التربوية
أما الفريق النيابي للتقدم والاشتراكية، فأكد بدوره في سؤال كتابي الى ذات الوزير حول " الأخبار الرائجة بشأن السعي نحو تفويت تدبير فضاءات الطفولة والشباب لمؤسسات تجارية ربحية"، أن من شأن خيار التفويت أن " يؤدى من دون شك إلى القضاء نهائيا على الطبيعة المرفقية العمومية لهذه المؤسسات، والتي تشكل واحدة من دعامات الدولة الاجتماعية".
ولفت الانتباه الى أن فضاءات الطفولة والشباب تضطلع بأدوار طلائعية ذات بعد اجتماعي في تأطير وتكوين شريحة مهمة من المجتمع، تأسيسا على قناعة راسخة بأهمية الاستثمار الأمثل للرأسمال البشري ووعي حقيقي بأدوار الجمعيات والمنظمات التربوية والشبابية الفاعلة في المجال والشريكة للقطاع والتي تمكنت من تحقيق منجزات وطنية مهمة على مدى عقود من الاشتغال الجاد والمسؤول.
تفويت مرافق عمومية
ومن جهتها نبهت فيدرالية اليسار الديمقراطي بمجلس النواب في سؤال لوزير الشباب والثقافة والتواصل، أن قرار التفويت " أثار تخوفات واسعة وسط الجمعويين خصوصا لما قد يشكله هذا التوجه – في حالة صحته - من تهديد لطابع هذه الفضاءات كمرافق عمومية، وكمجال حيوي في مجالات العدالة الاجتماعية ودعامة من دعامات الدولة الاجتماعية".
وذكرت مجموعة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، بمجلس المستشارين، في سؤال شفوي، للوزير بأن الجمعيات والمنظمات التربوية والشبابية تعتبر شريكا استراتيجيا للوزارة، ساهم على مدى عقود في تنزيل برامجها وبلورة مشاريعها على أرض الواقع، خاصة فيما يتعلق بخدمة الطفولة والشباب في الوسطين الحضاري والقروي، وتيسير ولوجهم المجاني والعادل إلى خدمات التنشيط التربوي والثقافي. متسائلة عن الإجراءات المتخذة من قبل الوزارة لضمان استمرارية الخدمات الاجتماعية والتربوية المجانية لفائدة الأطفال والشباب، خصوصا من خلال دعم الجمعيات والمنظمات التي راكمت تجربة مهمة في هذا المجال.
جبهة وطنية
وفي اطار مبادراته، دعا الاتحاد إلى إطلاق برنامج وطني للترافع والدفاع عن مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب، وتشكيل جبهة وطنية لمواجهة محاولات التفويت أو الخوصصة، مؤكدا تمسكه بمسؤوليته التاريخية في حماية هذه الفضاءات كخيار استراتيجي لا محيد عنه، معلنًا عزمه على " مواصلة النضال والترافع للحفاظ على هذا المرفق العمومي الحيوي وفاءً لقيم المواطنة والعدالة الاجتماعية".
وإذا كان اتحاد المنظمات التربوية المغربية يؤكد على التشبث برؤية وفلسفة النضال والترافع والدفاع عن قضايا الطفولة والشباب ومؤسساتهما كخيار استراتيجي، فإنه أعلن عن رفضه القاطع لتفويت تدبير مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب، لجهات استثمارية ذات طابع ربحي، معتبرًا ذلك ضربًا لمبادئ الخدمة العمومية والتجربة الجمعوية المغربية في خدمة الطفولة والشباب.
وقد بدأت هذه المعركة ضد قرار التفويت حينما أعلن رئيس اتحاد المنظمات المغربية التربوية رشيد روكبان في 18 مارس 2025 في افتتاح الندوة الوطنية حول موضوع " السياسات العمومية الموجهة للشباب" في بوزنيقة إن ملف تدبير فضاءات الطفولة والشباب، " يمر من مرحلة حساسة جدا"، إذ تروج أخبار، مفادها أن الحكومة تعتزم القيام بعدد من الإجراءات والتدابير ذات تأثيرات بالغة الأهمية على أدوار فضاءات الطفولة والشباب وخاصة مراكز الاستقبال ومراكز التخييم من الجيل الجديد، وهو ما سيكون له تأثير يمتد بالضرورة إلى أنشطة وفعاليات الجمعيات والمنظمات الفاعلة في المجال.
ما أشبه الأمس باليوم
ليست حملة الدفاع عن مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب ،التي تخوضها الجمعيات المكونة لاتحاد المنظمات المغربية التربوية، هي الأولى من نوعها بل كانت قبلها معارك أخرى خاصة منها تلك التي شهدتها بداية تسعينات القرن الماضي، والتي اندلعت على اثر قرار تفويت المخيم الوطني ببوزنيقة كمرفق تربوي عمومي إلى إحدى شركات مقابل بناء ما سيحمل لاحقا اسم " مركب مولاي رشيد للشباب" الذي لا يمثل إلا نسبة ضئيلة جدا من مساحة المخيم الوطني الذي كان يطل مباشرة على شاطئ البحر. آنذاك جعل الاتحاد بتنسيق مع اللجنة الوطنية للتخييم التي كان منسقها النقيب محمد السملالي (1939 – 1998 ) الكاتب العام الأسبق للجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ، من الدفاع عن مؤسسات وفضاءات الطفولة والشباب، ومواجهة سياسة تفويت هذه الفضاءات ،أولوية في تلك المرحلة الدقيقة من مسار العمل المدني.
يذكر أن اتحاد المنظمات المغربية التربوية الذي تأسس سنة 1991 بمبادرة من مربي الأجيال محمد الحيحي ( 1928 – 1998 )، يضم حاليا كلا من الجمعية المغربية لتربية الشبيبة AMEJ وحركة الطفولة الشعبية وجمعية التربية والتنمية وجمعية المواهب للتربية الاجتماعية وجمعية الشعلة للتربية والثقافة وجمعية المنار للتربية والثقافة، ومنظمة الطلائع أطفال المغرب، وجمعية التنمية للطفولة والشباب.