الأحد 19 مايو 2024
مجتمع

المدرسة الخصوصية في المغرب مصدر للتمييز بين المتمدرسين

 
 
المدرسة الخصوصية في المغرب مصدر للتمييز بين المتمدرسين

بالنسبة للباحث سيلفان أوبري، مؤلف دراسة عن التعليم في المغرب، ارتكب المغرب خطأ فادحا عندما شرع في خصخصة التعليم على كل الصعد.

هل المدرسة العمومية منذورة للاختفاء نهائيا في المغرب؟ أثيرت هذه القضية في صميم تقرير صدر مؤخرا عن مجموعة من المنظمات غير الحكومية المغربية حول التعليم. وتدين هذه الجمعيات إغلاق 191 مدرسة ابتدائية وثانوية بين عامي 2008 و2013 في البلاد، ولا سيما في مدينتي الرباط والدار البيضاء. ويشير التقرير إلى أن المدارس العمومية الأخرى مهددة بالإغلاق، مما يشير إلى "تراجع التزام الدولة بتوفير التعليم المجاني والجيد للجميع" في المملكة الشريفية.

وتناولت لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية هذه المسألة، ودعت الحكومة المغربية إلى تقديم التزامات حازمة لمنع أوجه عدم المساواة في الولوج على التعليم. وتشير المنظمات غير الحكومية ولجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة إلى ما يعتبرونه تطورا غير محكوم في التعليم الخاص في المغرب مما تسبب في "تعزيز أوجه عدم المساواة في التمتع بالحق في التعليم".

"على مدى 15 عاما، شجعت الحكومات المتعاقبة في المغرب على تطوير قطاع التعليم الخصوصي. واليوم، ارتفعت حصة التلاميذ في القطاع الخاص في التعليم الابتدائي من 4 في المائة في عام 1999 إلى 15 في المائة في عام 2015، وقد نقلت السلطات نفسها باستمرار فكرة أن التعليم الخاص أفضل من التعليم العام، وهذا ليس صحيحا"، يقول سيلفان أوبري من المبادرة العالمية لمركز البحوث الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والذي تخصص في معالجة أوجه عدم المساواة في الولوج إلى التعليم وأنجز دراسة حول هذا الموضوع.

1- لماذا تستمر الحكومة المغربية في تطوير التعليم الخاص؟

مما لاشك فيه أن المغرب تحدوه رغبة أيديولوجية في تقليص دور الدولة ودعم القطاع الخاص. في قلب هذا الإصرار فكرة أن الدولة لا تعمل، وأنه لا يمكن إصلاحها، وأن كل ما هو خاص هو أكثر فعالية. وهذا على الرغم من كل البحوث التي تبين أن الواقع هو أكثر تعقيدا بكثير، وأنه لم يتم التحقق على الإطلاق من ذلك في بعض القطاعات مثل التعليم.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الحكومة المغربية لم تستمر في هذا الاتجاه فحسب، بل أعدت مشروع قانون سبق أن ناقشه البرلمان، إذ يحدد المشروع أهدافا منها الزيادة في نسبة التلاميذ في التعليم الخاص، ويقترح تطوير الأخير من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص على أساس النموذج التشيلي. وقد اعتمدت شيلي، تحت بنوشيه، واحدا من أكثر النظم التعليمية ليبرالية وخصخصة في العالم. ولم يؤد هذا النظام إلى تحسين نوعية التعليم فحسب، بل أدى إلى تفاقم أوجه عدم المساواة. وتواجه بلدان أخرى، مثل السويد، التي حاولت تجارب مماثلة في مجال الشراكة بين القطاعين العام والخاص، تفاقما مريعا في عدم المساواة في نظامها التعليمي وانخفاض في الجودة العامة.

2- إلى أي مدى يؤدي تعزيز التعليم الخاص إلى عدم المساواة؟

ويتبين من هذا الوضع أن النظام التعليمي المغربي يتميز بفصل كبير وفقا للأصول الاجتماعية والاقتصادية. ويمكن لأبناء الأغنياء أن يذهبوا إلى مدارس النخبة ذات الجودة العالية، بينما ما تقدم الأسر الأشد فقرا تضحيات كبيرة لوضع أطفالها في مدارس خاصة ذات نوعية سيئة، أو في التعليم العمومي عندما لا يكون لديهم الاختيار. وهذا لا يعطي فوائد أكبر للنجاح الدراسي والسوسيومهني لأبناء الأسر المحظوظة أصلا، ولكنه يزيد من صعوبات الناس الأكثر فقرا.

وعلى الرغم من إعلانات الواجهة، فإن الحكومة لا تملك الوسائل ولا الإرادة السياسية لتنظيم التعليم الخاص، الذي تحميه شبكات نفوذ قوية. وعن ذلك نجمت منظومة فوضوية، حيث ازدهرت المدارس الخاصة في كل مكان. لسوء الحظ، بذل الكثير من المواطنين المغاربة تضحيات هائلة لوضع أطفالهم في القطاع الخاص، ولكن العديد من هذه المدارس لديها القليل لتقدمه ما جعل آمال كثيرة تصاب بالخيبة والانكسار.

3- ما هو الممكن القيام به؟

لا يوجد حل سحري. ومن أجل بناء نظام تعليمي جيد دون تمييز، يلزم توفير تعليم عمومي قوي. فبدلا من أخذ مثال البلدان التي يفشل نظامها بشكل واضح، ينبغي أن تستوحي الحكومة المغربية أفكارا من بلدان مثل فنلندا، التي حققت أداء جيدا منذ سنوات في نظام بيسا الدولي من حيث المساواة في نظام التعليم. ويجب إعادة رسم خطة طموحة للتعليم العمومي.

4- هل خصخصة التعليم بالضرورة أمر سيء؟

التعليم الخاص ليس سيئا في حد ذاته، بل قد يكون له دور يؤديه. ومن المهم حماية حرية الآباء في اختيار مدرسة خاصة لأطفالهم مختلفة عن المدرسة العمومية، وإنشاء مدارس خاصة. ولكن يجب أن يتم ذلك وفقا لقواعد الحد الأدنى فيما يخص نوعية ومحتوى التكوين، وأوضاع المعلمين. إذا تم تأطيره بشكل صحيح، يمكن للتعليم الخاص أن يوفر مصدرا مفيدا للتنوع التربوي في نظام التعليم، وتعزيز أساليب التدريس الجديدة لتلبية احتياجات الأقليات العرقية أو الدينية، أو مصدرا للحرية في الدول الاستبدادية. ولكن يجب أن يكون  بديلا لمجانية التعليم دونما تفريط في الجودة. وألا يكون مصدرا للتمييز بين المتمدرسين.

عن  Le Monde