قدمت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مذكرة ترافعية مطولة بشأن رؤيتها الحقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي دخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025..
وتتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، التي يترأسها الأستاذ نوفل البعمري، مع قانون المسطرة الجنائية الجديد انطلاقا من مبادئها التأسيسية ودورها الترافعي لبناء نصوص قانونية ملائمة للاتفاقيات الدولية والالتزامات الحقوقية للمغرب، خاصة أن هذا القانون ينظم حقوق المواطنين من لحظة الإيقاف إلى صدور الحكم مرورا بجميع الإجراءات المسطرية.
ويأتي هذا التفاعل مواكبا لتراكم الملاحظات التي قدمتها المنظمة منذ مذكرتها لسنة 2018 حول السياسة الجنائية، مع التركيز على ضمان المحاكمة العادلة كحق أساسي يتحقق عبر عدالة جنائية إجرائية منصفة، مستندة إلى الدستور والمعاهدات الدولية..
وقد تم إعداد هذه المذكرة لتأطير تطبيق القانون برؤية حقوقية شاملة، تُطرح تزامنا مع دخوله حيز التنفيذ لمواكبة ممارسته وضمان توازن متطلبات النظام العام مع حماية الحقوق والحريات.
مذكرة ترافعية
بشأن رؤية حقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر2025
بشأن رؤية حقوقية لقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر2025
لماذا هذه المذكرة؟:
تتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مع مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025 انطلاقاً من مبادئها التأسيسية ومرجعتيها الحقوقية ودورها الترافعي للإسهام في تجويد النصوص القانونية وجعلها ملائمة للاتفاقيات الدولية الحقوقية و لإلتزامات المغرب الحقوقية ذات الصلة بالحقوق و الحريات.
واعتبارا لما لقانون المسطرة الجنائية من ارتباط مباشر بالحقوق والحريات باعتباره النص الذي ينظم حقوق المواطنين والمواطنات لحظة إيقافهم إلى النطق بالحكم مروراً بمختلف الإجراءات المسطرية التي يتم اتخاذها من طرف النيابة في إطار المبادئ التوجيهية الكبرى التي وضعتها خلاصات المناقشات التي تمت حول السياسة الجنائية بالمغرب.
وأخذاً بعين الاعتبار لكل الملاحظات التي سبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن رفعتها حول السياسة الجنائية في مذكرتها الترافعية لسنة 2018، وما تلاها من مذكرات وندوات تم تنظيمها في إطار الدينامية التي دفعت بها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مواكبةً منها لهذا المسار التشريعي لنص قانوني يُعتبر في حالة تماس مباشرة مع حريات المواطنين.
وحيث أن الحقوق التي وجب ضمانها تُعتبر من الحقوق الأساسية على رأسها الحق في محاكمة عادلة، وهي المحاكمة العادلة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود نص تشريعي يحقق العدالة الجنائية في بعدها الإجرائي العام والخاص.
لكل ذلك فقد تم إعداد هذه المذكرة الترافعية لتأطير هذا القانون برؤية حقوقية تستند على التراكم الحقوقي الذي حققه المغرب في المجال الإصلاح التشريعي، وعلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمقتضيات الدستورية التي جاء بها دستور فتح يوليوز 2025، مواكبة من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لتنزيل هذا القانون منذ لحظة دخوله حيز التنفيذ.
كما تم إعداد هذه المذكرة لطرحها تزامناً مع دخول القانون حيز التنفيذ يوم الإثنين 8 دجنبر 2025، لمواكبة تطبيقه اعتباراً لقيمته الحقوقية لوجوده في حالة تماس مع الحقوق والحريات.
تقديم عام:
لقد جاء القانون رقم 03.23 بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في إطار ملائمة التشريع الجنائي الوطني مع المقتضيات الدستورية ومبادئ المحاكمة العادلة المتعارف عليها عالميا، وكذا ترجمة المجهودات التي يبذلها المغرب في احترام حقوق الإنسان وصون حرياته والحفاظ على المصلحة العام والنظام العام وسلامة الأشخاص والممتلكات بهدف مواكبة تكريس دولة الحق والقانون بما يتماش مع نظام العدالة الجنائية الحديثة.
كما جاء في ظل سياق التحديات التي تواجهها السياسة الجنائية بالمغرب، والثغرات التي ظهرت مع الممارسة العملية بعد مرور أكتر من 20 سنة على صدور القانون الحالي.
بروز هده التحديات لمسته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشكل رئيسي في ارتفاع نسبة الجريمة كماً وكيفاً مما ترتب عنه ارتفاع وتضخم ملحوظ في القضايا الجنائية، إذ بلغ عددها سنة 2024 ما مجموعه 2.550.636 قضية بالمحاكم الابتدائية تمثل نسبة 60% من مجموع القضايا الرائجة، أما على مستوى محاكم الاستئناف بلغ عدد القضايا الزجرية 386.578 قضية بما يمثل نسبة 70% من القضايا الرائجة.
كما توصلت النيابة العامة خلال سنة 2024 بما يقارب من 2,5 مليون محضر و600.000 شكاية وتم تقديم حوالي 640.000 شخص أمام النيابة العامة، أحيل منهم 90.000 على الاعتقال الاحتياطي.
وباستقراء هذه الإحصاءات نؤكد على كون كثرة القضايا وضعف ومحدودية الإمكانيات المتاحة على مستوى الموارد البشرية والبنيات التحتية واللوجيستيكية سيكون له أثر كبير على فعالية المنظومة و جودة أداء العدالة، كما أن السياسة الجنائية الرامية إلى مكافحة الجريمة والوقاية منها يجب أن تستحضر مختلف التحولات الاجتماعية والاقتصادية المجتمعية التي لها تأثير كبير على تطور معدل الجريمة بشكل عام.
هنا يمكن إدراج أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سبق وأن تناولت عدداً من القضايا التي تهم إصلاح منظومة العدالة ببلادنا وصون حقوق الإنسان من خلال قضاء نزيه وفعال يوفر حماية حقيقية للمتقاضين.
وبما أن النص التشريعي الذي نحن بصدده يتعلق بالمسطرة الجنائية نؤكد في هذا المقام أنه من زاوية مقاربة حقوقية موسعة يقع على عاتق القوانين حماية حقوق الأفراد والمجتمع من خلال ضمان حقوق المتقاضين الأساسية المرتبطة بالعدالة ومن أهمها حق الولوج إلى العدالة والذي يقتضي أن تكون الإجراءات القضائية في متناول الجميع بما في ذلك إمكانية الاستفادة من المساعدة القضائية وأن يضمن القانون حماية الحق في الولوج إلى العدالة للفئات في وضعية هشاشة، كما أن مبدأ المساواة أمام القضاء يشمل جزءاً أساسيا من دولة الحق والقانون، والحق في المحاكمة العادلة بما في ذلك ضمانات الإجراءات وفي صدارتها قرينة البراءة والحق في الدفاع وحق المحاكمة في أجل معقول والحصول عنى حكم محلل وعلني، كل هذه المبادئ والمرتكزات الأساسية يتم الدفع بها لتسويغ ودعم المبادرات التشريعية المتعلقة بإصلاح العدالة عموماً، كما هو وارد في ديباجة القانون رقم 03.23.
المنهج المعتمد في قراءة القانون 03.23.
وعياً بالأثر البنيوي للمسطرة الجنائية على حماية حقوق المتقاضين وضمانات المحاكمة العادلة، فإنه يقتضي ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلمة بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة وانضمت إليها، وكذا على ضوء الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية الخاصة بالتقارير المقدمة لها من لدن الحكومة لذلك فإن كل مراجعة للمسطرة الجنائية يجب أن تندرج في إطار سياق شامل لإصلاح القانون الجنائي على قاعدة رؤية مندمجة للسياسة الجنائية وأولوية المنطق الوقائي وإعمال الضمانات الدستورية في مجال حقوق المتقاضين وملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انظم إليها .
إن الآثار المعياري للبعد الاتفاقي المتعلق بالممارسة الاتفاقية المغربية في مجال حقوق الإنسان وحدود التفاعل مع مخرجات توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير يقتضي تسجيل بعض الملاحظات بشأن الأنظمة الإجرائية المتعلقة بمعيارية الديباجة ونظام إجراءات الحراسة النظرية وموصيات اللجوء إلى إجراءات التحقيق الاحتياطي والحق في الإطلاع ونظام التسليم.
فإذا كان قانون المسطرة الجنائية هو قانون مكافحة الجريمة فهو قانون أيضاً ينظم علاقة الفرد بالسلطة في بعدها المعياري المرتبط بمعيارية القوانين الدستورية ومعيارية الاتفاقيات الدولية ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
إذن بأي بعد معياري مرجعي يقتضي الاعتماد عليه لبناء قانون مسطري منصف وعادل يحقق التوازن بين متطلبات النظام العام و ضمانات الحقوق والحريات ويحقق نوع من التوازن بين الفرد ومؤسسات الشرطة القضائية وقضاء النيابة العامة وقضاء التحقيق على أساس احترام المبادئ الأساسية في مجال حقوق الإنسان ومعاير المحاكمة العادلة من حضورية وتوازن بين الأطراف والفصل بن السلطات المعلقة بممارسة الدعوى العمومية والتحقيق وهيئات الحكم ومحاكمة الأشخاص الموجودين في شروط مماثلة على أساس نفس القواعد وأصل البرادة والشك يفسر لصالح المتهم والأجل المعقولة والحق في مؤازرة محامي.
وهنا نستحضر في قراءتنا للقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المبادئ والمرتكزات، الواردة في مادته الأولى "الحق في الولوج الى العدالة، المحاكمة العادلة، إصدار الأحكام و تنفيذها في أجل معقول..." فإننا سنحرص على دراسة مدى استجابة المشروع لعدد من التحديات التي استشعرها الممارسون في حقل العدالة ومن أهمها:
- مراعاة مبدأ التوازن بين سلطة الإدعاء وحقوق الدفاع، تبسيط المساطر بشكل عام وخاصة بين المتدخلين في ميدان العدالة، وتحقيق الفعالية من حيث الزمن القضائي.
- تسير الولوج القانوني المتبصر للعدالة لكافة الفئات ولو باعتماد تميز إيجابي إجرائي أحيانا.
- دعم العدالة التصالحية وتعزيز آليات الوساطة والصلح
- توفير شروط المحاكمة العالة والاستجابة لمعايير أنسنة العدالة .
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن من شأن اعتماد إجراءات جنائية من قبيل المقتضيات البديلة في المراقبة القضائية والعقوبات القضائية أن يكون لها تأثير إيجابي على الإدماج الاجتماعي للأشخاص المدانين من طرف العدالة، كما أن تبسيط الإجراءات يساهم بكيفية حاسمة في تسريع البث في القضايا وتخفيف اكتظاظ السجون بالمعتقلين احتياطيا، علماً أن للسجن كلمة اجتماعية ونفسية ومادية على السجين وأقاربه وله آثار قانونية تحول دون إدماجه من جديد في سوق الشغل.
فمن منطلق مرجعية حقوق الإنسان يجب أن تهدف الإجراءات الجنائية إلى حماية حقوق المتهمين الضحايا والشهود وأن تسعى إلى تحقيق التوازن بين ردع الجريمة والحفاظ على الحقوق الأساسية وفي مقدمتها قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة والحق في الولوج إلى العدالة وحقوق الضحايا، كما أن قانون المسطرة الجنائية الواضح والشفاف يعزز شرعية السياسة الجنائية ويساهم في ثقة المواطنين في العدالة، التي تعتبر مقوماً ضرورياً في توطيد التماسك الاجتماعي والأمن القانوني
عليه، فإن القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، يعيش إحدى أهم المحطات التشريعية في مساره الذي يعكس سعي المشرّع المغربي إلى ملاءمة المنظومة الجنائية الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة التوصيات الصادرة في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير الأممية. ويترجم هذا التفاعل من خلال إدراج مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بتعزيز الضمانات الإجرائية، وتكريس الحقوق الأساسية للأشخاص في تماس مع العدالة الجنائية، لاسيما على مستوى تنظيم الحراسة النظرية، والاعتقال الاحتياطي، والحق في الاطلاع، بالإضافة إلى مراجعة مسطرة التسليم، بما ينسجم مع مبدأ المحاكمة العادلة.
غير أن استقراء النصوص المعدّلة والاقتراحات التشريعية الواردة في هذا القانون، يكشف في المقابل عن تحديات واقعية ومفصلية تهمّ فعالية العدالة الجنائية وشموليتها، حيث يطرح القانون إشكالات على مستويات متعددة، تتعلق بمحدودية آليات مكافحة الفساد والجرائم الماسة بالمال العام، وتضييق هامش اشتغال المجتمع المدني من خلال تقليص إمكانية انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الزجرية. كما يثير المشروع تساؤلات بخصوص مدى تكريس العدالة التصالحية كمكون بنيوي في السياسة الجنائية، ناهيك عن إشكالية الازدواج بين الوسائل التقليدية والرقمية، وغياب رؤية متكاملة لحماية الضحايا، وضعف إدماج مقاربة النوع، إلى جانب القصور التشريعي الواضح في التصدي للجرائم البيئية.
وعليه، فإن دراسة هذا القانون تقتضي تحليلًا مزدوجًا:
أولهما؛يتعلّق باستيعاب التحولات المفاهيمية التي جاء بها المشروع انسجامًا مع التزامات المغرب الدولية.
ثانيهما؛ينصرف إلى تفكيك الإشكالات التشريعية والعملية المرتبطة برهانات تحديث العدالة الجنائية وتوسيع نطاق فعاليتها وشموليتها في ضوء المعايير الحديثة للعدالة الجنائية الشاملة والمندمجة.
تتفاعل المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مع مشروع قانون المسطرة الجنائية الذي سيدخل حيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025 انطلاقاً من مبادئها التأسيسية ومرجعتيها الحقوقية ودورها الترافعي للإسهام في تجويد النصوص القانونية وجعلها ملائمة للاتفاقيات الدولية الحقوقية و لإلتزامات المغرب الحقوقية ذات الصلة بالحقوق و الحريات.
واعتبارا لما لقانون المسطرة الجنائية من ارتباط مباشر بالحقوق والحريات باعتباره النص الذي ينظم حقوق المواطنين والمواطنات لحظة إيقافهم إلى النطق بالحكم مروراً بمختلف الإجراءات المسطرية التي يتم اتخاذها من طرف النيابة في إطار المبادئ التوجيهية الكبرى التي وضعتها خلاصات المناقشات التي تمت حول السياسة الجنائية بالمغرب.
وأخذاً بعين الاعتبار لكل الملاحظات التي سبق للمنظمة المغربية لحقوق الإنسان أن رفعتها حول السياسة الجنائية في مذكرتها الترافعية لسنة 2018، وما تلاها من مذكرات وندوات تم تنظيمها في إطار الدينامية التي دفعت بها المنظمة المغربية لحقوق الإنسان مواكبةً منها لهذا المسار التشريعي لنص قانوني يُعتبر في حالة تماس مباشرة مع حريات المواطنين.
وحيث أن الحقوق التي وجب ضمانها تُعتبر من الحقوق الأساسية على رأسها الحق في محاكمة عادلة، وهي المحاكمة العادلة التي لا يمكن أن تتحقق إلا بوجود نص تشريعي يحقق العدالة الجنائية في بعدها الإجرائي العام والخاص.
لكل ذلك فقد تم إعداد هذه المذكرة الترافعية لتأطير هذا القانون برؤية حقوقية تستند على التراكم الحقوقي الذي حققه المغرب في المجال الإصلاح التشريعي، وعلى الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب والمقتضيات الدستورية التي جاء بها دستور فتح يوليوز 2025، مواكبة من المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لتنزيل هذا القانون منذ لحظة دخوله حيز التنفيذ.
كما تم إعداد هذه المذكرة لطرحها تزامناً مع دخول القانون حيز التنفيذ يوم الإثنين 8 دجنبر 2025، لمواكبة تطبيقه اعتباراً لقيمته الحقوقية لوجوده في حالة تماس مع الحقوق والحريات.
تقديم عام:
لقد جاء القانون رقم 03.23 بتغيير القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية في إطار ملائمة التشريع الجنائي الوطني مع المقتضيات الدستورية ومبادئ المحاكمة العادلة المتعارف عليها عالميا، وكذا ترجمة المجهودات التي يبذلها المغرب في احترام حقوق الإنسان وصون حرياته والحفاظ على المصلحة العام والنظام العام وسلامة الأشخاص والممتلكات بهدف مواكبة تكريس دولة الحق والقانون بما يتماش مع نظام العدالة الجنائية الحديثة.
كما جاء في ظل سياق التحديات التي تواجهها السياسة الجنائية بالمغرب، والثغرات التي ظهرت مع الممارسة العملية بعد مرور أكتر من 20 سنة على صدور القانون الحالي.
بروز هده التحديات لمسته المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشكل رئيسي في ارتفاع نسبة الجريمة كماً وكيفاً مما ترتب عنه ارتفاع وتضخم ملحوظ في القضايا الجنائية، إذ بلغ عددها سنة 2024 ما مجموعه 2.550.636 قضية بالمحاكم الابتدائية تمثل نسبة 60% من مجموع القضايا الرائجة، أما على مستوى محاكم الاستئناف بلغ عدد القضايا الزجرية 386.578 قضية بما يمثل نسبة 70% من القضايا الرائجة.
كما توصلت النيابة العامة خلال سنة 2024 بما يقارب من 2,5 مليون محضر و600.000 شكاية وتم تقديم حوالي 640.000 شخص أمام النيابة العامة، أحيل منهم 90.000 على الاعتقال الاحتياطي.
وباستقراء هذه الإحصاءات نؤكد على كون كثرة القضايا وضعف ومحدودية الإمكانيات المتاحة على مستوى الموارد البشرية والبنيات التحتية واللوجيستيكية سيكون له أثر كبير على فعالية المنظومة و جودة أداء العدالة، كما أن السياسة الجنائية الرامية إلى مكافحة الجريمة والوقاية منها يجب أن تستحضر مختلف التحولات الاجتماعية والاقتصادية المجتمعية التي لها تأثير كبير على تطور معدل الجريمة بشكل عام.
هنا يمكن إدراج أن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان سبق وأن تناولت عدداً من القضايا التي تهم إصلاح منظومة العدالة ببلادنا وصون حقوق الإنسان من خلال قضاء نزيه وفعال يوفر حماية حقيقية للمتقاضين.
وبما أن النص التشريعي الذي نحن بصدده يتعلق بالمسطرة الجنائية نؤكد في هذا المقام أنه من زاوية مقاربة حقوقية موسعة يقع على عاتق القوانين حماية حقوق الأفراد والمجتمع من خلال ضمان حقوق المتقاضين الأساسية المرتبطة بالعدالة ومن أهمها حق الولوج إلى العدالة والذي يقتضي أن تكون الإجراءات القضائية في متناول الجميع بما في ذلك إمكانية الاستفادة من المساعدة القضائية وأن يضمن القانون حماية الحق في الولوج إلى العدالة للفئات في وضعية هشاشة، كما أن مبدأ المساواة أمام القضاء يشمل جزءاً أساسيا من دولة الحق والقانون، والحق في المحاكمة العادلة بما في ذلك ضمانات الإجراءات وفي صدارتها قرينة البراءة والحق في الدفاع وحق المحاكمة في أجل معقول والحصول عنى حكم محلل وعلني، كل هذه المبادئ والمرتكزات الأساسية يتم الدفع بها لتسويغ ودعم المبادرات التشريعية المتعلقة بإصلاح العدالة عموماً، كما هو وارد في ديباجة القانون رقم 03.23.
المنهج المعتمد في قراءة القانون 03.23.
وعياً بالأثر البنيوي للمسطرة الجنائية على حماية حقوق المتقاضين وضمانات المحاكمة العادلة، فإنه يقتضي ملائمة النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل مع المعاهدات الدولية المتعلمة بحقوق الإنسان و القانون الدولي الإنساني، التي صادقت عليها المملكة وانضمت إليها، وكذا على ضوء الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة عن أجهزة المعاهدات الأممية الخاصة بالتقارير المقدمة لها من لدن الحكومة لذلك فإن كل مراجعة للمسطرة الجنائية يجب أن تندرج في إطار سياق شامل لإصلاح القانون الجنائي على قاعدة رؤية مندمجة للسياسة الجنائية وأولوية المنطق الوقائي وإعمال الضمانات الدستورية في مجال حقوق المتقاضين وملائمة التشريع الوطني مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انظم إليها .
إن الآثار المعياري للبعد الاتفاقي المتعلق بالممارسة الاتفاقية المغربية في مجال حقوق الإنسان وحدود التفاعل مع مخرجات توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير يقتضي تسجيل بعض الملاحظات بشأن الأنظمة الإجرائية المتعلقة بمعيارية الديباجة ونظام إجراءات الحراسة النظرية وموصيات اللجوء إلى إجراءات التحقيق الاحتياطي والحق في الإطلاع ونظام التسليم.
فإذا كان قانون المسطرة الجنائية هو قانون مكافحة الجريمة فهو قانون أيضاً ينظم علاقة الفرد بالسلطة في بعدها المعياري المرتبط بمعيارية القوانين الدستورية ومعيارية الاتفاقيات الدولية ومقتضيات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
إذن بأي بعد معياري مرجعي يقتضي الاعتماد عليه لبناء قانون مسطري منصف وعادل يحقق التوازن بين متطلبات النظام العام و ضمانات الحقوق والحريات ويحقق نوع من التوازن بين الفرد ومؤسسات الشرطة القضائية وقضاء النيابة العامة وقضاء التحقيق على أساس احترام المبادئ الأساسية في مجال حقوق الإنسان ومعاير المحاكمة العادلة من حضورية وتوازن بين الأطراف والفصل بن السلطات المعلقة بممارسة الدعوى العمومية والتحقيق وهيئات الحكم ومحاكمة الأشخاص الموجودين في شروط مماثلة على أساس نفس القواعد وأصل البرادة والشك يفسر لصالح المتهم والأجل المعقولة والحق في مؤازرة محامي.
وهنا نستحضر في قراءتنا للقانون رقم 03.23 القاضي بتغير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية المبادئ والمرتكزات، الواردة في مادته الأولى "الحق في الولوج الى العدالة، المحاكمة العادلة، إصدار الأحكام و تنفيذها في أجل معقول..." فإننا سنحرص على دراسة مدى استجابة المشروع لعدد من التحديات التي استشعرها الممارسون في حقل العدالة ومن أهمها:
- مراعاة مبدأ التوازن بين سلطة الإدعاء وحقوق الدفاع، تبسيط المساطر بشكل عام وخاصة بين المتدخلين في ميدان العدالة، وتحقيق الفعالية من حيث الزمن القضائي.
- تسير الولوج القانوني المتبصر للعدالة لكافة الفئات ولو باعتماد تميز إيجابي إجرائي أحيانا.
- دعم العدالة التصالحية وتعزيز آليات الوساطة والصلح
- توفير شروط المحاكمة العالة والاستجابة لمعايير أنسنة العدالة .
وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة الى أن من شأن اعتماد إجراءات جنائية من قبيل المقتضيات البديلة في المراقبة القضائية والعقوبات القضائية أن يكون لها تأثير إيجابي على الإدماج الاجتماعي للأشخاص المدانين من طرف العدالة، كما أن تبسيط الإجراءات يساهم بكيفية حاسمة في تسريع البث في القضايا وتخفيف اكتظاظ السجون بالمعتقلين احتياطيا، علماً أن للسجن كلمة اجتماعية ونفسية ومادية على السجين وأقاربه وله آثار قانونية تحول دون إدماجه من جديد في سوق الشغل.
فمن منطلق مرجعية حقوق الإنسان يجب أن تهدف الإجراءات الجنائية إلى حماية حقوق المتهمين الضحايا والشهود وأن تسعى إلى تحقيق التوازن بين ردع الجريمة والحفاظ على الحقوق الأساسية وفي مقدمتها قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة والحق في الولوج إلى العدالة وحقوق الضحايا، كما أن قانون المسطرة الجنائية الواضح والشفاف يعزز شرعية السياسة الجنائية ويساهم في ثقة المواطنين في العدالة، التي تعتبر مقوماً ضرورياً في توطيد التماسك الاجتماعي والأمن القانوني
عليه، فإن القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، يعيش إحدى أهم المحطات التشريعية في مساره الذي يعكس سعي المشرّع المغربي إلى ملاءمة المنظومة الجنائية الوطنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة التوصيات الصادرة في إطار آلية الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير الأممية. ويترجم هذا التفاعل من خلال إدراج مجموعة من المقتضيات ذات الصلة بتعزيز الضمانات الإجرائية، وتكريس الحقوق الأساسية للأشخاص في تماس مع العدالة الجنائية، لاسيما على مستوى تنظيم الحراسة النظرية، والاعتقال الاحتياطي، والحق في الاطلاع، بالإضافة إلى مراجعة مسطرة التسليم، بما ينسجم مع مبدأ المحاكمة العادلة.
غير أن استقراء النصوص المعدّلة والاقتراحات التشريعية الواردة في هذا القانون، يكشف في المقابل عن تحديات واقعية ومفصلية تهمّ فعالية العدالة الجنائية وشموليتها، حيث يطرح القانون إشكالات على مستويات متعددة، تتعلق بمحدودية آليات مكافحة الفساد والجرائم الماسة بالمال العام، وتضييق هامش اشتغال المجتمع المدني من خلال تقليص إمكانية انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الزجرية. كما يثير المشروع تساؤلات بخصوص مدى تكريس العدالة التصالحية كمكون بنيوي في السياسة الجنائية، ناهيك عن إشكالية الازدواج بين الوسائل التقليدية والرقمية، وغياب رؤية متكاملة لحماية الضحايا، وضعف إدماج مقاربة النوع، إلى جانب القصور التشريعي الواضح في التصدي للجرائم البيئية.
وعليه، فإن دراسة هذا القانون تقتضي تحليلًا مزدوجًا:
أولهما؛يتعلّق باستيعاب التحولات المفاهيمية التي جاء بها المشروع انسجامًا مع التزامات المغرب الدولية.
ثانيهما؛ينصرف إلى تفكيك الإشكالات التشريعية والعملية المرتبطة برهانات تحديث العدالة الجنائية وتوسيع نطاق فعاليتها وشموليتها في ضوء المعايير الحديثة للعدالة الجنائية الشاملة والمندمجة.
أولا: قانون المسطرة الجنائية على ضوء تفاعل المملكة المغربية مع توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير
إن رصد حدود تفاعل مشروع قانون المسطرة الجنائية على ضوء تفاعل المملكة المغربية مع توصيات الاستعراض فى الدوري الشامل ونظام التقارير يقتضي إعمال مقاربات جديدة خصوصا وأن المغرب قد صادق على معاهدات واتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان والتي تترتب عليها التزامات قانونية يقتضي تنزيلها في مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية إعمالا لأثر نظام التقارير والنظر في الشكاوى والبلاغات الفردية والتقارير الدورية لدول الأطراف وإجراءات التحقيق ومتابعة توصيات الاستعراض الدوري الشامل والعمل على مسؤولية تنفيذها في السياسات
إذن من هنا يطرح السؤال مدى تفاعل السياسة التشريعية الإجرائية - المسطرة الجنائية مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان بشأن توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير، لذلك فإن رصد حدود التفاعلات بين مجال السياسات التشريعية المسطرية والآليات الاتفاقية يقتضي في توضيحها ما خلال خمسة أطروحات كبرى نعتبرها هي الموجهة لهذا المشروع و لرؤية المنظمة في معالجتها لهذا المشروع من منظور حقوق الإنسان مفاهيمياً و نصياً.
إن رصد حدود تفاعل مشروع قانون المسطرة الجنائية على ضوء تفاعل المملكة المغربية مع توصيات الاستعراض فى الدوري الشامل ونظام التقارير يقتضي إعمال مقاربات جديدة خصوصا وأن المغرب قد صادق على معاهدات واتفاقيات دولية في مجال حقوق الإنسان والتي تترتب عليها التزامات قانونية يقتضي تنزيلها في مقتضيات مشروع قانون المسطرة الجنائية إعمالا لأثر نظام التقارير والنظر في الشكاوى والبلاغات الفردية والتقارير الدورية لدول الأطراف وإجراءات التحقيق ومتابعة توصيات الاستعراض الدوري الشامل والعمل على مسؤولية تنفيذها في السياسات
إذن من هنا يطرح السؤال مدى تفاعل السياسة التشريعية الإجرائية - المسطرة الجنائية مع الآليات الأممية لحقوق الإنسان بشأن توصيات الاستعراض الدوري الشامل ونظام التقارير، لذلك فإن رصد حدود التفاعلات بين مجال السياسات التشريعية المسطرية والآليات الاتفاقية يقتضي في توضيحها ما خلال خمسة أطروحات كبرى نعتبرها هي الموجهة لهذا المشروع و لرؤية المنظمة في معالجتها لهذا المشروع من منظور حقوق الإنسان مفاهيمياً و نصياً.
- الأطروحة الأولى:
ديباجة القانون رقم 03.23 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية
تجسد ديباجة قانون رقم 03.23، المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 المتعلق بالمسطرة الجنائية، تحولا نوعيا ملحوظا مقارنة مع ديباجة النص الأصلي، حيث جاءت مشبعة بجملة من المرجعيات الدستورية والحقوقية والمؤسساتية، التي تروم تحديد معالم السياسة الجنائية الوطنية، وذلك من خلال تأكيدها على ملاءمة التشريع الوطني مع الممارسة الاتفاقية في مجال حقوق الإنسان، وانخراطه في الجهود الدولية المبذولة لمكافحة الجريمة، إلى جانب تأهيل آليات العدالة الجنائية، وتفعيل مقتضيات دستور 2011، والخطب الملكية السامية، وتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، والمناظرة الوطنية حول السياسة الجنائية، وتوصيات النموذج التنموي الجديد، والاجتهاد الدستوري والقضائي، فضلا عن استحضار القانون المقارن، والعمل على ترسيخ ضمانات المحاكمة العادلة، وتعزيز حقوق الدفاع، وضمان نجاعة منظومة العدالة الجنائية وتحديثها، وتقوية آليات مكافحة الجريمة، والاهتمام بحقوق الضحايا، وتكريس ضوابط واضحة للسياسة الجنائية.
ورغم هذه الإضافات الهامة، فإن الديباجة، في صيغتها الجديدة، لم ترق إلى مستوى تحقيق الأهداف الجوهرية المتمثلة في مركزية الحقوق والحريات داخل النظام الدستوري والمؤسساتي والاتفاقي، مما كان يستدعي تضمين المرجعيات والمعايير والمبادئ التالية، في المضمونين المسطري والموضوعي لقانون المسطرة الجنائية:
● الدستور المغربي، ولا سيما الفصول: 124، 123، 122، 121، 120، 119، 118، 117، 24، 23، 22، 21، 20، 19، 127، 126، 125، و128؛
● تكريس مبدأ المجانية
● إقرار مبدأ التعويض
● التنصيص على مسطرة الاعتراف التلقائي بالفعل الجرمي
● تعزيز الحق في الصمت أمام كافة مؤسسات منظومة الإجراءات الجنائية: الشرطة القضائية، النيابة العامة، قضاء التحقيق، وقضاء الحكم
● المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما فسرتها لجنة حقوق الإنسان في ملاحظتها العامة رقم 32
● اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، كما تم التعليق عليها من طرف لجنة مناهضة التعذيب في ملاحظتها العامة رقم 2
● اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة المادتين 3 و13 منها
● المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، كما صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراريها 32/40 بتاريخ 29 نونبر 1985، و146/40 بتاريخ 13 دجنبر 1985
● المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة، كما اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد في هافانا (كوبا) من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990
● المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين، كما أقرها نفس المؤتمر الأممي
● مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والمنشورة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 173/43 المؤرخ في 9 دجنبر 1988
ورغم هذه الإضافات الهامة، فإن الديباجة، في صيغتها الجديدة، لم ترق إلى مستوى تحقيق الأهداف الجوهرية المتمثلة في مركزية الحقوق والحريات داخل النظام الدستوري والمؤسساتي والاتفاقي، مما كان يستدعي تضمين المرجعيات والمعايير والمبادئ التالية، في المضمونين المسطري والموضوعي لقانون المسطرة الجنائية:
● الدستور المغربي، ولا سيما الفصول: 124، 123، 122، 121، 120، 119، 118، 117، 24، 23، 22، 21، 20، 19، 127، 126، 125، و128؛
● تكريس مبدأ المجانية
● إقرار مبدأ التعويض
● التنصيص على مسطرة الاعتراف التلقائي بالفعل الجرمي
● تعزيز الحق في الصمت أمام كافة مؤسسات منظومة الإجراءات الجنائية: الشرطة القضائية، النيابة العامة، قضاء التحقيق، وقضاء الحكم
● المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، كما فسرتها لجنة حقوق الإنسان في ملاحظتها العامة رقم 32
● اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، كما تم التعليق عليها من طرف لجنة مناهضة التعذيب في ملاحظتها العامة رقم 2
● اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة المادتين 3 و13 منها
● المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، كما صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في قراريها 32/40 بتاريخ 29 نونبر 1985، و146/40 بتاريخ 13 دجنبر 1985
● المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة، كما اعتمدها مؤتمر الأمم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين، المنعقد في هافانا (كوبا) من 27 غشت إلى 7 شتنبر 1990
● المبادئ الأساسية بشأن دور المحامين، كما أقرها نفس المؤتمر الأممي
● مجموعة المبادئ المتعلقة بحماية جميع الأشخاص الذين يتعرضون لأي شكل من أشكال الاحتجاز أو السجن، والمنشورة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 173/43 المؤرخ في 9 دجنبر 1988
● المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأطفال في منظومة العدالة الجنائية، المصادق عليها بالقرار رقم 30/1997 للمجلس الاقتصادي والاجتماعي
● القرار رقم 19/19 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان بشأن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، المصادق عليه بتاريخ 23 مارس 2012
● القرار رقم A/C.3/67/L.34/REV1 المتعلق بحقوق الإنسان في سياق إدارة العدالة، المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 نونبر 2012
● معايير المسؤولية المهنية وإعلان الحقوق والواجبات الأساسية لقضاة النيابة العامة والمتابعين، المصادق عليها من طرف الجمعية الدولية لقضاة النيابة العامة والمتابعين بتاريخ 23 أبريل 1999، والمصادق عليها كذلك من قبل لجنة الوقاية من الجريمة والعدالة الجنائية للأمم المتحدة في قرارها رقم 17/2 بتاريخ 18 أبريل 2008
● الإعلان المؤقت حول دور الرقابة القضائية وضمان مسطرة منتظمة للوقاية من التعذيب، المعتمد من طرف اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، خلال دورتها السادسة عشرة المنعقدة من 20 إلى 24 فبراير 2012
● الملاحظات الختامية الموجهة إلى المغرب من قبل هيئات المعاهدات الدولية، خلال فحصها للتقارير الوطنية، لاسيما:
● اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (1 دجنبر 2004)
● لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (8 أبريل 2008)
● لجنة القضاء على التمييز العنصري (13 شتنبر 2010)
● لجنة مناهضة التعذيب (21 دجنبر 2011)
● لجنة حقوق الطفل (17 مارس 2006)
● اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين (8 أكتوبر 2013)
● التوصيات الوجيهة الموجهة إلى المغرب من قبل أصحاب الولايات المواضيعية في إطار الإجراءات الخاصة، عقب زياراتهم، ومنها:
● الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي (18 دجنبر 2013)
● المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، السيد خوان منديز (30 أبريل 2013)
● الفريق العامل المعني بالتمييز ضد المرأة في القانون والممارسة (19 يونيو 2012)
● التوصيات الموجهة إلى المغرب خلال الية الاستعراض الدوري الشامل
● التوصيات الجوهرية الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة التوصية رقم 1، المدرجة ضمن المحور الثالث المتعلق بتقوية الضمانات القانونية والقضائية، والتوصية رقم 2 المدرجة ضمن المحور الخامس المتعلق بتأهيل السياسة والتشريع الجنائيين.
● القرار رقم 19/19 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان بشأن حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سياق مكافحة الإرهاب، المصادق عليه بتاريخ 23 مارس 2012
● القرار رقم A/C.3/67/L.34/REV1 المتعلق بحقوق الإنسان في سياق إدارة العدالة، المعتمد من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 16 نونبر 2012
● معايير المسؤولية المهنية وإعلان الحقوق والواجبات الأساسية لقضاة النيابة العامة والمتابعين، المصادق عليها من طرف الجمعية الدولية لقضاة النيابة العامة والمتابعين بتاريخ 23 أبريل 1999، والمصادق عليها كذلك من قبل لجنة الوقاية من الجريمة والعدالة الجنائية للأمم المتحدة في قرارها رقم 17/2 بتاريخ 18 أبريل 2008
● الإعلان المؤقت حول دور الرقابة القضائية وضمان مسطرة منتظمة للوقاية من التعذيب، المعتمد من طرف اللجنة الفرعية لمنع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية، خلال دورتها السادسة عشرة المنعقدة من 20 إلى 24 فبراير 2012
● الملاحظات الختامية الموجهة إلى المغرب من قبل هيئات المعاهدات الدولية، خلال فحصها للتقارير الوطنية، لاسيما:
● اللجنة المعنية بحقوق الإنسان (1 دجنبر 2004)
● لجنة القضاء على التمييز ضد المرأة (8 أبريل 2008)
● لجنة القضاء على التمييز العنصري (13 شتنبر 2010)
● لجنة مناهضة التعذيب (21 دجنبر 2011)
● لجنة حقوق الطفل (17 مارس 2006)
● اللجنة المعنية بالعمال المهاجرين (8 أكتوبر 2013)
● التوصيات الوجيهة الموجهة إلى المغرب من قبل أصحاب الولايات المواضيعية في إطار الإجراءات الخاصة، عقب زياراتهم، ومنها:
● الفريق العامل المعني بمسألة الاحتجاز التعسفي (18 دجنبر 2013)
● المقرر الخاص المعني بمسألة التعذيب، السيد خوان منديز (30 أبريل 2013)
● الفريق العامل المعني بالتمييز ضد المرأة في القانون والممارسة (19 يونيو 2012)
● التوصيات الموجهة إلى المغرب خلال الية الاستعراض الدوري الشامل
● التوصيات الجوهرية الصادرة عن هيئة الإنصاف والمصالحة، خاصة التوصية رقم 1، المدرجة ضمن المحور الثالث المتعلق بتقوية الضمانات القانونية والقضائية، والتوصية رقم 2 المدرجة ضمن المحور الخامس المتعلق بتأهيل السياسة والتشريع الجنائيين.
- الأطروحة الثانية: الحراسة النظرية
إن قانون المسطرة الجنائية، فيما يخص نظام إجراءات الحراسة النظرية في صيغته الحالية يثير جملة من الإشكالات البنيوية التي تستدعي التوقف عندها بالنظر إلى ما تطرحه من تداعيات عملية تمس ضمانات الحرية الفردية وحقوق الدفاع، ومن أبرز هذه الإشكالات:
- في الحالة التي يتم فيها إلقاء القبض على شخص مبحوث عنه من طرف النيابة العامة، خارج نفوذها الترابي، يطرح التساؤل حول نقطة بداية احتساب مدة الحراسة النظرية، هل من لحظة القبض عليه؟ أم من تاريخ تسليمه للشرطة القضائية التي أصدرت أمر البحث؟ وما مدى احتساب المدة التي قضاها لدى الشرطة التي اعتقلته أو خلال نقله، ضمن المدة القانونية للحراسة؟ إن مشروع القانون لم يقدم توضيحاً حاسماً بشأن هذه الإشكالات، الأمر الذي يقتضي إعادة ضبط المقتضيات المنظمة لمدة الوضع تحت الحراسة النظرية، تماشيا مع توصيات ومخرجات الاستعراض الدوري الشامل.
- كما أن العديد من البيانات التي يتم تسجيلها في سجلات الحراسة النظرية لا تُضمن في محاضر البحث التمهيدي، مما يجعل من الصعب عرض الخروقات أمام القضاء، ويؤثر سلبا على الرقابة القضائية.
- بالإضافة إلى ذلك، لم يحدد القانون الجديد الوسيلة القانونية الواجب اعتمادها لإشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة، ولم يرتب أي جزاء قانوني على عدم احترام هذا الإجراء، وهو ما قد يفتح المجال للانتهاك دون تبعات.
- الغموض مازال قائماً بخصوص ما إذا كانت المدة التي يقضيها المشتبه فيه في المستشفى، تحت الحراسة والحراسة الطبية، تحتسب ضمن مدة الحراسة النظرية أم لا، مع العلم أن هذا الشخص يكون خلالها محروماً من حريته.
- لم يتضمن المشروع أيضاً نصاً صريحاً يقرر بطلان الإجراءات المنجزة أثناء فترة حراسة نظرية غير قانونية، رغم أن المشرع سبق أن قرر بطلان إجراءات التفتيش المخالفة للقواعد.
- إن مناقشة التقرير الدوري الرابع للمغرب يثير الانتباه إلى كون المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تنص على إمكانية الاتصال بالمحامي قبل انقضاء نصف مدة الحراسة الأصلية، تشكل تقليصا لمضمون الفقرة الثالثة من الفصل 23 من الدستور، مما كان معه يقتضي الأمر مراجعة الفقرة الثامنة من المادة المذكورة لتمكين أي شخص يوضع تحت الحراسة النظرية من الاستفادة الفورية من مساعدة محام، بمجرد وضعه رهن هذا التدبير، دون تأخير. كما كان يجب مراجعة الفقرتين الرابعة والخامسة من نفس المادة لتقليص الآجال في حالة الجرائم الإرهابية.
وفي نفس الاتجاه، أوصت لجنة مناهضة التعذيب المغرب بضرورة اتخاذ تدابير تمكن الشخص الموقوف من الاتصال بمحام على الفور ودون الحاجة إلى إذن مسبق، وبخصوص بعض التقييدات المرتبطة بالحراسة النظرية ضمن قانون مكافحة الإرهاب، فقد دعت اللجنة إلى مراجعة القانون رقم "03.03"، بغية التدقيق في تعريف الإرهاب، وتقليص الحد الأقصى لمدة الحراسة إلى الحد الأدنى الضروري، مع ضمان إمكانية الاتصال بمحام منذ لحظة التوقيف.
وقد اعتبر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن القانون رقم 03.03، المعتمد عقب تفجيرات الدار البيضاء، يشكل أساسا لعدد من الانتهاكات الحقوقية، ما يقتضي تعديله من أجل تحديد دقيق للأفعال الإجرامية وتقليص آجال الحراسة النظرية وتوفير محاكمة عادلة للمشتبه فيهم.
وبالرغم من التعديلات، لم يتضمن القانون الجديد مقتضى صريحاً يمَكِّن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية من الاتصال الفوري بمحام، بصرف النظر عن نوع الجريمة. وعليه فإن مقتضيات القانون الحالي كان يجب أن تتجه نحو تمكين المحامي من الحضور خلال الاستماع أو المواجهة، دون الحاجة إلى أي إذن مسبق، مع تمكينه من تدوين ملاحظاته وطرح أسئلته في نهاية جلسة الاستماع أو المواجهة التي يحضرها.
وفي هذا الإطار، لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الاعتراض على أسئلة المحامي إلا إذا كانت من شأنها التأثير سلباً على مجريات البحث، غير أن الحد من التوسع في استعمال هذا الاستثناء كان يستوجب التنصيص على إلزامية تضمين الاعتراض في المحضر.
كما كان يجب أن يعطى للمحامي الحق في تقديم ملاحظات كتابية بعد جلسة الاستماع أو المواجهة التي حضرها، سواء أثناء فترة الحراسة الأصلية أو خلال التمديد، وأن يتمكن من رفع هذه الملاحظات إلى النيابة العامة.
منا يستدعي مستقبلاً التفكير في تدقيق الأحكام الخاصة بإجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية، انطلاقا من كونها تدبيرا استثنائيا مقيداً للحرية، يستدعي ضمانات قانونية دقيقة، تشمل:
- تأطير الحق في الصمت.
- التوثيق الكامل لتصريحات المشتبه فيهم.
- تعزيز الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية.
وتأسيساً على ما سبق، فإن اعتماد هذه المبادئ والمقتضيات ينسجم مع توجهات لجنة مناهضة التعذيب الرامية إلى تقوية ضمانات الأشخاص المحرومين من حريتهم، خاصة أن المملكة المغربية صادقت على الاتفاقيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للمنظومة الحقوقية الدولية، مما يلزمها بتقديم تقارير دورية إلى اللجان التعاهدية التسع المكلفة برصد تنفيذ الاتفاقيات.
ويأتي في مقدمة هذه الالتزامات التقرير الوطني المقدم في إطار الفقرة الخامسة من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان 16/21، خلال الدورة السابعة والعشرين للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل المنعقدة ما بين 1 و13 ماي 2017، والذي أكد على أهمية تبني المعايير الدولية المتعلقة بإجراءات الحراسة النظرية، وشرعية الاعتقال الاحتياطي، والفحص الطبي، والرقابة القضائية، إلى جانب مراجعة النصوص المنظمة للجرائم الإرهابية، وخصوصا مراجعة مدة الحراسة النظرية وضمان الاتصال الفوري بالمحامي.
هذه المقتضيات المعيارية تجد سندها كذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بالتعذيب، السيد خوان إ. منديس، الذي أشار إلى أن القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب يمدد مدة الاحتجاز إلى 96 ساعة قابلة للتجديد مرتين، ما يسمح باحتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى 12 يوما بموافقة النيابة العامة، دون المثول أمام قاض. كما أن الاتصال بالمحامي لا يسمح به إلا بعد تجديد الحراسة بثمان وأربعين ساعة، وتحت مراقبة الشرطة.
وقد عبر المقرر الخاص عن قلقه من أن هذه القيود، ولا سيما المتعلقة بالاتصال المبكر بالمحامي، تضاعف من خطر ممارسة التعذيب، كما أعرب عن انشغاله من عدم التفعيل الكامل لحق المحاماة داخل أجل 24 ساعة في الدعاوى الجنائية العادية، وعن القيود الواردة في القانون رقم 03.03، التي تسمح بالحبس الاحتياطي عبر ثلاث فترات من 96 ساعة دون تمكين المشتبه فيه من محام إلا نصف ساعة، وتحت الحراسة.
ومن ثم، أوصى بما يلي:
• تعديل قانون مكافحة الإرهاب (03.03) لتقليص المدة الإجمالية للحبس الاحتياطي.
• مراجعة المادة 290 من قانون الإجراءات الجنائية لتشمل معيار الاستدلال المطبق على الجنح والمخالفات، والتعامل مع محاضر الشرطة كأحد وسائل الإثبات، لا دليلا قائماً بذاته.
• التنصيص صراحة على أنه في حال وجود ادعاء بالتعذيب أو سوء المعاملة، يتعين على النيابة العامة إثبات أن الاعتراف لم ينتزع بأساليب غير مشروعة، وفق معيار “دون أي شك معقول”.
إن قانون المسطرة الجنائية، فيما يخص نظام إجراءات الحراسة النظرية في صيغته الحالية يثير جملة من الإشكالات البنيوية التي تستدعي التوقف عندها بالنظر إلى ما تطرحه من تداعيات عملية تمس ضمانات الحرية الفردية وحقوق الدفاع، ومن أبرز هذه الإشكالات:
- في الحالة التي يتم فيها إلقاء القبض على شخص مبحوث عنه من طرف النيابة العامة، خارج نفوذها الترابي، يطرح التساؤل حول نقطة بداية احتساب مدة الحراسة النظرية، هل من لحظة القبض عليه؟ أم من تاريخ تسليمه للشرطة القضائية التي أصدرت أمر البحث؟ وما مدى احتساب المدة التي قضاها لدى الشرطة التي اعتقلته أو خلال نقله، ضمن المدة القانونية للحراسة؟ إن مشروع القانون لم يقدم توضيحاً حاسماً بشأن هذه الإشكالات، الأمر الذي يقتضي إعادة ضبط المقتضيات المنظمة لمدة الوضع تحت الحراسة النظرية، تماشيا مع توصيات ومخرجات الاستعراض الدوري الشامل.
- كما أن العديد من البيانات التي يتم تسجيلها في سجلات الحراسة النظرية لا تُضمن في محاضر البحث التمهيدي، مما يجعل من الصعب عرض الخروقات أمام القضاء، ويؤثر سلبا على الرقابة القضائية.
- بالإضافة إلى ذلك، لم يحدد القانون الجديد الوسيلة القانونية الواجب اعتمادها لإشعار عائلة الشخص الموضوع تحت الحراسة، ولم يرتب أي جزاء قانوني على عدم احترام هذا الإجراء، وهو ما قد يفتح المجال للانتهاك دون تبعات.
- الغموض مازال قائماً بخصوص ما إذا كانت المدة التي يقضيها المشتبه فيه في المستشفى، تحت الحراسة والحراسة الطبية، تحتسب ضمن مدة الحراسة النظرية أم لا، مع العلم أن هذا الشخص يكون خلالها محروماً من حريته.
- لم يتضمن المشروع أيضاً نصاً صريحاً يقرر بطلان الإجراءات المنجزة أثناء فترة حراسة نظرية غير قانونية، رغم أن المشرع سبق أن قرر بطلان إجراءات التفتيش المخالفة للقواعد.
- إن مناقشة التقرير الدوري الرابع للمغرب يثير الانتباه إلى كون المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، والتي تنص على إمكانية الاتصال بالمحامي قبل انقضاء نصف مدة الحراسة الأصلية، تشكل تقليصا لمضمون الفقرة الثالثة من الفصل 23 من الدستور، مما كان معه يقتضي الأمر مراجعة الفقرة الثامنة من المادة المذكورة لتمكين أي شخص يوضع تحت الحراسة النظرية من الاستفادة الفورية من مساعدة محام، بمجرد وضعه رهن هذا التدبير، دون تأخير. كما كان يجب مراجعة الفقرتين الرابعة والخامسة من نفس المادة لتقليص الآجال في حالة الجرائم الإرهابية.
وفي نفس الاتجاه، أوصت لجنة مناهضة التعذيب المغرب بضرورة اتخاذ تدابير تمكن الشخص الموقوف من الاتصال بمحام على الفور ودون الحاجة إلى إذن مسبق، وبخصوص بعض التقييدات المرتبطة بالحراسة النظرية ضمن قانون مكافحة الإرهاب، فقد دعت اللجنة إلى مراجعة القانون رقم "03.03"، بغية التدقيق في تعريف الإرهاب، وتقليص الحد الأقصى لمدة الحراسة إلى الحد الأدنى الضروري، مع ضمان إمكانية الاتصال بمحام منذ لحظة التوقيف.
وقد اعتبر الفريق العامل المعني بالاحتجاز التعسفي أن القانون رقم 03.03، المعتمد عقب تفجيرات الدار البيضاء، يشكل أساسا لعدد من الانتهاكات الحقوقية، ما يقتضي تعديله من أجل تحديد دقيق للأفعال الإجرامية وتقليص آجال الحراسة النظرية وتوفير محاكمة عادلة للمشتبه فيهم.
وبالرغم من التعديلات، لم يتضمن القانون الجديد مقتضى صريحاً يمَكِّن الشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية من الاتصال الفوري بمحام، بصرف النظر عن نوع الجريمة. وعليه فإن مقتضيات القانون الحالي كان يجب أن تتجه نحو تمكين المحامي من الحضور خلال الاستماع أو المواجهة، دون الحاجة إلى أي إذن مسبق، مع تمكينه من تدوين ملاحظاته وطرح أسئلته في نهاية جلسة الاستماع أو المواجهة التي يحضرها.
وفي هذا الإطار، لا يجوز لضابط الشرطة القضائية الاعتراض على أسئلة المحامي إلا إذا كانت من شأنها التأثير سلباً على مجريات البحث، غير أن الحد من التوسع في استعمال هذا الاستثناء كان يستوجب التنصيص على إلزامية تضمين الاعتراض في المحضر.
كما كان يجب أن يعطى للمحامي الحق في تقديم ملاحظات كتابية بعد جلسة الاستماع أو المواجهة التي حضرها، سواء أثناء فترة الحراسة الأصلية أو خلال التمديد، وأن يتمكن من رفع هذه الملاحظات إلى النيابة العامة.
منا يستدعي مستقبلاً التفكير في تدقيق الأحكام الخاصة بإجراءات الوضع تحت الحراسة النظرية، انطلاقا من كونها تدبيرا استثنائيا مقيداً للحرية، يستدعي ضمانات قانونية دقيقة، تشمل:
- تأطير الحق في الصمت.
- التوثيق الكامل لتصريحات المشتبه فيهم.
- تعزيز الرقابة القضائية على أعمال الشرطة القضائية.
وتأسيساً على ما سبق، فإن اعتماد هذه المبادئ والمقتضيات ينسجم مع توجهات لجنة مناهضة التعذيب الرامية إلى تقوية ضمانات الأشخاص المحرومين من حريتهم، خاصة أن المملكة المغربية صادقت على الاتفاقيات الأساسية التي تشكل العمود الفقري للمنظومة الحقوقية الدولية، مما يلزمها بتقديم تقارير دورية إلى اللجان التعاهدية التسع المكلفة برصد تنفيذ الاتفاقيات.
ويأتي في مقدمة هذه الالتزامات التقرير الوطني المقدم في إطار الفقرة الخامسة من مرفق قرار مجلس حقوق الإنسان 16/21، خلال الدورة السابعة والعشرين للفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل المنعقدة ما بين 1 و13 ماي 2017، والذي أكد على أهمية تبني المعايير الدولية المتعلقة بإجراءات الحراسة النظرية، وشرعية الاعتقال الاحتياطي، والفحص الطبي، والرقابة القضائية، إلى جانب مراجعة النصوص المنظمة للجرائم الإرهابية، وخصوصا مراجعة مدة الحراسة النظرية وضمان الاتصال الفوري بالمحامي.
هذه المقتضيات المعيارية تجد سندها كذلك في تقرير المقرر الخاص المعني بالتعذيب، السيد خوان إ. منديس، الذي أشار إلى أن القانون رقم 03-03 المتعلق بمكافحة الإرهاب يمدد مدة الاحتجاز إلى 96 ساعة قابلة للتجديد مرتين، ما يسمح باحتجاز الأشخاص لمدة تصل إلى 12 يوما بموافقة النيابة العامة، دون المثول أمام قاض. كما أن الاتصال بالمحامي لا يسمح به إلا بعد تجديد الحراسة بثمان وأربعين ساعة، وتحت مراقبة الشرطة.
وقد عبر المقرر الخاص عن قلقه من أن هذه القيود، ولا سيما المتعلقة بالاتصال المبكر بالمحامي، تضاعف من خطر ممارسة التعذيب، كما أعرب عن انشغاله من عدم التفعيل الكامل لحق المحاماة داخل أجل 24 ساعة في الدعاوى الجنائية العادية، وعن القيود الواردة في القانون رقم 03.03، التي تسمح بالحبس الاحتياطي عبر ثلاث فترات من 96 ساعة دون تمكين المشتبه فيه من محام إلا نصف ساعة، وتحت الحراسة.
ومن ثم، أوصى بما يلي:
• تعديل قانون مكافحة الإرهاب (03.03) لتقليص المدة الإجمالية للحبس الاحتياطي.
• مراجعة المادة 290 من قانون الإجراءات الجنائية لتشمل معيار الاستدلال المطبق على الجنح والمخالفات، والتعامل مع محاضر الشرطة كأحد وسائل الإثبات، لا دليلا قائماً بذاته.
• التنصيص صراحة على أنه في حال وجود ادعاء بالتعذيب أو سوء المعاملة، يتعين على النيابة العامة إثبات أن الاعتراف لم ينتزع بأساليب غير مشروعة، وفق معيار “دون أي شك معقول”.
- الأطروحة الثالثة: الاعتقال الاحتياطي
يعد الاعتقال الاحتياطي من أخطر الإجراءات السالبة للحرية التي قد تتخذ في مواجهة الأفراد خلال مرحلة ما قبل المحاكمة، لما يترتب عليه من مساس جسيم بحرية الشخصوكرامته وافتراض براءته، وبالنظر إلى هذه الأهمية، فإن النقاشات التشريعية والحقوقية تجمع على ضرورة ترشيد اللجوء إلى هذا التدبير الاستثنائي، وذلك عبر مجموعة من المداخل المعيارية والإجرائية، أبرزها ما يلي:
• ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، من خلال تقييد استخدامه في الحالات القصوى التي تتوافر فيها مبررات قانونية قوية، كوجود خطر على النظام العام أو قرائن جدية على ارتكاب الجريمة، مع منح الأولوية لتدابير المراقبة القضائية البديلة، الأمر الذي ينسجم مع المبادئ الدولية ذات الصلة، لاسيما قاعدة افتراض البراءة وضمانات المحاكمة العادلة.
• تقليص مدة الاعتقال الاحتياطي،حيث يعتبر تقليص الآجال القصوى للاعتقال الاحتياطي إحدى الركائز الأساسية لضمان عدم تحوله إلى عقوبة مقنعة تنفذ قبل صدور حكم بالإدانة، وتقتضي العدالة الجنائية أن يتم تحديد مدد الاعتقال بشكل صارم ومضبوط، مع منع أي تمديد غير مبرر لها، بما يحقق التوازن بين متطلبات التحقيق وحماية الحرية الفردية.
• تعليل قرارات تمديد الاعتقال الاحتياطي،فالقرار بتمديد الاعتقال الاحتياطي يجب أن يبنى على تعليل قانوني وواقعي مفصل، يبرز مدى استمرار توافر الشروط القانونية التي تبرر هذا التدبير. ويعد هذا التعليل شرطا جوهرياً لمشروعية القرار، وركيزة أساسية للرقابة القضائية عليه، تفعيلا لمقتضيات المحاكمة العادلة ومبادئ الشفافية القضائية.
• إقرار إمكانية الطعن في شرعية الإيداع في السجن، كون أنه يجب فتح المجال للطعن في قرار الإيداع رهن الاعتقال الاحتياطي، سواء من طرف المتهم أو دفاعه، أمام جهة قضائية مستقلة، تملك صلاحية فحص مدى احترام الضمانات القانونية عند اتخاذ هذا القرار، ومدى مشروعيته، مما يكرس حق الدفاع ويحمي الأفراد من أي شطط في استعمال السلطة.
• استبدال تمديد الاعتقال الاحتياطي بتدابير بديلة،حيث ينبغي أن يتيح النظام القانوني إمكانية اللجوء إلى تدابير بديلة عن التمديد في الاعتقال، كالخضوع للمراقبة القضائية، أو سحب جواز السفر، أو فرض الإقامة الجبرية، أو الأداء المالي، وغيرها من الإجراءات التي تحقق غايات التحقيق دون المساس المفرط بالحرية. فاستمرار التمديد دون وجود مبرر قانوني أو اعتماد على تدابير بديلة يشكل خرقا لحقوق الإنسان ولمبادئ العدالة الجنائية المتعارف عليها دوليا.
وبالتالي إن معالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي تفرض اعتماد مقاربة شمولية تراعي التوازن بين فعالية العدالة وحقوق الأفراد، انسجاما مع مقتضيات الدستور المغربي الذي يكرس قرينة البراءة كحق أصيل، ومع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يدعو إلى الحد من حالات الاعتقال السابق للمحاكمة وضمان حق الطعن في قانونية هذا الإجراء.
• ترشيد اللجوء إلى الاعتقال الاحتياطي، من خلال تقييد استخدامه في الحالات القصوى التي تتوافر فيها مبررات قانونية قوية، كوجود خطر على النظام العام أو قرائن جدية على ارتكاب الجريمة، مع منح الأولوية لتدابير المراقبة القضائية البديلة، الأمر الذي ينسجم مع المبادئ الدولية ذات الصلة، لاسيما قاعدة افتراض البراءة وضمانات المحاكمة العادلة.
• تقليص مدة الاعتقال الاحتياطي،حيث يعتبر تقليص الآجال القصوى للاعتقال الاحتياطي إحدى الركائز الأساسية لضمان عدم تحوله إلى عقوبة مقنعة تنفذ قبل صدور حكم بالإدانة، وتقتضي العدالة الجنائية أن يتم تحديد مدد الاعتقال بشكل صارم ومضبوط، مع منع أي تمديد غير مبرر لها، بما يحقق التوازن بين متطلبات التحقيق وحماية الحرية الفردية.
• تعليل قرارات تمديد الاعتقال الاحتياطي،فالقرار بتمديد الاعتقال الاحتياطي يجب أن يبنى على تعليل قانوني وواقعي مفصل، يبرز مدى استمرار توافر الشروط القانونية التي تبرر هذا التدبير. ويعد هذا التعليل شرطا جوهرياً لمشروعية القرار، وركيزة أساسية للرقابة القضائية عليه، تفعيلا لمقتضيات المحاكمة العادلة ومبادئ الشفافية القضائية.
• إقرار إمكانية الطعن في شرعية الإيداع في السجن، كون أنه يجب فتح المجال للطعن في قرار الإيداع رهن الاعتقال الاحتياطي، سواء من طرف المتهم أو دفاعه، أمام جهة قضائية مستقلة، تملك صلاحية فحص مدى احترام الضمانات القانونية عند اتخاذ هذا القرار، ومدى مشروعيته، مما يكرس حق الدفاع ويحمي الأفراد من أي شطط في استعمال السلطة.
• استبدال تمديد الاعتقال الاحتياطي بتدابير بديلة،حيث ينبغي أن يتيح النظام القانوني إمكانية اللجوء إلى تدابير بديلة عن التمديد في الاعتقال، كالخضوع للمراقبة القضائية، أو سحب جواز السفر، أو فرض الإقامة الجبرية، أو الأداء المالي، وغيرها من الإجراءات التي تحقق غايات التحقيق دون المساس المفرط بالحرية. فاستمرار التمديد دون وجود مبرر قانوني أو اعتماد على تدابير بديلة يشكل خرقا لحقوق الإنسان ولمبادئ العدالة الجنائية المتعارف عليها دوليا.
وبالتالي إن معالجة إشكالية الاعتقال الاحتياطي تفرض اعتماد مقاربة شمولية تراعي التوازن بين فعالية العدالة وحقوق الأفراد، انسجاما مع مقتضيات الدستور المغربي الذي يكرس قرينة البراءة كحق أصيل، ومع الالتزامات الدولية للمملكة المغربية في مجال حقوق الإنسان، ولا سيما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يدعو إلى الحد من حالات الاعتقال السابق للمحاكمة وضمان حق الطعن في قانونية هذا الإجراء.
- الأطروحة الرابعة: الحق في الاطلاع
تثير مقتضيات الفقرة الخامسة من المادة 139 من قانون المسطرة الجنائية إشكالات جوهرية تتعلق بضمانات المحاكمة العادلة،وذلك بالنظر لما جاء فيها من أنه:
“يجوز لقاضي التحقيق، تلقائيا أو بناء على ملتمسات النيابة العامة، إذا اقتضت مصلحة التحقيق ذلك، وتعلق الأمر بالجرائم المنصوص عليها في المادة 108 من هذا القانون، أن يأمر بعدم تسليم نسخة من المحضر أو باقي وثائق الملف، كلياً أو جزئياً، لمدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً ابتداءً من تاريخ الاستنطاق الابتدائي.”
إن مضمون هذا المقتضى يثير قلقا عميقا من زاوية التزام التشريع الوطني بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان، وتوصيات الآليات الأممية، و مُخرجات الاستعراض الدوري الشامل، وكذا مقتضيات الدستور المغربي لسنة 2011، الذي يؤَسس لبنية مؤسساتية وقانونية ضامنة للحقوق والحريات.
وفي هذا السياق، تصدى القضاء الدستوري لهذا الموضوع في قراءته لمبدأ الحق في الاطلاع، حيث اعتبر أن:
• حق الدفاع، المكرس بموجب الفصل 120 من الدستور، كونه يعد من الحقوق الأساسية التي تشكل وعاء لممارسة سائر الحقوق المرتبطة بالمحاكمة العادلة، وهو حق يولد منذ توجيه التهمة إلى غاية صدور الحكم النهائي.
• ويتفرع عن هذا الحق الأساسي، حق الاطلاع على جميع الوثائق المدرجة بملف الاتهام والمتوفرة لدى النيابة العامة، بما يضمن مبدأ تكافؤ الفرص بين سلطتي الاتهام والدفاع.
• كما أن مبدأ المساواة بين المتقاضين أمام قواعد الإجراءات القضائية، يقتضي أن يتمتع محامو المتهمين ومحامو الطرف المدني بنفس الحقوق، وبذات الشروط والآجال، قصد إعداد وسائل دفاعهم.
ورغم إقرار الدستور بحق المشرع في سن قواعد إجرائية خاصة تمكن من حماية الأمن والسكينة العامة، وصيانة المال العام، كما ورد في الديباجة والفصلين 21 و36 من الدستور، فإن ممارسة هذا الاستثناء يجب أن تظل محاطة بأعلى درجات الضمانات، خاصة ما يرتبط منها بتمكين الدفاع من نسخة كاملة من ملف القضية، داخل أجل مناسب، لضمان إعداد الدفاع بكيفية ملائمة.
وعليه، فإن قرار قاضي التحقيق بعدم تسليم نسخ من محضر الشرطة القضائية أو باقي وثائق الملف، وإن كان جائزا في حالات محددة ومقيدة (كقضايا الإرهاب، غسل الأموال، الرشوة، الاختلاس…)، فإنه يجب ألا يمارس إلا في أضيق الحدود، ووفق ضوابط دقيقة، تضمن في الوقت ذاته مستوى معقولا من الاطلاع المسبق للدفاع على الملف قبل أي استنطاق أو مواجهة، وبما يكفل التوازن المطلوب بين مستلزمات التحقيق وحقوق الدفاع.
كما أن القضاء الدستوري اعتبر أن تمديد مفعول أمر عدم تسليم الوثائق إلى عشرة أيام فقط قبل بدء الاستنطاق التفصيلي، يخل بمبدأ التوازن بين حسن سير العدالة وضمانات الدفاع، ما يجعل القانون رقم 129.01، من هذه الزاوية، مخالفا لمقتضيات الدستور.
وبالتالي، كان يستوجب تعديل النص القانوني لتمكين الدفاع من الحصول على نسخ من المحاضر ووثائق الملف، ورقيا أو على دعامة إلكترونية، فور صدور ملتمس إجراء تحقيق أو عند إحالة الملف إلى قاضي التحقيق، مع اعتبار حق الاطلاع حقاً أصيلا ومطلقا غير قابل للتقييد أو الاستثناء، لما يشكله من ضمانة جوهرية ضمن منظومة حقوق الدفاع.
إن هذا التوجه الذي تطرحه المنظمة المغربية لحقوق الإنسان ينسجم كُلياً مع المقتضيات الدستورية ومع التزامات المملكة المغربية الدولية، كما ينسجم مع ما نصت عليه تقارير هيئات الأمم المتحدة ومخرجات الاستعراض الدوري الشامل، والتي تؤكد على ضرورة اعتماد معايير المحاكمة العادلة، وضمان فعالية المساعدة القانونية، والتقليص من مظاهر الاستثناء في مواجهة الحقوق الأساسية للمشتبه فيهم
- الأطروحة الخامسة: مسطرة التسليم
تعد مسطرة التسليم من المقتضيات الإجرائية ذات الطابع الحساس، لارتباطها المباشر بمجموعة من الحقوق الأساسية، وعلى رأسها الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، وهي حقوق مكرسة بموجب الاتفاقيات الدولية، لاسيما اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة.
ومن هذا المنطلق، يتعين على التشريع الوطني، كما على الممارسة القضائية، أن تخضع البت في طلبات التسليم لرقابة صارمة تراعي المعايير الدولية لحقوق الإنسان، وخاصة ما نصت عليه المادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب، والتي تلزم الدول الأطراف بعدم تسليم أي شخص إلى دولة أخرى إذا توافرت أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب عند عودته.
كما أن قرارات لجنة مناهضة التعذيب التابعة للأمم المتحدة، والصادرة بموجب المادة 22 من الاتفاقية، تشكل مرجعاأساسيا في هذا المجال، لما تتضمنه من تفسيرات ومواقف اجتهادية تعزز من حتمية احترام هذه الضمانات.
وفي هذا السياق، جاء في أحد قرارات اللجنة، الصادر بشأن البلاغ رقم 1111/2021، ما يلي:
“تلاحظ اللجنة أن الدولة الطرف لم تقدم ما يثبت أن الطعن بإعادة النظر أمام محكمة النقض له أثر إيقافي، وأن القانون المغربي لا ينص صراحة على هذا الأثر، كما أن سوابق قضائية سابقة تفيد توقيع رئيس الحكومة على قرار التسليم قبل صدور قرار محكمة النقض بشأن الطعن بإعادة النظر، مما يؤكد أن هذا الطعن لا يعتبر ذا طابع إيقافي. واعتبارا لذلك، ترى اللجنة أن الدولة الطرف لم تثبت الطابع الفعلي ولانتصافي لهذا الطعن، وهو ما يثير شكوكا جدية حول مدى احترام الدولة لالتزاماتها بموجب المادة الثالثة من الاتفاقية.”
إن هذه الملاحظات الصادرة عن لجنة مناهضة التعذيب تبرز الحاجة الملحة إلى أنت كان من الضروري أن يكون هناك اصلاح شامل لمسطرة التسليم في التشريع المغربي، بشكل يضمن توفر الآليات القانونية والإجرائية التي تسمح بتقييم فعلي، جاد، ومحايد لمخاطر التعذيب أو سوء المعاملة المحتملة عند تسليم الشخص المعني.
ويقتضي ذلك:
• التنصيص الصريح على الطابع الإيقافي للطعن بإعادة النظر في قضايا التسليم.
• التأكيد على عدم إمكانية اتخاذ القرار النهائي بالتسليم إلا بعد استنفاد جميع سبل الطعن القضائي.
• إلزام الجهات التنفيذية، وعلى رأسها رئيس الحكومة، بانتظار صدور القرار النهائي لمحكمة النقض قبل إصدار أي قرار بالتسليم، احتراما لمبدأ المشروعية وضمانة التقاضي.
كما أن غياب أي ممارسة قضائية أو سوابق تكرس الأثر الإيقافي للطعن بإعادة النظر يجعل من ممارسة الطعن إجراء شكليا لا يحقق فعالية الحماية المطلوبة، مما يخل جوهريا بالتزامات الدولة المغربية الدولية، ويمس بمبدأ عدم الإعادة القسرية (non-refoulement) المكرس بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان.
إن تعزيز ضمانات مسطرة التسليم يندرج ضمن التزامات المغرب الدستورية والدولية، ويعد جزءا من مسار تعزيز دولة القانون، وحماية كرامة الأفراد، والتقيد بمبادئ المحاكمة العادلة، مما يفرض مراجعة شاملة للإطار القانوني والتنظيمي للمسطرة، انسجامامع مقتضيات الدستور، خاصة الفصلين 23 و117، ومع المبادئ التي تقوم عليها الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف المملكة.
ثانيا: نحو عدالة جنائية فعالة وشاملة، دراسة في مضامين قانون المسطرة الجنائية بين رهان المساءلة وحماية الضحايا ومقاربة النوع والرقمنة
يعد قانون المسطرة الجنائية الذي دخل خيز التنفيذ يوم 8 دجنبر 2025 محطة تشريعية مفصلية في مسار إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، لما يتضمنه من مقتضيات تروم تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وتكريس نجاعة الأداء القضائي، وتوسيع دائرة الحقوق والحريات. ويندرج هذا المشروع ضمن رؤية أوسع تروم إرساء عدالة جنائية فعالة وشاملة، تستجيب لتحديات العصر، وتوازن بين متطلبات الزجر واحترام الضمانات القانونية.
وفي هذا السياق، تتوزع مضامين النص بين تكريس آليات مساءلة الفاعلين في قضايا المال العام، ومراجعة وضعية الجمعيات كطرف مدني، وترسيخ العدالة التصالحية كبديل فعال، إلى جانب معالجة إشكالات الرقمنة، والحماية الفعلية للضحايا، وضعف مقاربة النوع. كما يتناول المشروع مستجدات التكييف القانوني، ويعيد تنظيم دور محاضر الضابطة القضائية ضمن منظومة تحترم الحقوق الأساسية وتضمن الفعالية الإجرائية، كل ذلك ضمن تصور جديد للسياسة الجنائية يقوم على التوازن، والفعالية، والانفتاح على المعايير الكونية لحقوق الإنسان.
وفي هذا السياق، تتوزع مضامين النص بين تكريس آليات مساءلة الفاعلين في قضايا المال العام، ومراجعة وضعية الجمعيات كطرف مدني، وترسيخ العدالة التصالحية كبديل فعال، إلى جانب معالجة إشكالات الرقمنة، والحماية الفعلية للضحايا، وضعف مقاربة النوع. كما يتناول المشروع مستجدات التكييف القانوني، ويعيد تنظيم دور محاضر الضابطة القضائية ضمن منظومة تحترم الحقوق الأساسية وتضمن الفعالية الإجرائية، كل ذلك ضمن تصور جديد للسياسة الجنائية يقوم على التوازن، والفعالية، والانفتاح على المعايير الكونية لحقوق الإنسان.
- تحصين المال العام عبر تكريس المساءلة والنجاعة القضائية
أثارت التعديلات المقترحة للمادة 3 من قانون المسطرة الجنائية نقاشا واسعا بشأن المقاربة المعتمدة في التعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام، وما يمكن أن يترتب عنها من أثر على السياسة العمومية في مجال مكافحة الفساد. وقد نص التعديل على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في الجرائم ذات الصلة إلا بطلب صادر عن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وذلك بناء على إحالة صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، أو بطلب مرفق بتقرير صادر عن المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة التابعة للوزارات، أو الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة صادرة عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو عن أية هيئة أخرى يخولها القانون هذا الاختصاص صراحة، غير أن هذه القاعدة تستثنى منها حالة التلبس، حيث يمكن للنيابة العامة المختصة أن تباشر الأبحاث وتحرك الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المذكورة إذا تعلق الأمر بحالة تلبس.
وقد أفرز هذا التعديل الجديد للمادة 3 عدة إشكالات قانونية تتعلق بمدى انسجامه مع أحكام الدستور، وملاءمته للالتزامات الدولية التي التزم بها المغرب، ومدى تحقيقه للتكامل بين السياسة الجنائية والسياسات العمومية المرتبطة بالحكامة ومكافحة الفساد، فضلا عن انسجامه مع مقتضيات أخرى واردة في قانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية موازية. فالفصل 118 من الدستور يكفل الحق في الولوج إلى العدالة لجميع الأشخاص دون تمييز، وهو ما يعارضه التقييد الجديد الذي يمنع تحريك الدعوى العمومية إلا بطلب من جهات بعينها، كما يتعارض هذا التوجه مع الفصل 12 من الدستور الذي يمنح المجتمع المدني دورا محورياً في إعداد وتتبع السياسات العمومية، وكذلك مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تحث على إشراك الأفراد والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في التبليغ عن الفساد.
من جهة أخرى، فإن التقييد الجديد قد يفرغ القضاء من صلاحيات أساسية، خصوصا فيما يتعلق بمراقبة المال العام وزجر الجرائم التي تستهدفه، في خرق صريح لمبدأ استقلال القضاء المكرس في الفصل 107 من الدستور، ولدور القضاة في حماية حقوق الأفراد والجماعات كما يقره الفصل 117. كما أنه يتناقض مع المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية اللتين تمنحان للنيابة العامة صلاحية تلقي المحاضر والشكايات والوشايات واتخاذ ما تراه مناسبًا بشأنها، بما في ذلك التحريك التلقائي للدعوى العمومية، بصرف النظر عن مصدر المعلومات أو طبيعة الجريمة.
علاوة على ذلك، فإن هذا التعديل قد يقوض فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تنص على تقوية آليات المتابعة والزجر، وتوسيع قنوات الإبلاغ والنشر، كأحد المحاور الأساسية في تعزيز الشفافية. ومن جانب آخر، فإن حصر تحريك الدعوى العمومية في الجهات الإدارية قد يتناقض مع مقتضيات القانون الجنائي، خصوصا ما يتعلق بإلزامية التبليغ عن الجرائم كما ينص عليه الفصلان 209 و299، في حين يتيح القانون الجنائي آليات صارمة لمتابعة من يثبت تورطه في تقديم وشايات كاذبة أو ممارسة القذف أو الابتزاز، مما يوفر ضمانة كافية ضد سوء استعمال الحق في التبليغ.
أما الاستثناء المرتبط بحالة التلبس، فيجمع العديد من الفاعلين، الذين تم الاستماع إليهم من قبل المجلس، على صعوبة تطبيقه في سياق الجرائم المالية، وذلك نظرا لتعقيد هذه الأخيرة، وكونها لا ترتكب بطريقة آنية أو ظاهرة، بل غالبا ما تتم عبر مراحل دقيقة ومعقدة، وهو ما يجعل تفعيل مفهوم التلبس كما تنظمه المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية أمرًا نظريًا وغير عملي.
مع كل هذه الملاحظات الجوهرية حول هذه المادة التي أثارت نقاشاً حقوقياً و مدنياً واسعاً، فإنه يمكن القول بشكل عام بأنه لا تزال هناك إمكانية التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام متاحة، سواء من قبل الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، بما فيهم الأفراد والجمعيات، من خلال تقديم شكاياتهم إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي يخول لها القانون استقبال الشكايات والمعلومات المرتبطة بالفساد الإداري والمالي، على النحو الذي ينص عليه الفصل 36 من الدستور، وتملك الهيئة بعد التحقق من مضمون الشكايات، إحالتها إلى رئاسة النيابة العامة، بما يضمن انخراط المجتمع في مكافحة الفساد وفق مقاربة تشاركية متلائمة مع الالتزامات الدولية للمملكة، ويعزز دور هيئات الحكامة المستقلة في رصد التجاوزات، شريطة تمتيعها بالاستقلالية الكاملة والفعالية اللازمة.
أثارت التعديلات المقترحة للمادة 3 من قانون المسطرة الجنائية نقاشا واسعا بشأن المقاربة المعتمدة في التعامل مع الجرائم الماسة بالمال العام، وما يمكن أن يترتب عنها من أثر على السياسة العمومية في مجال مكافحة الفساد. وقد نص التعديل على أنه لا يمكن إجراء الأبحاث وتحريك الدعوى العمومية في الجرائم ذات الصلة إلا بطلب صادر عن الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وذلك بناء على إحالة صادرة عن المجلس الأعلى للحسابات، أو بطلب مرفق بتقرير صادر عن المفتشية العامة للمالية، أو المفتشية العامة للإدارة الترابية، أو المفتشيات العامة التابعة للوزارات، أو الإدارات المعنية، أو بناء على إحالة صادرة عن الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، أو عن أية هيئة أخرى يخولها القانون هذا الاختصاص صراحة، غير أن هذه القاعدة تستثنى منها حالة التلبس، حيث يمكن للنيابة العامة المختصة أن تباشر الأبحاث وتحرك الدعوى العمومية تلقائيا في الجرائم المذكورة إذا تعلق الأمر بحالة تلبس.
وقد أفرز هذا التعديل الجديد للمادة 3 عدة إشكالات قانونية تتعلق بمدى انسجامه مع أحكام الدستور، وملاءمته للالتزامات الدولية التي التزم بها المغرب، ومدى تحقيقه للتكامل بين السياسة الجنائية والسياسات العمومية المرتبطة بالحكامة ومكافحة الفساد، فضلا عن انسجامه مع مقتضيات أخرى واردة في قانون المسطرة الجنائية أو نصوص قانونية موازية. فالفصل 118 من الدستور يكفل الحق في الولوج إلى العدالة لجميع الأشخاص دون تمييز، وهو ما يعارضه التقييد الجديد الذي يمنع تحريك الدعوى العمومية إلا بطلب من جهات بعينها، كما يتعارض هذا التوجه مع الفصل 12 من الدستور الذي يمنح المجتمع المدني دورا محورياً في إعداد وتتبع السياسات العمومية، وكذلك مع اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي تحث على إشراك الأفراد والمجتمع المدني ووسائل الإعلام في التبليغ عن الفساد.
من جهة أخرى، فإن التقييد الجديد قد يفرغ القضاء من صلاحيات أساسية، خصوصا فيما يتعلق بمراقبة المال العام وزجر الجرائم التي تستهدفه، في خرق صريح لمبدأ استقلال القضاء المكرس في الفصل 107 من الدستور، ولدور القضاة في حماية حقوق الأفراد والجماعات كما يقره الفصل 117. كما أنه يتناقض مع المادتين 40 و49 من قانون المسطرة الجنائية اللتين تمنحان للنيابة العامة صلاحية تلقي المحاضر والشكايات والوشايات واتخاذ ما تراه مناسبًا بشأنها، بما في ذلك التحريك التلقائي للدعوى العمومية، بصرف النظر عن مصدر المعلومات أو طبيعة الجريمة.
علاوة على ذلك، فإن هذا التعديل قد يقوض فعالية الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، التي تنص على تقوية آليات المتابعة والزجر، وتوسيع قنوات الإبلاغ والنشر، كأحد المحاور الأساسية في تعزيز الشفافية. ومن جانب آخر، فإن حصر تحريك الدعوى العمومية في الجهات الإدارية قد يتناقض مع مقتضيات القانون الجنائي، خصوصا ما يتعلق بإلزامية التبليغ عن الجرائم كما ينص عليه الفصلان 209 و299، في حين يتيح القانون الجنائي آليات صارمة لمتابعة من يثبت تورطه في تقديم وشايات كاذبة أو ممارسة القذف أو الابتزاز، مما يوفر ضمانة كافية ضد سوء استعمال الحق في التبليغ.
أما الاستثناء المرتبط بحالة التلبس، فيجمع العديد من الفاعلين، الذين تم الاستماع إليهم من قبل المجلس، على صعوبة تطبيقه في سياق الجرائم المالية، وذلك نظرا لتعقيد هذه الأخيرة، وكونها لا ترتكب بطريقة آنية أو ظاهرة، بل غالبا ما تتم عبر مراحل دقيقة ومعقدة، وهو ما يجعل تفعيل مفهوم التلبس كما تنظمه المادة 56 من قانون المسطرة الجنائية أمرًا نظريًا وغير عملي.
مع كل هذه الملاحظات الجوهرية حول هذه المادة التي أثارت نقاشاً حقوقياً و مدنياً واسعاً، فإنه يمكن القول بشكل عام بأنه لا تزال هناك إمكانية التبليغ عن الجرائم الماسة بالمال العام متاحة، سواء من قبل الأشخاص الذاتيين أو المعنويين، بما فيهم الأفراد والجمعيات، من خلال تقديم شكاياتهم إلى الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، التي يخول لها القانون استقبال الشكايات والمعلومات المرتبطة بالفساد الإداري والمالي، على النحو الذي ينص عليه الفصل 36 من الدستور، وتملك الهيئة بعد التحقق من مضمون الشكايات، إحالتها إلى رئاسة النيابة العامة، بما يضمن انخراط المجتمع في مكافحة الفساد وفق مقاربة تشاركية متلائمة مع الالتزامات الدولية للمملكة، ويعزز دور هيئات الحكامة المستقلة في رصد التجاوزات، شريطة تمتيعها بالاستقلالية الكاملة والفعالية اللازمة.
- الحد من إمكانية انتصاب الجمعيات كطرف مدني في القضايا الجنائية
ينص التعديل المقترح للمادة 7 من قانون المسطرة الجنائية على تقييد حق الجمعيات في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية، وذلك باشتراط توفرها على صفة المنفعة العامة، وأن تكون قد تأسست بطريقة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي موضوع المتابعة، بالإضافة إلى ضرورة حصولها على إذن خاص بالتقاضي يصدر عن الجهة الحكومية المكلفة بقطاع العدل، وفقا للضوابط التي سيحددها نص تنظيمي.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه مكونات المجتمع المدني إلى تعزيز المكتسبات القائمة وتوسيع دائرة الجمعيات المخول لها قانونا ممارسة هذا الحق لتشمل باقي التنظيمات المدنية غير الحاصلة على صفة المنفعة العامة، يأتي هذا التقييد الإضافي المتمثل في اشتراط “الإذن بالتقاضي” ليشكل عائقا جديدا أمام تفعيل الأدوار الدستورية التي خولها دستور 2011 للمجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة المواطنة والمساهمة الفاعلة في تدبير الشأن العام، ومحاربة الفساد، والدفاع عن الحقوق والحريات.
ينص التعديل المقترح للمادة 7 من قانون المسطرة الجنائية على تقييد حق الجمعيات في الانتصاب كطرف مدني في القضايا الزجرية، وذلك باشتراط توفرها على صفة المنفعة العامة، وأن تكون قد تأسست بطريقة قانونية منذ أربع سنوات على الأقل قبل ارتكاب الفعل الجرمي موضوع المتابعة، بالإضافة إلى ضرورة حصولها على إذن خاص بالتقاضي يصدر عن الجهة الحكومية المكلفة بقطاع العدل، وفقا للضوابط التي سيحددها نص تنظيمي.
وفي الوقت الذي تتطلع فيه مكونات المجتمع المدني إلى تعزيز المكتسبات القائمة وتوسيع دائرة الجمعيات المخول لها قانونا ممارسة هذا الحق لتشمل باقي التنظيمات المدنية غير الحاصلة على صفة المنفعة العامة، يأتي هذا التقييد الإضافي المتمثل في اشتراط “الإذن بالتقاضي” ليشكل عائقا جديدا أمام تفعيل الأدوار الدستورية التي خولها دستور 2011 للمجتمع المدني، خاصة فيما يتعلق بالمشاركة المواطنة والمساهمة الفاعلة في تدبير الشأن العام، ومحاربة الفساد، والدفاع عن الحقوق والحريات.
- إدماج العدالة التصالحية كخيار بديل ومستدام في معالجة النزاعات الجنائية
يعد تعزيز العدالة التصالحية ضمن منظومة العدالة الجنائية خطوة محورية نحو تكريس مبدأ التسوية الودية المقرونة بجبر الضرر، كبديل عن المسار القضائي التقليدي، مما يسهم في ترسيخ السلم الاجتماعي والتقليل من الضغط المتزايد على المحاكم بسبب كثرة القضايا. وقد نص قانون المسطرة الجنائية الحالي، في مادته 41، على إمكانية إجراء صلح تحت إشراف وكيل الملك، وذلك في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المقررة لها سنتين حبسا أو غرامة لا تتعدى 5000 درهم.
وقد تضمن القانون رقم 03.23 مستجدات إيجابية تهدف إلى توسيع نطاق تطبيق العدالة التصالحية، من خلال رفع سقف الغرامة إلى 100.000 درهم، ليشمل بذلك الجنح التي تتجاوز عقوبتها الحبسية سنتين، وهو ما من شأنه أن يعزز من اللجوء إلى الصلح كخيار قانوني عملي وفعال. ووفق هذا المشروع، أصبح بإمكان وكيل الملك، في الحالات المنصوص عليها، أن يقترح على الطرفين الصلح بواسطة الوساطة عوض تحريك الدعوى العمومية، ويمكنه إسناد مهمة الوساطة إلى وسيط أو إلى محام.
ومن أهم التعديلات التي جاء بها القانون أيضا، إلغاء المسطرة المعقدة المنصوص عليها في المادة 41 من القانون الحالي، والتي كانت تفرض إحالة محضر الصلح على رئيس المحكمة قصد التصديق عليه داخل غرفة المشورة، حيث منح المشروع لوكيل الملك الصلاحية الكاملة لإبرام الصلح دون الحاجة إلى هذه المسطرة الإضافية، مما يعكس إرادة المشرع في تبسيط الإجراءات وتسريع وتيرتها.
كما عمل القانون في صيغته المحينة على توسيع نطاق العدالة التصالحية، من خلال إدراج آليات جديدة تشمل الصلح الزجري، وإمكانية إيقاف سير الدعوى العمومية، واعتماد الأمر القضائي في بعض الجنح، إلى جانب إقرار السند التنفيذي في قضايا المخالفات، والسند التنفيذي الإداري، الأمر الذي يؤشر على توجه واضح نحو ترسيخ بدائل حديثة وعملية للعقوبات السالبة للحرية، وتحقيق فعالية أكبر في معالجة المنازعات الزجرية ذات الطابع البسيط.
- محدودية الانسجام بين الآليات التقليدية ونظيرتها الرقمية في تدبير الإجراءات القضائية
رغم ما ورد في المبادرة التشريعية من توجه نحو رقمنة الإجراءات القضائية، يلاحظ أن القانون رقم 03.23، المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية، ما زال يتضمن مقتضيات تنظيمية تعتمد على وسائل مادية وتقليدية في التدبير، وهو ما يتعارض مع ما نصت عليه ديباجته من سعي إلى “اعتماد الرقمنة في مختلف الإجراءات القضائية” وكذا مع مرتكزات المحاكمة العادلة وضمان الحقوق والحريات الأساسية للأفراد.
وتتجلى مظاهر هذا التناقض في استمرار القانون في الإبقاء على صيغ يدوية، من قبيل مسك السجلات الورقية في تدبير الحراسة النظرية. إذ تنص المادة 5-66 من القانون المذكور على أنه “يجب مسك سجل ترقم صفحاته وتذيل بتوقيع وكيل الملك في كل الأماكن التي يمكن أن يوضع فيها الأشخاص تحت الحراسة النظرية”، كما توجب الفقرة ذاتها “عرض هذا السجل على وكيل الملك للاطلاع عليه ومراقبته والتأشير عليه مرة في كل شهر على الأقل”. وتضيف المادة ذاتها في فقرة لاحقة: “تنقل محتويات السجل فوراً إلى سجل إلكتروني وطني وجهوي للحراسة النظرية”. وهو ما يطرح إشكالية قانونية وعملية تتعلق بوجود هذا السجل الإلكتروني من عدمه، ومدى تفعيله فعلياً على أرض الواقع. ففي حالة عدم وجود هذا السجل الرقمي، يغدو التنصيص على وجوب نقل المحتويات إليه عديم الجدوى، أما إذا كان موجوداً ومفعلاً، فإن الإبقاء على السجل اليدوي يفقد مبرراته، ويكرّس ازدواجية غير مبررة في التوثيق والتدبير.
وفي السياق ذاته، تفرض المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية على وكيل الملك القيام بزيارات دورية للأماكن المخصصة للوضع تحت الحراسة النظرية، على الأقل مرتين في الشهر، مع ضرورة مراقبة سجلات الحراسة النظرية خلال تلك الزيارات. كما تنص المادة 616 من القانون نفسه على التزام قاضي تطبيق العقوبات أو وكيل الملك أو أحد نوابه، بزيارة المؤسسات السجنية مرة واحدة على الأقل في كل شهر، لمراقبة سجلات الاعتقال.
إن استمرار اعتماد الوسائل التقليدية واليدوية في تدبير جوانب أساسية من الإجراءات القضائية، كمسك سجلات الحراسة النظرية، يحد من فعالية العدالة الجنائية، ويؤثر سلباً على الشفافية وجودة التوثيق وسلامة البيانات. بينما من شأن اعتماد الرقمنة بشكل كامل في هذا المجال أن يسهم في تعزيز فعالية المنظومة القضائية، وتكريس مبادئ الحكامة الجيدة، والرفع من مستويات الشفافية والمساءلة، إلى جانب تقليص هامش الخطأ وتجاوز نقائص الوسائل الورقية. كما أن الرقمنة تساهم في ترشيد الموارد المالية والبشرية، والحد من التكاليف المرتبطة بالتنقل المتكرر، إلى جانب تقليص الأثر البيئي الناجم عن استعمال الورق والوسائل التقليدية.
- محدودية تفعيل المقتضيات القانونية الخاصة بحماية الضحايا على مستوى الممارسة
ينص القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية على أن من بين مرتكزاته الأساسية إيلاء العناية اللازمة بالضحايا وحمايتهم. وفي هذا الإطار، تم التنصيص على الإحداث الرسمي لخلايا التكفل بالنساء والأطفال داخل المحاكم، والتي يُعهد إليها تدبير إجراءات الحماية في القضايا المتعلقة بالعنف وسوء المعاملة والاعتداءات الجنسية والاتجار بالبشر التي تستهدف النساء والأطفال. كما تم التأكيد على تعزيز دور مكتب المساعدة الاجتماعية بالمحكمة، لتمكينه من الاضطلاع بمهام الاستماع إلى هؤلاء الضحايا، وتقديم الدعم النفسي لهم، ومواكبتهم سواء داخل المحكمة أو خارجها، بالإضافة إلى إجراء الأبحاث الاجتماعية في القضايا التي يُكلف بها.
غير أن الملاحظ أن هاتين الآليتين – خلايا التكفل ومكاتب المساعدة الاجتماعية – تنحصران في الاهتمام بفئتين محددتين من الضحايا، هما النساء والأطفال، دون غيرهم من الضحايا الذين قد يكونون بدورهم عرضة لأفعال جرمية وتداعيات نفسية واجتماعية تقتضي المواكبة والدعم. كما يُثار تساؤل جدي حول مدى قدرة هذه الآليات على مواكبة حجم التحديات الميدانية بالنظر إلى محدودية الإمكانيات البشرية والمادية المتوفرة بالمحاكم. وتُطرح هذه الإشكالية بشكل أكبر حين يُؤخذ بعين الاعتبار حجم المهام الموكولة إلى مكتب المساعدة الاجتماعية بموجب عدد من مقتضيات قانون المسطرة الجنائية، كما هو الحال في المواد 41، 87، 372، 461، 474، 479، 485، 496، 498، 501، 510، 516، 596، و620، إضافة إلى مقتضيات المادة 50 من القانون رقم 38.15 المتعلق بالتنظيم القضائي، التي تُثقل بدورها كاهل هذا المكتب بعدد من الاختصاصات.
وإذا كان من المفترض أن يُشكل مكتب المساعدة الاجتماعية إحدى دعامات المواكبة الاجتماعية والإنسانية للضحايا داخل منظومة العدالة الجنائية، فإن ضعف التنزيل العملي لأدواره ومحدودية موارده تفرغ هذه المهام من مضمونها الفعلي، وتُحولها إلى مجرد مقتضيات نظرية غير مفعّلة بالقدر الكافي. ومن هذا المنطلق، كان من الأجدر أن يتضمن المشروع مقتضيات واضحة تتيح إمكانية الانفتاح على جمعيات المجتمع المدني المتخصصة، باعتبارها فاعلاً مساهماً في هذا المجال، له من الخبرة والتجربة ما يمكن أن يعزز المقاربة التشاركية في حماية الضحايا ومواكبتهم.
ومن جهة أخرى، وباستثناء ما يمكن أن يُمنح للضحايا في إطار الدعوى المدنية من تعويض عن الضرر، فإن القانون رقم 03.23 لا يقدم أي آلية عملية أو إجراء فعال يُمكّن الضحايا من الاستفادة من مساعدات تغطي نفقات العلاج أو التأهيل الطبي، أو من دعم مالي يساعدهم على مواجهة التكاليف المترتبة عن الضرر الناتج عن الجريمة، أو يعوضهم عن فقدان الدخل، على غرار ما هو معمول به في عدد من التشريعات المقارنة ذات التوجه الحقوقي والاجتماعي. وهو ما يُظهر محدودية واضحة في تصور الحماية الشاملة للضحايا، ويُفرغ الالتزام التشريعي بالعناية بهم من بُعده العملي والفعلي.
- قصور إدماج بعد النوع الاجتماعي ضمن مقتضيات القانون
رغم أن القانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل قانون المسطرة الجنائية يتضمن، ضمن مستجداته، إمكانية التبليغ عن الجرائم التي تكون ضحيتها امرأة، ليس فقط أمام النيابة العامة أو الشرطة القضائية، بل كذلك أمام أي سلطة قضائية أو إدارية مختصة، كما نصت على ذلك المادة 43، فإن هذا الإجراء يظل معزولًا ومحدود الأثر بالنظر إلى الغياب شبه التام لأي تصور ممنهج لمقاربة النوع الاجتماعي ضمن مقتضيات هذا المشروع. فلا نجد، على سبيل المثال، تدابير خاصة تُعنى بالمرأة سواء بصفتها ضحية أو شاهدة أو حتى متهمة، في عدد من الجوانب الأساسية للمسطرة الجنائية، من قبيل الاستفادة من المساعدة القضائية، أو تدابير الحماية، أو آجال التقادم في الجرائم التي تمس النساء، أو جلسات الاستماع المغلقة، أو ظروف الحراسة النظرية، أو التعويض عن الضرر الناتج عن الجريمة، وغيرها من المجالات التي تستدعي مراعاة خصوصيات النساء والفتيات.
و إذا كانت مراجعة قانون المسطرة الجنائية تشكل لحظة مفصلية في مسار إصلاح منظومة العدالة الجنائية بالمغرب، فإنها في الوقت ذاته كان يجب أن تتحول لفرصة دستورية وحقوقية لتكريس مبدأ المساواة، كما هو منصوص عليه في المادة 19 من دستور 2011، وفي عدد من المواثيق الدولية ذات الصلة، ولا سيما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) وتوصياتها العامة رقم 19 و35، والبروتوكول الاختياري الملحق بها، والإعلان بشأن القضاء على العنف ضد المرأة، وإعلان ومنهاج عمل بيجين المعتمد سنة 1996. إلا أن مشروع القانون، ورغم ما تضمنه من بعض المكتسبات المحدودة، لا يزال يعاني من ثغرات بنيوية في ما يتعلق بحماية النساء والفتيات من العنف والتمييز، وضمان ولوجهن الفعلي والعادل إلى العدالة.
وفي هذا الإطار، تبرز مجموعة من التوصيات الرامية إلى إعمال فعلي وفعّال لمقاربة النوع الاجتماعي في المشروع، يمكن إجمالها في ما يلي:
1. التنصيص على باب خاص بالنساء: من الضروري إحداث باب مستقل ضمن مشروع قانون المسطرة الجنائية يُعنى بالنساء، ويراعي خصوصيتهن في حالات العنف، والهشاشة، والأمومة، والإعاقة، وكذا في السياقات التمييزية.
2. تبسيط ولوج النساء إلى العدالة: من خلال تخفيف الشروط الشكلية لتقديم الشكايات، خاصة على مستوى الإثبات والشهود والوسائل المالية، وتمكين النساء من التبليغ عبر المنصات الرقمية، ومراكز القرب، وخلايا الاستماع.
3. تعزيز وسائل الإثبات في قضايا العنف: وذلك عبر الاعتراف بشهادة الضحية حين تعززها قرائن موضوعية، واعتماد الأدلة الرقمية مثل الرسائل والتسجيلات والصور، فضلاً عن إضفاء القيمة القانونية على التقارير النفسية والاجتماعية إلى جانب الطب الشرعي، وتطبيق مبدأ “الشك يفسر لصالح الضحية” في قضايا العنف الأسري.
4. حظر الوساطة والصلح في قضايا العنف ضد النساء: ضرورة التنصيص صراحة على منع أي صلح أو وساطة في هذا النوع من القضايا، لما لذلك من أثر سلبي على الضحايا، ولما قد ينتجه من تطبيع مع العنف وضمان الإفلات من العقاب، خصوصاً في السياقات الأسرية أو الاجتماعية الضاغطة.
5. إدماج مبدأ العناية الواجبة: يجب اعتبار الإخلال بهذا المبدأ إخلالاً بالعدالة، ومبرراً للمساءلة الإدارية أو القضائية، حمايةً لضحايا العنف من التقاعس أو الإهمال في المتابعة أو التفاعل مع قضاياهن.
6. التنصيص على حق النساء في الترجمة إلى اللغة الأمازيغية: لمساعدة النساء اللواتي لا يتقنّ اللغة العربية على فهم الإجراءات القضائية وضمان حقهن في المحاكمة العادلة.
7. تعزيز حماية النساء المهاجرات وعديمات الجنسية أو في وضعية هشاشة: وذلك من خلال ضمان عدم ترحيلهن في حال التبليغ عن العنف، وتمتيعهن بالترجمة والمساعدة القانونية المجانية، مع مراعاة خصوصيتهن الثقافية واللغوية والإدارية، والتنسيق مع المنظمات الوطنية والدولية العاملة في مجال حماية المهاجرات.
8. إدماج البعد البيئي في تقييم العنف: ينبغي تعزيز آليات المساءلة عن الجرائم البيئية التي تمس النساء، وضمان إجراءات خاصة لحماية النساء المتضررات من الكوارث الطبيعية، بالنظر إلى ما لهذه الفئة من هشاشة مضاعفة في مثل هذه الظروف.
إن إصلاح قانون المسطرة الجنائية لم يكن عليه أن يقتصر فقط على تحديث تقني أو تقنين إجرائي، بل كان يجب أن يكون من وجهة نظر حقوقية مستندة على التزامات المغرب الدولية في مجال حماية الحقوق والحريات، بالتزاماته الدستورية مناسبة لبناء عدالة جنائية دامجة، تراعي خصوصية النساء، وتحميهن من كل أشكال العنف والتمييز، وتضمن لهن سبل الانتصاف والإنصاف، في انسجام تام مع التزامات المغرب الدستورية والدولية في مجال حقوق الإنسان ومناهضة العنف القائم على النوع.
- السياسة الجنائية في قانون المسطرة الجنائية: ملامح عدالة جنائية فعالة وشاملة
السياسة الجنائية تعد مرآة تعكس فلسفة الدولة في مجال التجريم والعقاب، وتمثل الأداة التي تترجم من خلالها التصورات الإستراتيجية للدولة في مواجهة الجريمة وضمان الأمن القانوني والقضائي. ومن هذا المنطلق يشكل قانون رقم 03.23 المتعلق بتعديل وتتميم قانون المسطرة الجنائية خطوة فارقة في مسار إعادة بناء السياسة الجنائية المغربية، بما يتماشى مع المتغيرات الدستورية والسياسية والمؤسساتية التي عرفتها المملكة، خصوصا منذ إقرار دستور 2011 الذي أرسى دعائم حقوق الإنسان والحريات الأساسية كمرتكزات لشرعية التدخل الجنائي، وكرّس في المقابل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة كأحد أعمدة الحكامة الجيدة في تدبير العدالة الجنائية.
وتتجلى الملامح الجديدة للسياسة الجنائية من خلال تبني منظور متكامل يهدف إلى جعل العدالة الجنائية أكثر شمولًا وفعالية، وذلك بالارتكاز على أربعة مرتكزات أساسية مترابطة: أولها تعزيز آليات المساءلة الجنائية ومحاربة الإفلات من العقاب، لاسيما في الجرائم المرتبطة بالمال العام والفساد، وهو ما يظهر جليا من خلال التعديلات التي مست قواعد الإثبات، والتحقيق، ومساطر التتبع، في اتجاه ضمان سرعة وفعالية التدخل الجنائي، دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة.
ثانيها؛ توسيع نطاق الحماية القانونية للضحايا، من خلال الاعتراف بمركزهم القانوني وتعزيز حقوقهم داخل مختلف أطوار المسطرة، لا سيما فئات النساء، الأطفال، وضحايا العنف، رغم ما يعتري هذه الحماية من إشكالات على مستوى التنزيل والتفعيل المؤسساتي.
ثالثتها؛ فتتجسد في إدماج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن منطق السياسة الجنائية،عبر محاولة استحضار الفروق المرتبطة بالجنس في التعامل مع المشتبه فيهم أو الضحايا، سواء من خلال آليات التحقيق أو شروط الإيواء أو ضمانات السلامة الجسدية والنفسية، رغم أن المشروع لا يزال يفتقر إلى مقاربة شمولية تتجاوز الطابع التجزيئي في معالجة هذه الفئة.
رابعها؛ في السعي نحو رقمنة الإجراءات القضائية، وهو ما يعكسه تبني وسائل إلكترونية للتبليغ، والتقاضي عن بعد، وتدبير الجلسات، بما يفرض مراجعة شاملة للبنية التحتية الرقمية للمحاكم، وتأهيل الموارد البشرية، وتفادي الازدواج بين الورقي والرقمي، تجنبًا لتضارب الإجراءات.
وبالرغم من هذا التوجه الحداثي، لا يمكن إغفال بعض مظاهر القصور التي تعتري هذا المشروع، من قبيل تقييد دور المجتمع المدني، من خلال وضع قيود على انتصاب الجمعيات كطرف مدني، مما قد يقلص من دورها الرقابي في ملفات الفساد والجرائم الكبرى، وكذا ضعف التفاعل مع الجرائم البيئية رغم تزايد خطورتها. كما يبقى مطلب ترسيخ العدالة التصالحية في السياسة الجنائية الحالية محدودًا من حيث نطاق التطبيق، بالرغم من إدراج بعض المقتضيات التي تشير إلى الحلول البديلة في بعض الجرائم البسيطة، بما يبرز حاجة ملحة لتطوير هذا الخيار كإحدى ركائز العدالة الفعالة.
وإجمالاً، فإن المشرع من خلال هذا القانون، يسعى إلى إعادة تشكيل السياسة الجنائية الوطنية بما يجعلها أكثر فعالية وشمولية، قائمة على توجيه تدخل القضاء الزجري نحو محاربة الجريمة في سياق احترام الكرامة الإنسانية، وحماية المصلحة العامة، وتكريس مبدأ النجاعة في الأداء القضائي. إلا أن هذا الورش، رغم أهميته، يظل رهيناً بقدرة الدولة على مواكبة التنزيل السليم والفعلي لهذه التعديلات، وتوفير الوسائل القانونية، المؤسسية، والتقنية الكفيلة بتحقيق التحول المنشود نحو عدالة جنائية حديثة، متوازنة، وناجعة.
وتتجلى الملامح الجديدة للسياسة الجنائية من خلال تبني منظور متكامل يهدف إلى جعل العدالة الجنائية أكثر شمولًا وفعالية، وذلك بالارتكاز على أربعة مرتكزات أساسية مترابطة: أولها تعزيز آليات المساءلة الجنائية ومحاربة الإفلات من العقاب، لاسيما في الجرائم المرتبطة بالمال العام والفساد، وهو ما يظهر جليا من خلال التعديلات التي مست قواعد الإثبات، والتحقيق، ومساطر التتبع، في اتجاه ضمان سرعة وفعالية التدخل الجنائي، دون المساس بضمانات المحاكمة العادلة.
ثانيها؛ توسيع نطاق الحماية القانونية للضحايا، من خلال الاعتراف بمركزهم القانوني وتعزيز حقوقهم داخل مختلف أطوار المسطرة، لا سيما فئات النساء، الأطفال، وضحايا العنف، رغم ما يعتري هذه الحماية من إشكالات على مستوى التنزيل والتفعيل المؤسساتي.
ثالثتها؛ فتتجسد في إدماج مقاربة النوع الاجتماعي ضمن منطق السياسة الجنائية،عبر محاولة استحضار الفروق المرتبطة بالجنس في التعامل مع المشتبه فيهم أو الضحايا، سواء من خلال آليات التحقيق أو شروط الإيواء أو ضمانات السلامة الجسدية والنفسية، رغم أن المشروع لا يزال يفتقر إلى مقاربة شمولية تتجاوز الطابع التجزيئي في معالجة هذه الفئة.
رابعها؛ في السعي نحو رقمنة الإجراءات القضائية، وهو ما يعكسه تبني وسائل إلكترونية للتبليغ، والتقاضي عن بعد، وتدبير الجلسات، بما يفرض مراجعة شاملة للبنية التحتية الرقمية للمحاكم، وتأهيل الموارد البشرية، وتفادي الازدواج بين الورقي والرقمي، تجنبًا لتضارب الإجراءات.
وبالرغم من هذا التوجه الحداثي، لا يمكن إغفال بعض مظاهر القصور التي تعتري هذا المشروع، من قبيل تقييد دور المجتمع المدني، من خلال وضع قيود على انتصاب الجمعيات كطرف مدني، مما قد يقلص من دورها الرقابي في ملفات الفساد والجرائم الكبرى، وكذا ضعف التفاعل مع الجرائم البيئية رغم تزايد خطورتها. كما يبقى مطلب ترسيخ العدالة التصالحية في السياسة الجنائية الحالية محدودًا من حيث نطاق التطبيق، بالرغم من إدراج بعض المقتضيات التي تشير إلى الحلول البديلة في بعض الجرائم البسيطة، بما يبرز حاجة ملحة لتطوير هذا الخيار كإحدى ركائز العدالة الفعالة.
وإجمالاً، فإن المشرع من خلال هذا القانون، يسعى إلى إعادة تشكيل السياسة الجنائية الوطنية بما يجعلها أكثر فعالية وشمولية، قائمة على توجيه تدخل القضاء الزجري نحو محاربة الجريمة في سياق احترام الكرامة الإنسانية، وحماية المصلحة العامة، وتكريس مبدأ النجاعة في الأداء القضائي. إلا أن هذا الورش، رغم أهميته، يظل رهيناً بقدرة الدولة على مواكبة التنزيل السليم والفعلي لهذه التعديلات، وتوفير الوسائل القانونية، المؤسسية، والتقنية الكفيلة بتحقيق التحول المنشود نحو عدالة جنائية حديثة، متوازنة، وناجعة.
- التكييف على ضوء قانون المسطرة الجنائية 03.23
التكييف القانوني للوقائع يعد أحد الركائز الجوهرية في منظومة العدالة الجنائية، إذ يتحدد به وصف الجريمة القانونية التي يُحاكم عليها المتهم، وهو ما ينعكس بشكل مباشر على المسار الإجرائي والعقوبات المقررة، فضلاً عن حقوق الأطراف المعنية بالدعوى، خاصة حق الدفاع والحق في محاكمة عادلة. وفي هذا السياق، جاء تنظيم التكييف في مشروع قانون المسطرة الجنائية ليؤكد أهمية المرونة القضائية التي تتلاءم مع تطور الوقائع والأدلة خلال مراحل التقاضي، مع وضع ضمانات قانونية صارمة تحمي حقوق الأطراف.
تنص المادة 386-1 من القانون على أنه يمكن للمحكمة، أثناء نظر الدعوى، تغيير تكييف الجنحة موضوع المتابعة إلى جنحة أخرى من نفس الصنف، شريطة توافر العناصر القانونية المكونة للجريمة الجديدة. ويُبرز هذا النص حرص المشرع على تمكين القاضي من تعديل وصف الجريمة بما يتوافق مع الوقائع الحقيقية، مما يعزز دقة وموضوعية الحكم القضائي ويجنب إعادة المسطرة بسبب أخطاء في التكييف.
ومع ذلك، لا تسمح المادة باستعمال هذه الصلاحية بشكل مطلق، إذ يشترط أن يكون العقاب المقرر للجنحة بعد تغيير التكييف غير أشد من العقاب السابق، وإذا كان أشد، فلا يجوز الأخذ به إلا بعد الاستماع إلى ملتمسات النيابة العامة، وتصريحات المتهم، وإيضاحات الدفاع إن وجد. وهذا الإجراء يعكس التزام المشرع بمبدأ حقوق الدفاع ومبدأ عدم التعدي على المتهم، حيث يتيح له فرصة الدفاع عن نفسه أمام التكييف الجديد، مما يضمن شفافية الإجراءات ويحد من التسرع في تغيير التكييف دون مبرر قانوني واضح.
كما تلزم المادة المحكمة بمناقشة القضية على ضوء التكييف الجديد إذا طلبت النيابة العامة ذلك خلال سير الدعوى، مع وجوب الاستماع للدفاع، وهو ما يعكس مقاربة متوازنة بين ضرورة تحقيق العدالة الموضوعية والالتزام بضمانات المحاكمة العادلة. ومن جهة أخرى، وبالتالي، فإن التكييف في نص قانون المسطرة الجنائية الجديد لا يعد مجرد تقنية إجرائية، بل هو عنصر محوري يعكس الرؤية الحديثة للعدالة الجنائية التي تجمع بين الفعالية والمساواة، بين حماية المجتمع وضمان حقوق الأفراد، وبين رهان المساءلة القضائية وحماية حقوق الضحايا ومقاربة النوع والرقمنة التي يحرص عليها القانون.
- محاضر الضابطة القضائية في قانون المسطرة الجنائية: ضمانات قانونية وإجراءات محورية
إن محاضر الضابطة القضائية من الوثائق الأساسية في سير الدعوى الجنائية، حيث تشكل وسيلة إثبات رسمية تُوثق الإجراءات والوقائع التي تتم خلال مرحلة البحث والتحري. وقد أولى قانون المسطرة الجنائية رقم 03.23 أهمية بالغة لتنظيم هذه المحاضر، مُؤَطِّرا عمل الضابطة القضائية بضوابط قانونية صارمة تهدف إلى ضمان حقوق الأفراد وحماية سير العدالة.
ينص القانون على ضرورة أن تُحرر محاضر الضابطة القضائية بدقة وموضوعية، مع تضمينها لجميع التفاصيل المتعلقة بالوقائع، بما في ذلك تاريخ وساعة إجراء كل عملية، وهو ما يُعتبر من الضمانات الأساسية لمراقبة مشروعية الإجراءات. كما يُلزم القانون الضابطة القضائية بتوثيق جميع التصريحات والإفادات التي يدلي بها الأشخاص المعنيون، مع مراعاة مبدأ الحياد والموضوعية في تدوين هذه البيانات.
علاوة على ذلك، يُشدد القانون على ضرورة توقيع الضابط الذي أنجز المحضر على جميع أوراقه، مما يُضفي عليه الصفة الرسمية ويجعله قابلًا للاعتماد أمام الجهات القضائية. وفي حال تعذر توقيع الأشخاص المعنيين، يُشترط توثيق سبب ذلك ضمن المحضر، مما يعزز من مصداقيته ويُقلل من احتمالات الطعن في صحته.
كما يولي المشروع أهمية خاصة لحماية حقوق الأفراد خلال مرحلة الحراسة النظرية، حيث يلزم الضابطة القضائية بإخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي إذا لاحظت عليهم علامات أو آثارا تستدعي ذلك، وذلك بعد إشعار النيابة العامة. وفي حالة رفض الشخص المعني إجراء الفحص الطبي، يعتبر أي اعتراف يدلى به في محضر الضابطة القضائية باطلا، مما ييؤكّد على حرص المشرع على ضمان حقوق الدفاع وحماية الأفراد من أي تعسف.
من خلال هذه الإجراءات، يهدف قانون المسطرة الجنائية إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في سير الإجراءات الجنائية، وضمان التوازن بين مقتضيات الأمن العام وحماية حقوق الأفراد، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ينص القانون على ضرورة أن تُحرر محاضر الضابطة القضائية بدقة وموضوعية، مع تضمينها لجميع التفاصيل المتعلقة بالوقائع، بما في ذلك تاريخ وساعة إجراء كل عملية، وهو ما يُعتبر من الضمانات الأساسية لمراقبة مشروعية الإجراءات. كما يُلزم القانون الضابطة القضائية بتوثيق جميع التصريحات والإفادات التي يدلي بها الأشخاص المعنيون، مع مراعاة مبدأ الحياد والموضوعية في تدوين هذه البيانات.
علاوة على ذلك، يُشدد القانون على ضرورة توقيع الضابط الذي أنجز المحضر على جميع أوراقه، مما يُضفي عليه الصفة الرسمية ويجعله قابلًا للاعتماد أمام الجهات القضائية. وفي حال تعذر توقيع الأشخاص المعنيين، يُشترط توثيق سبب ذلك ضمن المحضر، مما يعزز من مصداقيته ويُقلل من احتمالات الطعن في صحته.
كما يولي المشروع أهمية خاصة لحماية حقوق الأفراد خلال مرحلة الحراسة النظرية، حيث يلزم الضابطة القضائية بإخضاع الأشخاص الموقوفين لفحص طبي إذا لاحظت عليهم علامات أو آثارا تستدعي ذلك، وذلك بعد إشعار النيابة العامة. وفي حالة رفض الشخص المعني إجراء الفحص الطبي، يعتبر أي اعتراف يدلى به في محضر الضابطة القضائية باطلا، مما ييؤكّد على حرص المشرع على ضمان حقوق الدفاع وحماية الأفراد من أي تعسف.
من خلال هذه الإجراءات، يهدف قانون المسطرة الجنائية إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في سير الإجراءات الجنائية، وضمان التوازن بين مقتضيات الأمن العام وحماية حقوق الأفراد، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.
أخيراً:ملاحظات و توصيات
من خلال دراسة وتحليل مضامين القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، يتضح أن هذه المبادرة التشريعية تندرج ضمن الجهود الرامية إلى تطوير منظومة العدالة الجنائية بالمغرب، بما يواكب التحولات الدستورية والالتزامات الدولية للمملكة. غير أن استقراء هذا القانون نفسه ى يكشف عن جملة من الملاحظات الجوهرية التي تستحق التوقف والتحليل، بالنظر إلى آثارها المحتملة على فعالية النص ونجاعته التطبيقية.
وتتوزع هذه الملاحظات بين ما هو مضموني وشكلي، وتشمل المرتكزات الدافعة إلى مراجعة النص الإجرائي الجنائي، ووجاهة الاكتفاء بتعديله عوض صياغة نص بديل، ومدى احترام متطلبات المقاربة التشاركية في إعداد المشروع، إلى جانب الحاجة إلى مراجعة شاملة ومتكاملة للمنظومة الجنائية، وأخيراً ما يتعلق بالإحالة على نصوص تنظيمية دون تحديد آجال زمنية واضحة لإخراجها، وهو ما قد يؤثر سلباً على قابلية النص للتنزيل وفعاليته المرجوة.
- ملاحظة حول المرتكزات الدافعة إلى تقديم هذه الملاحظات على النص الإجرائي الجنائي الحالي
من خلال تحليلنا للمذكرة التقديمية المصاحبة لقانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، يتبين أن المشرع برّر هذه المبادرة التشريعية بضرورة ملاءمة النص القانوني مع المستجدات الحقوقية والدستورية، لاسيما ما أتى به دستور 2011 من تكريس موسع للحقوق والحريات، وتعزيز ضمانات ممارستها، بالإضافة إلى الوفاء بالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما أُشير إلى أن الممارسة العملية أبانت عن بعض النواقص والثغرات التي تستدعي المعالجة من خلال مراجعة النصوص القانونية ذات الصلة.
ورغم وجاهة هذه الاعتبارات في ظاهرها، إلا أن ما يُضفي المصداقية على أي مراجعة تشريعية – خاصة إذا كانت بهذا الحجم والعمق – هو الاستناد إلى معطيات دقيقة ومؤشرات كمية ونوعية تُشخّص واقع التطبيق، وتُبرز مكامن الخلل بشكل واضح وموثق. إن الاكتفاء بالتعميم في تسويغ مشروع تعديل قانوني ذي طابع استراتيجي، دون الاستعانة بدراسة أثر تشريعي شاملة، يُعد إخلالًا بمبدأ الشفافية التشريعية، ومساسًا بمستلزمات الحكامة الجيدة، التي تُعد من الدعائم الأساسية للعمل العمومي وفقًا لما يفرضه الدستور.
إن غياب دراسة الأثر في هذا السياق لا يُضعف فقط الرؤية الإصلاحية، بل يُفرغ المبادرة من بُعدها التوقعي والتقويمي، إذ كان من اللازم تقييم مدى نجاعة النص الحالي، وتحليل مدى استجابته للواقع القضائي والاجتماعي، ورصد الآثار المحتملة لتعديله على مختلف المستويات، بما فيها الجانب المؤسسي والحقوقي والاجتماعي. فالإصلاح التشريعي الناجع لا يستقيم دون خلفية علمية دقيقة، تُترجم إلى مشروع مؤسس على معطيات ملموسة، وليس فقط على نوايا عامة أو خطابات مرجعية.
من خلال تحليلنا للمذكرة التقديمية المصاحبة لقانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، يتبين أن المشرع برّر هذه المبادرة التشريعية بضرورة ملاءمة النص القانوني مع المستجدات الحقوقية والدستورية، لاسيما ما أتى به دستور 2011 من تكريس موسع للحقوق والحريات، وتعزيز ضمانات ممارستها، بالإضافة إلى الوفاء بالتزامات المغرب الدولية في مجال حقوق الإنسان. كما أُشير إلى أن الممارسة العملية أبانت عن بعض النواقص والثغرات التي تستدعي المعالجة من خلال مراجعة النصوص القانونية ذات الصلة.
ورغم وجاهة هذه الاعتبارات في ظاهرها، إلا أن ما يُضفي المصداقية على أي مراجعة تشريعية – خاصة إذا كانت بهذا الحجم والعمق – هو الاستناد إلى معطيات دقيقة ومؤشرات كمية ونوعية تُشخّص واقع التطبيق، وتُبرز مكامن الخلل بشكل واضح وموثق. إن الاكتفاء بالتعميم في تسويغ مشروع تعديل قانوني ذي طابع استراتيجي، دون الاستعانة بدراسة أثر تشريعي شاملة، يُعد إخلالًا بمبدأ الشفافية التشريعية، ومساسًا بمستلزمات الحكامة الجيدة، التي تُعد من الدعائم الأساسية للعمل العمومي وفقًا لما يفرضه الدستور.
إن غياب دراسة الأثر في هذا السياق لا يُضعف فقط الرؤية الإصلاحية، بل يُفرغ المبادرة من بُعدها التوقعي والتقويمي، إذ كان من اللازم تقييم مدى نجاعة النص الحالي، وتحليل مدى استجابته للواقع القضائي والاجتماعي، ورصد الآثار المحتملة لتعديله على مختلف المستويات، بما فيها الجانب المؤسسي والحقوقي والاجتماعي. فالإصلاح التشريعي الناجع لا يستقيم دون خلفية علمية دقيقة، تُترجم إلى مشروع مؤسس على معطيات ملموسة، وليس فقط على نوايا عامة أو خطابات مرجعية.
- ملاحظة حول جدوى الاقتصار على تعديل قانون المسطرة الجنائية عوض صياغة نص بديل
يلاحظ من خلال الاطلاع على مضامين القانون رقم 03.23، أن حجم التعديلات المقترحة يكشف عن مراجعة شاملة وعميقة للنص الأصلي لقانون المسطرة الجنائية. فالمُشرع اقترح تعديل 421 مادة من أصل 757 مادة تشكّل البنية العامة للنص الجاري به العمل، تشمل تغيير وتتميم 286 مادة، وإضافة 106 مواد جديدة، ونسخ وتعويض 27 مادة، فضلاً عن حذف 5 مواد. هذا العدد الهائل من التعديلات، والذي يمثّل نسبة تقارب 56% من مجموع النص، يضعنا أمام مراجعة جوهرية لا يمكن اعتبارها مجرد إصلاح جزئي أو تقني.
غير أن اختيار المشرع نهج أسلوب التعديل والتتميم، بدل صياغة قانون جديد متكامل يحل محل القانون السابق، يثير تساؤلات مشروعة من حيث منهجية الإصلاح المعتمدة. ذلك أن إدخال عدد كبير من التعديلات على نص قائم قد يؤدي إلى المساس بانسجامه الداخلي، ويُنتج تراكماً لمقتضيات متباينة من حيث الصياغة والمنهجية والتوجه، مما يفتح الباب أمام تناقضات تشريعية وغموض تأويلي، قد يُربك الفاعلين القضائيين والممارسين، سواء القضاة أو المحامين أو حتى المواطن العادي الذي يتأثر بشكل مباشر بمضمون هذه القواعد الإجرائية.
ولقد أثبتت التجارب المقارنة في عدد من الأنظمة القانونية، من قبيل فرنسا وكندا ودول الاتحاد الأوروبي، أن تجاوز نسبة معينة من التعديلات – تتراوح غالباً ما بين 30% و50% من النص الأصلي – يُفقد القانون اتساقه وقدرته على أداء وظائفه بفعالية، ويجعل من الإصلاح الشامل عبر اعتماد نص قانوني جديد أكثر نجاعة وأضمن من حيث سلامة البناء التشريعي.
إن القاعدة العامة في علم التشريع تفيد بأن النصوص القانونية كلما ابتعدت عن الانسجام والتكامل، فقدت من وضوحها وسهولة تطبيقها، وبالتالي تراجعت قدرتها على تحقيق الأمن القانوني والقضائي المنشود. ومن ثَم، فإن اختيار أسلوب التعديل، رغم طابعه التقني الظاهري، يحمل في عمقه أثراً بنيوياً يمس جودة التشريع، ويدعو إلى إعادة النظر في المنهجية المعتمدة، ترسيخاً لقواعد الصياغة السليمة والتدبير التشريعي الرشيد.
- ملاحظة بشأن مدى احترام متطلبات المقاربة التشاركية في إعداد مشروع قانون المسطرة الجنائية
يمثل التشريع ركيزة أساسية في تفعيل السياسات العمومية وترجمتها إلى قواعد قانونية ملزمة، مما يضفي عليه طابعًا استراتيجيًا يستوجب اعتماد منهجية شاملة وتشاركية في صياغته. وفي هذا السياق، فقد أولى دستور المملكة المغربية لسنة 2011 أهمية خاصة لقيم الديمقراطية التشاركية، وأرسى دعائم المشاركة المواطنة، لاسيما من خلال الفصل 13 الذي يحث السلطات العمومية على إحداث آليات للتشاور من أجل إشراك مختلف الفاعلين الاجتماعيين في إعداد السياسات العمومية وتنفيذها وتقييمها.
وقد زكّى هذا التوجه الخطاب الملكي السامي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، حيث أكد جلالته على ضرورة القطع مع المقاربة الأحادية في تدبير ورش إصلاح العدالة، والدعوة إلى اعتماد رؤية تشاركية مندمجة تنخرط فيها مختلف القوى الحية للمجتمع، من مؤسسات وخبراء ومهنيين ومجتمع مدني.
وانسجامًا مع هذا التصور، فإن الدولة المغربية دأبت، في محطات مفصلية سابقة، على إعمال هذا البعد التشاركي في صياغة الإصلاحات الكبرى، كما هو الحال في مراجعة مدونة الأسرة، أو من خلال الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة، والذي توّج بإصدار ميثاق وطني شكّل مرجعًا جوهريًا لعدد من المقتضيات التي جاء بها مشروع القانون رقم 03.23.
غير أن أهمية هذا القانون بالنظر إلى اتساع نطاق تدخله ومساسه المباشر بحقوق وحريات ملايين الأفراد، تفرض – ليس فقط الاستناد إلى المخرجات السابقة – بل الانخراط في مسلسل تشاوري قبلي يُسهم في إغناء مضامينه وتعزيز نجاعته، بما يتماشى مع معايير جودة التشريع ومرتكزات الحكامة الجيدة. إن إعداد نص قانوني بهذا الحجم دون حوار مؤسسي واسع من شأنه أن يحدّ من قابلية المشروع للتطبيق ويضعف من مشروعيته المجتمعية.
كما لا يفوتنا التذكير بالإمكانيات النوعية التي أضحت تتيحها التقنيات الرقمية في تسهيل وتوسيع دائرة المشاورات العمومية، وفتح المجال أمام مساهمة المواطنين والخبراء ومكونات المجتمع المدني للإدلاء بآرائهم واقتراحاتهم، بما يضمن انبثاق قانون متوازن، ناضج، ومؤسَّس على تعاقد اجتماعي متكامل.
إن إدماج المقاربة التشاركية، لم يعد ترفًا مؤسساتيًا، بل ضرورة تشريعية تتأسس عليها مقبولية النص وفعاليته، وتسهم في تعزيز ثقة المواطنين في القانون، وفي العدالة، وفي الممارسة الديمقراطية ككل.
الملاحظة بشأن ضرورة اعتماد مراجعة شاملة ومتجانسة للمنظومة الجنائية
تناغمًا مع التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تجاوز المقاربات التجزيئية والانتقال نحو إصلاحات شمولية ومنسجمة، فإن النقاشات العلمية والمؤسساتية التي رافقت تقديم القانون رقم 03.23 المغير والمتمم لقانون المسطرة الجنائية، قد أثارت بإلحاح مسألة أولوية الانطلاق في ورش المراجعة من مجموعة القانون الجنائي، أو على الأقل موازاة التعديل في القانونين معًا، بالنظر إلى الارتباط البنيوي بينهما.
ذلك أن المسطرة الجنائية تمثل الإطار الإجرائي الذي يترجم المبادئ والاختيارات التي يؤسس لها القانون الجنائي الموضوعي، ويحدد آليات تنزيل السياسة الجنائية للدولة، وفق ما تمليه قواعد العدالة وسيادة القانون. وبالتالي، فإن إدخال تعديلات عميقة على منظومة الإجراءات الزجرية دون مراجعة متزامنة للمقتضيات الموضوعية للتجريم والعقاب، قد يؤدي إلى اختلالات في الاتساق التشريعي، ويفرز صعوبات على مستوى التطبيق والتفسير، سواء بالنسبة للقضاة أو الدفاع أو المتقاضين.
إن الإصلاح الحقيقي لمنظومة العدالة الجنائية لا يمكن أن يُختزل في تعديل نص دون الآخر، بل يتطلب هندسة تشريعية متكاملة تستند إلى فلسفة جنائية واضحة المعالم، تُراعي التوازن بين متطلبات الردع والفعالية من جهة، وضمانات المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات من جهة ثانية. كما ينبغي أن تنفتح هذه الرؤية على الديناميات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية والتهديدات الأمنية المستجدة، بما في ذلك تطور أنماط الجريمة وارتفاع منسوب تعقيدها.
لذلك، فإن الإصلاح التشريعي في هذا المجال لا يجب أن يُفهم بوصفه مجرد إعادة صياغة للمقتضيات القانونية، بل ينبغي أن يُدمج في إطار مقاربة استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار مختلف مستويات المنظومة الجنائية: من التشريع، إلى الوقاية، مرورًا بالتنفيذ، وانتهاء بالتقييم والمساءلة والتطوير المستمر.
وإذ نتلمس في القانون رقم 03.23 محاولة للارتقاء بالمسطرة الجنائية وتجويد قواعدها، فإن ذلك يظل مشروطًا بإتمام هذا الورش عبر مراجعة شاملة للسياسة الجنائية برمتها في المستقبل بعد قيام مؤشرات تطبيقه، من خلال إعادة النظر في المنظومة الجنائية الكلية بما يضمن الاتساق الداخلي والفعالية المؤسساتية، ويكرّس ثقة المواطنين في عدالة ناجعة وعادلة في الآن ذاته
ملاحظة حول التنصيص على إحالة نصوص تنظيمية مع غياب تحديد آجال زمنية واضحة لإخراجها إلى حيز التنفيذ
يُلاحظ أن القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، يتضمن إحالات متعددة على نصوص تنظيمية يتوقف تفعيل عدد من مقتضياته الأساسية على صدورها، كما هو الشأن بالنسبة للمواد: 7، 66-2، 66-3، 471، و654-1. غير أن المشروع لم يُقرن هذه الإحالات بآجال زمنية واضحة ومُلزمة، سواء لإصدار النصوص التنظيمية نفسها أو لدخول المقتضيات المرتبطة بها حيز التنفيذ، ما يطرح إشكالات عملية قد تعوق تنفيذ القانون وتفرغ بعض أحكامه من محتواها.
وتتجلى خطورة هذا الفراغ الزمني بشكل خاص في المادة 66-3 المتعلقة بشروط وكيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري، التي تربط تفعيلها بصدور نص تنظيمي، مع تعليق نفاذها الفعلي على مرور خمس سنوات بعد صدور هذا الأخير، وفق ما نصت عليه المادة 755. وهو ما قد يُفضي في المحصلة إلى تعطيل تنفيذ مقتضيات حيوية من شأنها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق المشتبه فيهم، وصيانة كرامة الأشخاص الموقوفين.
لذا، فإن من أبرز الملاحظات الشكلية التي تثيرها الصياغة الحالية للقانون، غياب التحديد الدقيق والملزم للآجال المتعلقة بإصدار النصوص التنظيمية، وهو ما يتنافى مع متطلبات الأمن القانوني وجودة التشريع، و قد كان يفضي ضرورة مراجعة هذه النقطة قصد تفادي تعليق فاعلية المقتضيات القانونية على آجال غير محسومة، قد تُفقد النص روحه وتضعف من أثره العملي في الواقع.
بالنظر إلى ما أسفر عنه تحليلنا لمضامين القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، واستنادًا إلى الملاحظات الشكلية والموضوعية التي وقفنا عندها، فإننا نخلص إلى مجموعة من التوصيات التي نأمل أن تسهم في تجويد النص، وتوفير شروط ملاءمته مع مستلزمات إصلاح منظومة العدالة، وضمان نجاعة السياسة الجنائية وفعاليتها في حماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القانوني والقضائي.
ذلك أن المسطرة الجنائية تمثل الإطار الإجرائي الذي يترجم المبادئ والاختيارات التي يؤسس لها القانون الجنائي الموضوعي، ويحدد آليات تنزيل السياسة الجنائية للدولة، وفق ما تمليه قواعد العدالة وسيادة القانون. وبالتالي، فإن إدخال تعديلات عميقة على منظومة الإجراءات الزجرية دون مراجعة متزامنة للمقتضيات الموضوعية للتجريم والعقاب، قد يؤدي إلى اختلالات في الاتساق التشريعي، ويفرز صعوبات على مستوى التطبيق والتفسير، سواء بالنسبة للقضاة أو الدفاع أو المتقاضين.
إن الإصلاح الحقيقي لمنظومة العدالة الجنائية لا يمكن أن يُختزل في تعديل نص دون الآخر، بل يتطلب هندسة تشريعية متكاملة تستند إلى فلسفة جنائية واضحة المعالم، تُراعي التوازن بين متطلبات الردع والفعالية من جهة، وضمانات المحاكمة العادلة وحماية الحقوق والحريات من جهة ثانية. كما ينبغي أن تنفتح هذه الرؤية على الديناميات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية والتهديدات الأمنية المستجدة، بما في ذلك تطور أنماط الجريمة وارتفاع منسوب تعقيدها.
لذلك، فإن الإصلاح التشريعي في هذا المجال لا يجب أن يُفهم بوصفه مجرد إعادة صياغة للمقتضيات القانونية، بل ينبغي أن يُدمج في إطار مقاربة استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار مختلف مستويات المنظومة الجنائية: من التشريع، إلى الوقاية، مرورًا بالتنفيذ، وانتهاء بالتقييم والمساءلة والتطوير المستمر.
وإذ نتلمس في القانون رقم 03.23 محاولة للارتقاء بالمسطرة الجنائية وتجويد قواعدها، فإن ذلك يظل مشروطًا بإتمام هذا الورش عبر مراجعة شاملة للسياسة الجنائية برمتها في المستقبل بعد قيام مؤشرات تطبيقه، من خلال إعادة النظر في المنظومة الجنائية الكلية بما يضمن الاتساق الداخلي والفعالية المؤسساتية، ويكرّس ثقة المواطنين في عدالة ناجعة وعادلة في الآن ذاته
ملاحظة حول التنصيص على إحالة نصوص تنظيمية مع غياب تحديد آجال زمنية واضحة لإخراجها إلى حيز التنفيذ
يُلاحظ أن القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم القانون رقم 22.01 الخاص بالمسطرة الجنائية، يتضمن إحالات متعددة على نصوص تنظيمية يتوقف تفعيل عدد من مقتضياته الأساسية على صدورها، كما هو الشأن بالنسبة للمواد: 7، 66-2، 66-3، 471، و654-1. غير أن المشروع لم يُقرن هذه الإحالات بآجال زمنية واضحة ومُلزمة، سواء لإصدار النصوص التنظيمية نفسها أو لدخول المقتضيات المرتبطة بها حيز التنفيذ، ما يطرح إشكالات عملية قد تعوق تنفيذ القانون وتفرغ بعض أحكامه من محتواها.
وتتجلى خطورة هذا الفراغ الزمني بشكل خاص في المادة 66-3 المتعلقة بشروط وكيفيات إجراء التسجيل السمعي البصري، التي تربط تفعيلها بصدور نص تنظيمي، مع تعليق نفاذها الفعلي على مرور خمس سنوات بعد صدور هذا الأخير، وفق ما نصت عليه المادة 755. وهو ما قد يُفضي في المحصلة إلى تعطيل تنفيذ مقتضيات حيوية من شأنها تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، وحماية حقوق المشتبه فيهم، وصيانة كرامة الأشخاص الموقوفين.
لذا، فإن من أبرز الملاحظات الشكلية التي تثيرها الصياغة الحالية للقانون، غياب التحديد الدقيق والملزم للآجال المتعلقة بإصدار النصوص التنظيمية، وهو ما يتنافى مع متطلبات الأمن القانوني وجودة التشريع، و قد كان يفضي ضرورة مراجعة هذه النقطة قصد تفادي تعليق فاعلية المقتضيات القانونية على آجال غير محسومة، قد تُفقد النص روحه وتضعف من أثره العملي في الواقع.
بالنظر إلى ما أسفر عنه تحليلنا لمضامين القانون رقم 03.23 المتعلق بتغيير وتتميم قانون المسطرة الجنائية، واستنادًا إلى الملاحظات الشكلية والموضوعية التي وقفنا عندها، فإننا نخلص إلى مجموعة من التوصيات التي نأمل أن تسهم في تجويد النص، وتوفير شروط ملاءمته مع مستلزمات إصلاح منظومة العدالة، وضمان نجاعة السياسة الجنائية وفعاليتها في حماية الحقوق والحريات وتحقيق الأمن القانوني والقضائي.
1. بخصوص الإطار التشريعي والتنظيم القانوني
نرى أن حجم التعديلات المقترحة وعمقها، والتي تشمل ما يناهز 421 مادة، يفرض التفكير في إصدار نص تشريعي جديد مستقل للمسطرة الجنائية بدل الاكتفاء بالتعديلات المجزأة، وذلك ضمانًا للانسجام التشريعي وتفادي الارتباك على مستوى التطبيق.
• ندعو إلى التفكير بإصدار القانون الجنائي الجديد في تكامل مع نص المسطرة الجنائية، حتى تتناغم المبادئ الكبرى للسياسة الجنائية مع آليات وإجراءات تنفيذها، بعد قياس مؤشرات تظبيقه.
• نؤكد على ضرورة ربط المبادرات التشريعية الجنائية بتقييمات موضوعية ومستندة إلى معطيات ميدانية ودراسات علمية، في إطار منهجية تشاركية شفافة، ومنفتحة على مختلف الفاعلين، من مهنيين وخبراء ومجتمع مدني، مع تفعيل قنوات المشاركة الرقمية.
2. من زاوية تكريس حقوق الإنسان داخل العدالة الجنائية
• نؤمن بأن أنسنة العدالة الجنائية تمر عبر توفير شروط الكرامة لجميع الأطراف المتدخلة في المحاكمة، من متهمين وضحايا وشهود، وذلك بتعزيز البنيات التحتية، وتوفير وسائل النقل، وقاعات مجهزة، ومكاتب محترمة لكرامة المواطن.
• نوصي بتقييد اللجوء إلى الإجراءات السالبة للحرية (مثل الحراسة النظرية والاعتقال الاحتياطي) وتدقيق شروطها، وتوفير آليات فعالة للطعن فيها، واعتماد بدائل عقابية أكثر عدالة ومرونة، بما ينسجم مع أهداف تقليص نسبة الاعتقال الاحتياطي وتفادي الآثار السلبية الاجتماعية والاقتصادية لمثل هذه التدابير.
• نرى ضرورة دعم مؤسسة قاضي التحقيق وتوفير شروط اشتغالها وفق ما تقتضيه مبادئ المحاكمة العادلة، مع القيام بتقييم شامل لدورها وأدائها، من أجل ترشيد مسار الدعوى العمومية.
• من المهم توضيح وتدقيق شروط بطلان المساطر، وربطها بالإخلالات الجوهرية التي تمس الحقوق الأساسية للمتقاضين، ضمانًا لحماية فعلية لهذه الحقوق ومنع التعسف في الإجراءات.
• نوصي بتفعيل أدوار الفاعلين المدنيين في الوساطة، العدالة التصالحية، الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي، خاصة بالنسبة للفئات الهشة، تأكيدًا لبعد العدالة كمرفق في خدمة المجتمع وقيم التماسك والتضامن.
3. تعزيز البعد الاجتماعي والنوعي في السياسة الجنائية
• نشدد على ضرورة وضع مساطر خاصة عند التعامل مع الجرائم المبنية على النوع الاجتماعي، تضمن للضحايا، خاصة النساء والأطفال، الحماية والدعم منذ لحظة تقديم الشكاية، مع احترام اختيارهم لطبيعة الإنصات ومراعاة كرامتهم وسريتهم.
عليه فإننا ندعو إلى التفكير في:
• بتكوين مستمر للمكلفين بإنفاذ المسطرة الجنائية، وخاصة في ما يتعلق بالعنف القائم على النوع، لضمان التعامل المهني والإنساني في هذا النوع من القضايا.
• باستبعاد آليات الصلح الزجري في قضايا العنف القائم على النوع، أو حين يكون الضحية قاصرًا أو في وضعية إعاقة، نظراً لما يطرحه ذلك من خطر على مبدأ الرضائية وسلامة الإرادة، وضمانًا لعدم الإفلات من العقاب.
• مراجعة المقتضيات المتعلقة بالأحداث الجانحين بما ينسجم مع الدستور والاتفاقيات الدولية، وتقوية دور الأسرة والمؤسسات التربوية في مرافقتهم، مع توفير مؤسسات للإيواء والتأهيل والإدماج بشكل كاف وملائم.
4.التدبير الرشيد للموارد البشرية كمدخل للنجاعة القضائية
• نقترح اعتماد منهجية تقييم شفاف ومستمر لأداء العاملين في منظومة العدالة، وتقييم فعالية النصوص والمساطر بناءً على النتائج، تفعيلاً لمبادئ التدبير العمومي المرتكز على النجاعة وجودة الخدمة.
• ضرورة سد الخصاص المهول في عدد القضاة، وتكوينهم في التخصصات الدقيقة، وتوفير الموارد البشرية المؤهلة للإدارة القضائية، بما يضمن استمرارية العمل القضائي وفعاليته.
• نوصي بإعادة توزيع المهام الإدارية بين القضاة وموظفي كتابة الضبط، لتمكين القضاة من التفرغ للبت في القضايا، وتسريع وتيرة العمل القضائي وتحسين الخدمات المقدمة للمواطنين
5. التحول الرقمي كرافعة لتحديث مرفق العدالة
• نؤمن بأهمية تسريع ورش الرقمنة الشاملة لمنظومة العدالة، بما فيها العدالة الجنائية، وتمكينها من الأدوات الرقمية الحديثة، من تبادل الوثائق بطريقة إلكترونية، إلى التتبع الرقمي للمساطر.
• نقترح اعتماد “السجل الاجتماعي الموحد” لتحديد الفئات المستحقة للاستفادة من المساعدة القضائية الجنائية، بشكل يضمن الشفافية والتبسيط، وتفعيل مبدأ مجانية الولوج إلى العدالة للفئات غير القادرة.
• ندعو إلى تكوين القضاة و كتابة الضبط و الإنفتاح على العيآت المهنية للمحامين على استعمال الوسائل التكنولوجية والذكاء الاصطناعي، بما يعزز من مردودية الأداء القضائي وجودة الأحكام والتقارير والمساطر، و يبسط الولوج للعدالة بالنسبة للمتقاضين و دفاعهم.
بالنظر إلى ما سبق، نخلص إلى أن تفعيل مضامين مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية لن يحقق مراميه إلا من خلال تنزيل متدرج وواعٍ يراعي الإكراهات الواقعية، ويستحضر الحاجة إلى توجيه التشريع نحو خدمة العدالة، لا الاكتفاء بتحديث شكلي للنصوص، كون أن إعادة بناء عدالة جنائية تستجيب لتحديات العصر وتطلعات المواطنين، تقتضي تخطيطًا مؤسساتيا محكما، وتعبئة للإمكانيات المادية والبشرية، واعتماد آليات للرصد والتقييم المستمر تسهم في تقويم المسار وضمان الأثر الإيجابي للإصلاح.
نرجو أن تشكل التوصيات المعروضة في هذا السياق مدخلا عمليا لبناء منظومة جنائية حديثة، تنسجم مع المقتضيات الدستورية، وتترجم التزامات المملكة الحقوقية، وتستجيب لانتظارات المجتمع في عدالة ناجعة، منصفة، وفعالة.
على سبيل الختم:
إن المنظمة المغربية لحقوق الإنسان و هي تصوغ مذكرتها الترافعية حول مشروع قانون المسطرة الجنائية و إن كان هذا المشروع قد قطع أغلب أشواطه التشريعية، فإن تقديم هذه المذكرة برأيها المستند على المعيار الحقوقي الصِّرف يجعل منها مذكرة ستظل لها أهميتها خاصة لحظة دخوله حيز التنفيذ و الإنتقال لمرحلة تطبيق المسطرة الجنائية بمضامينها الجنائية المستجدة التي ستُوحب على القطاع الحكومي الوصي على تنزيلها استحضار كل الملاحظات التي تم تقديمها سواء في هذه المذكرة أو غيرها قصد الأخذ بها لتجويد الممارسة بما يخدم السياسة الجنائية و أهدافها الكبرى انطلاقاً من مرتكزاتها الكبرى، و هو ما سيجعلنا كمنظمة مغربية لحقوق الإنسان مواكبين لهذا المسار المرتبط بالممارسة لضمان حماية حريات الأفراد و حقوقهم الأساسية.