الأربعاء 24 إبريل 2024
فن وثقافة

تاريخ مدينة أبي الجعد تحت مجهر مركز جسور

تاريخ مدينة أبي الجعد تحت مجهر مركز جسور مركز جسـور للدراسات والأبحاث ينظم ندوة وطنية تحت عنوان:  "أبي الجعد من الزاوية إلى المدينة"
ينظم مركز جسـور للدراسات والأبحاث في العلوم الإجتماعية وتقييم السياسات العمومية  ندوة وطنية تحت عنوان:  "أبي الجعد من الزاوية إلى المدينة" وذلك بتاريخ 03 يوليوز 2021 بشراكة مع مركز الدراسات والأبحاث الصحراء المغربية التنمية الجهوية والإمتداد الإفريقي  ومع فضاء الذاكرة التاريخية للمقاومة والتحرير أبي الجعد، وجمعية أمل للتنمية والتربية بأبي الجعد.
ويسعى المركز من خلال هذه الندوة إلى تسليط الضوء على المدينة، وإنارة بعض الجوانب المظلمة في تاريخها. وهو الأمر الذي سيعمل على تحقيقه جيل جديد من الباحثين الشباب اختاروا أبي الجعد موضوعا لأبحاثهم، ينضاف إلى جيل الرواد الذين وضعوا أسس البحث التاريخي الأكاديمي حول مدينة أبي الجعد . ويأتي تنظيم الندوة لتجديد الكتابة التاريخية حول المجال البجعدي، والدفع بالبحث العلمي عموما والتاريخي خصوصا بخطوات للأمام للمساهمة في تنمية هذه المدينة العريقة، ولم لا استخدام هذه المعرفة التاريخية في حل بعض المشاكل التي تعاني منها المدينة اليوم. 
وقد احتلت منطقة تادلا أهمية استراتيجية عبر التاريخ، من الأدارسة إلى العلويين، فاقتصاديا تميزت بالإنتاج الزراعي والرعوي إضافة إلى بعض الصناعات الأخرى، وهو ما جعل لمنتوجاتها صيتا ذائعا سواء داخل المغرب أوخارجه، خصوصا أنها كانت معروفة كأقصر وأهم طريق يربط بين فاس ومراكش من جهة، وبين فاس وسجلماسة من جهة أخرى، وهو ما انعكس على ازدهار التجارة بهذا الإقليم. إلى جانب هذه الأهمية الاستراتيجية يكتسي المجال التادلي أهمية روحية كبيرة، حيث استقر به عدد كبير من المتصوفة، وقد عبر العبدوني عن استقطاب المجال التادلي للأولياء بقوله:" إن أكثر بلاد الله أولياء في الغالب تادلة، إن الأولياء يفرون إليها من أوطانهم كما تفر الإبل إلى بلد الرعي".
إن أهمية هذا الاقليم جعلت الدول المتعاقبة على حكم المغرب تحرص على بسط سيطرتها عليه ووضعه بيد أحد المخلصين التابعين (الذي يكون غالبا من أبناء الحاكم على سبيل المثال عين أحمد المنصور الذهبي ابنه زيدان، والمولى إسماعيل ابنه أحمد). وهكذا قام المولى ادريس بفتحها وتعيين من يقوم بحمايتها. وهو الأمر الذي سار عليه المرابطون من بعده إذ أقاموا سلسلة الحصون على طول الدير لتأمين الطرق المهمة التي تمر عبرها. واستمرت تلك الأهمية في عهد الموحدین فكانت تادلا أول منطقة غزاها الخليفة الموحدي عبد المومن بعد بيعته.
بعد هذه الفترة أصبحت تادلا حدا فاصلا بين مملكة مراكش (السعديون) ومملكة فاس (الوطاسيون)، حيث كان نهر أم الربيع حدا طبيعيا يفصل بين الكيانين المتصارعين، وكانت حينها السيطرة على هذا المجال تعني توحيد المغرب تحت راية المنتصر منهما. لذلك شهدت منطقة تادلا أهم المعارك التي دارت بين الطرفين. ضمن هذا المجال التادلي، المهم والحساس في نفس الوقت، تقع مدينة أبي الجعد التي تأسست في القرن السادس عشر ميلادي على يد الشيخ أبو عبيد الله الشرقي، والتي كانت أهم تجمع حضري بين فاس ومراكش. وقد تزايدت أهميتها خصوصا بعد سقوط الزاوية الدلائية، فعلی المستوى الاقتصادي كانت من بين أهم أسواق المغرب، وكانت تروج فيها كل السلع الموجودة في المدن الكبرى. أما على المستوى الأمني فكانت تضمن سلامة القوافل التي تعبر المنطقة خصوصا أنها كانت الحد الفاصل بين بلاد المخزن وبلاد السيبة. أما سياسيا فقد كانت دائما وسيطا بين السلطة الحاكمة والقبائل، كما كانت صلة وصل بين أهل السهل وأهل الجبل. أما فيما يخص الجانب الديني والصوفي فلا يخفى على أحد الدور الذي لعبته الزاوية الشرقاوية التي وصل إشعاعها كل ربوع المغرب.
عموما يمكن أن نقول أن هذه المدينة، ككيان اجتماعي، نجحت في أداء أدوارها التاريخية والحضارية وهو ما جعلها تتحول من مجرد زاوية إلى مدينة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وذلك بفضل التكافل والتناغم التام بين مختلف مكونات بنيتها الاجتماعية المتمثلة أساسا في الزاوية وسكان المدينة، إضافة إلى محيطها القبلي، دون أن ننسى الأقليات التي استوطنتها. وهذا استطاعت المدينة أن تكون فاعلا مهما في الكثير من الأحداث التاريخية بالمغرب عموما، وفي المجال التادلي خصوصا. ولم يبدأ نجم هذه المدينة في الخفوت إلا بعد دخول المستعمر الغاشم إلى المنطقة. لكن للأسف رغم الأدوار الطلائعية التي لعبها المجتمع البجعدي عبر التاريخ، مازالت الكثير من الحلقات في تاريخ المدينة مفقودة.