الخميس 18 إبريل 2024
كتاب الرأي

جبران خليل: حزب البيجيدي وقته قد نفد وحديث عن تحالف يقوده الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال

جبران خليل: حزب البيجيدي وقته قد نفد وحديث عن تحالف يقوده الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال جبران خليل
ممارسة حق التصويت والمشاركة في الاقتراحات المختلفة، ممارسة مواطنة يعبر بها الناخب عن رأيه في السياسة العمومية لبلده، وذلك من خلال اختياره لمن ينوب عنه سواء على المستوى المحلي أو الوطني.
وهذا الحق، سالت من أجل إحقاقه للمواطنين دماء غزيرة وناضل من أجله الكثير من الشرفاء والرواد عبر العالم وفي بلدنا أيضا، حتى تسنى لفئات مهمة من المجتمع التعبير عن رأيها ومواقفها واختياراتها.
هذا الحق الثمين، كما رأينا، نلاحظ أن الكثيرين من مواطنينا وشبابنا على الخصوص لا يحفل به ويعزف عن ممارسته، حتى أصبح هذا العزوف ظاهرة وطنية، حيث شارك في الانتخابات النيابية الأخيرة (أكتوبر 2016) مثلا أقل من نصف الناخبين المسجلين معظمهم من القرى والمدن المتوسطة، بينما بلغت نسبة المشاركة في مدينة كالدار البيضاء أقل من 25 بالمائة من الناخبين المسجلين.
ورغم بعض المحاولات الخجولة من طرف هيئات المجتمع المدني، لتشجيع الشباب والمواطنين عموما على التوجه نحو صناديق الاقتراع، إلا أن ظاهرة العزوف تسير في منحى تصاعدي.
لذلك فلا أرى شخصيا أي عامل جديد من شأنه أن يدفع إلى تغيير منحى هذا التوجه نحو الانخفاض، إذ أن فئات كثيرة من الشباب لا تعبر الانتخابات أي تقدير، بل على العكس نراها تعبر علانية عن نفورها منها واستخفاف بها، عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت متنفسها شبه الوحيد التي تعبر من خلالها عن آرائها وتوجهاتها ومواقفها.
ويفسر البعض هذا العزوف - من طرف الشباب، القوة المحركة للمجتمعات ومن طرف النخبة المجتمعية من أطر ومثقفين - بالقدم والترهل اللذين تعاني منهما الأحزاب السياسية الوطنية، إذ فقدت هذه الأحزاب بريقها وقدرتها على جذب وتأطير الشباب، واكتفت بحفنة من المريدين الانتهازيين الذين يتشابه جميعهم  رغم اختلاف انتماءاتهم الحزبية، لذا فإن استحقاقات2021 القادمة لن تشكل تحولا نوعيا في الحياة السياسية المغربية طالما أن الأحزاب السياسية متقوقعة في دكاكينها، وطالما أن الدولة (بعضهم يسميها الدولة العميقة أو المخزن) لم تتقدم بمشروع مجتمعي يجد الشباب والأطر العازفة والنافرة من العمل السياسي موقعا لهم تحت شمسه.
وطالما ظلت الدولة العميقة مرتاحة لمشهد لا تحتل فيه الأحزاب المكانة المتقدمة في المجتمع، بل تكتفي الأحزاب السياسية بتأثيث مشهد تكون فيه بيادق صغيرة ومتفرقة داخل رقعة شطرنج كبيرة، فإن انتخابات 2021 لن تقدم مفاجآت باستثناء تغيير مواقع البيادق داخل رقعة الشطرنج القادمة.
وبناء على هذا، فإن حزب العدالة والتنمية الذي جاءت به ظروف خاصة (الربيع العربي وصعود التيار الإسلامي في العالم العربي) يكون قد استنفد رصيده وتآكلت حظوظه مع قراراته اللاشعبية (الإجهاز على صندوق المقاصة والزيادات المهولة والمنتظمة في الأسعار...) والفضائح الأخلاقية (وهو الداعي إلى الأخلاق الحميدة حامل نبراسها) التي اقترفته قياداته المختلفة. لذلك فإن «وقته قد نفد»، وعليه أن يتراجع للخلف ويترك المجال لحزب جديد وقيادة جديدة.
وفي هذا الإطار يتم الحديث عن مشهد سياسي جديد/قديم يتمثل في تحالف يقوده الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال.
وهذا السيناريو وارد باعتبار أن الحزبين معا -رغم تكلسهما- يعتبران من الأحزاب الوطنية العريقة التي لها جذور في المجتمع -عكس الأحزاب المصطنعة المجتثة الجذور- إضافة إلى كونهما شكلا في السابق تحالفات سواء أثناء المعارضة أو أثناء قيادة الحكومة.
ومع ذلك، فإن هذا ليس هو السيناريو الوحيد، إذ من الممكن ترتيب أغلبيات حكومية متنوعة وفقا لنتائج الانتخابات التشريعية المقبلة، لسبب بسيط هو أن التحالفات الحكومية بالمغرب لا تبنى على أسس إيديولوجية واضحة أو على برامج سياسية تتحمل فيها جميع الأحزاب المشاركة مسؤوليتها فيها. فمن الممكن صنع برنامج حكومي على عجل وانتقاده بعد أسابيع على الشروع في تنفيذه. 
هذا الاستخفاف بالعمل السياسي والتنصل من المسؤولية هو ما يزيد في إبعاد المواطنين عن السياسة، وهو ما يعطي تلك الصورة القميئة للسياسة والسياسيين في نظر المواطنين.
لهذا فإن إعادة الاعتبار للعمل السياسي وإعادة النبل للممارسة السياسية، رهين بتراجع الدولة العميقة عن تصورها للمشهد السياسي كمسرح دمى ودفع الأحزاب السياسية إلى التجذر الحقيقي في المجتمع كي ينخرط الشباب وغيرهم انخراطا حقيقيا يشعرون من خلاله أنهم يصنعون المستقبل ويطمحون إلى الأفضل.
جبران خليل، صحافي متقاعد من جريدة "الاتحاد الاشتراكي "