الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

بوبكري: رفض القومجيين وشيوخ جماعات الإسلام السياسي الحوار ودعوتهم لخوض حرب بالوكالة عن إيران

بوبكري: رفض القومجيين وشيوخ جماعات الإسلام السياسي الحوار ودعوتهم لخوض حرب بالوكالة عن إيران محمد بوبكري
لقد انتهى بي تتبعي لخطابات القومجيين وشيوخ جماعات الإسلام السياسي المناوئين للوحدة الترابية المغربية بحجة أن المغرب تخلى عن القدس من أجل نيل اعتراف الولايات المتحدة بشرعية سيادته على صحرائه، حيث يدعي هؤلاء أن القدس أعلى مرتبة من الصحراء المغربية، لأنها قضية عقدية، إلى استهجان هذه التمثلات الشاذة التي لا يقبلها الدين، ولا العقل، ولا التاريخ.
 
ويعود ذلك إلى أن هؤلاء اختزلوا الإسلام في القدس، ما يعني الحط من شأنه، لأنه أكبر بكثير من أن تقاس القدس به، كما أنها لا تجسد عظمة الإله. إنني لا أنفي الرمزية الدينية للقدس، ولكني أنظر إلى فلسطين بكونها وطنا ينبغي أن يكون للفلسطينيين حق فيه. أما أن يتم تقديس القدس لدرجة تأليهها، فهذا أمر مرفوض لا يقبله أي مؤمن، حيث لم يرد هذا التقديس في القرآن الكريم. كما أن الخالق لا يمكن أن يكون موضوعا مستقلا بذاته، والخطاب الصوفي المسلم يرفض ذلك. إن تقديس القدس يكشف رغبة في تديين القضية الفلسطينية، واختزال الصراع السياسي في الشرق الاوسط في مجرد كونه صراعا دينيا يدفع في اتجاه الانخراط في حروب هدامة لا يجني منها المنخرطون فيها إلا خراب الذات وخراب الآخر معا..
ولا يختلف القومجيون عن شيوخ جماعات الإسلام السياسي التكفيري الذين تقوم علاقتهم بالآخر على أساس أنهم هم الأصل والصواب، وأنه هو الخطأ، وهذا ما جعلهم يعتقدون أنه يجب أن تكون العلاقة بينهم وبين الآخر على حسابه، أو إلغائه لصالح ذواتهم، حيث تقوم هذه العلاقة على ثنائية الأشياء، وعلاقة التضاد القائمة بينها، ما يستحيل معه الدمج بين طرفي هذه الثنائيات أو على الأقل التوفيق بينهما، مثل الخير والشر، والصواب والخطأ. فالقومجيون، كالإسلامويين، لا يعترفون بالآخر، بل قد يتحالف الاثنان ضده، حيث يندمجان في أحيان كثيرة إلى حد يعجز المرء عن التمييز بينهما. ويعود ذلك إلى أصلهم القبلي التقليدي، حيث يجتران ثقافة القبيلة والطائفة الغارقتان في التقليد والعنصرية في آن واحد.
وتجدر الإشارة إلى أن الصراع بين الأنا والآخر هو صراع طويل يعود إلى بدايات وجود الإنسان على الكرة الأرضية، كما أنه يدخل في أخص العلاقات الإنسانية، لأنها من حيث طبيعتها قائمة على أساس الاختلاف والتغاير لا التمازج والاندماج الكامل.

 
وتكمن مشكلة مجتمعات الشرق الأوسط في أن الآخر غير موجود في ثقافتها القومجية-الإسلاموية، حيث يتم تذويبه في الذات. فهذه الثقافة لا تعترف بالآخر بكونه مختلفا ومغايرا، وبذلك فهو يكاد أن يكون غير موجود في هذه المجتمعات؛ فالقومجيون والإسلامويون لا يعترفون به بكونه كامل الشخصية والحقوق مثل ما لهم شخصيتهم وكامل حقوقهم. لذلك فالعلاقة بين الذات والآخر في هذه المنطقة هي علاقة شاذة يجب أن ٌيعاد فيها النظر لكي تتحول من الرغبة في إقصائه والقضاء عليه إلى الاعتراف به... ولا يمكن للدين، ولا للقبلية، كما يمارسان اليوم في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن يقدما أي حل لأي شيء بما في ذلك علاقة الذات بالآخر، لأن الإرهاب التكفيري والنزعة القومجية القبلية قد تحولا إلى مصدر للمشكلات والدمار. وفي موازاة مع ذلك، لا يمكن لأي ديمقراطي أن يقبل المواقف النائية عن الدين أو اللامبالية به، لأن الديمقراطية تحترم حرية التعبير والمعتقد وتحميهما، كما أنه لا إكراه في الدين. وفي هذا الصدد، أرى أن الدين تجربة روحية شخصية، وبالتالي يجب فصله عن السياسة، حيث كلما استعمل الدين والقومجية القبلية في السياسة أفضى هذا الاستخدام إلى العنف والإقصاء، ما يجرد الدين من أبعاده الروحية ويحرفه ويقضي على ما يفيض منه من حب وجمال... لكن عملية الفصل بين ما هو ديني وما هو سياسي ليست مجرد فكرة نظرية، بل تتطلب مشروعا ثقافيا وسياسيا، وتأطيرا، وعملا ومثابرة ووقتا... أضف إلى ذلك أنه ينبغي أن تكون علاقة الإنسان بخالقه علاقة حب فردية كما يعيشها المتصوفة. فالإنسان في حاجة إلى الإيمان ليحل مشكلاته مع الغيب، ما يستوجب الدفاع عن هذا الحق. لكن إذا تحول الإيمان إلى مؤسسة أو سياسة أو نظام يُفرض على المجتمع بكامله، فإنه ينقلب إلى عدوان. فالدين قوي، ولا يخاف من الحرية، كما أنه يعترف بالآخر، ولا يمكنه أن يكون دينا بدون هذا الاعتراف، لأنه لن يكون هناك تواصل ولا إقناع، وإنما حروب مدمرة تفضي إلى الخراب، في حين أن الدين في عمقه محبة وليس دمارا...
لم يعد اليوم ممكنا لدولة في هذا العالم المتغير أن تنعزل عن المجتمع الدولي، وكأن في إمكانها بمفردها أن تعيش حياتها بأسلوب يخصها في الحكم والإدارة... لذلك أصبح ضروريا أن يدرك العرب والمسلمون أنهم جزء من هذا العالم، وأنه ينبغي أن تكون ثقافتهم جزءا من ثقافته، وأن تكون مجتمعاتهم جزءا من المجتمعات البشرية التي خرجت من القرون الوسطى، وفصلت بين الدين والسياسة، واعترفت للفرد بحرياته وحقوقه، أنثى كان أو ذَكرا... فصارت هذه الطريق كونية ينبغي أن نسلكها لنبني مجتمعا يقوم على المواطَنَة وثقافة حريات الإنسان.
 
وإذا كان القومجيون والإسلامويون يكرهون الآخر ولا يقبلون بوجوده، ما جعلهم يرغبون في تدميره، فإنهم لا يستفيدون من دروس التاريخ، حيث تأكد للجميع بعد حرب أكتوبر1973 أن مشكلة الشرق الأوسط لا يمكن أن تحل بالحروب. لذلك، لم تعرف المنطقة حربا مثلها منذ ذلك التاريخ. فالحوار هو الحل، وما عدا ذلك يؤدي إلى الخراب.
لذلك، فإن اتفاقية الرباط التي وقعها المغرب مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل هي مدخل للسلام في شمال أفريقيا وفي دول الساحل، وفي أفريقيا. لهذا، تشكل معارضتها معارضة للسلام، انسجاما مع ما يريده حكام إيران الذين يدفعون في اتجاه الحرب وهم عاجزون عنها. لأنهم واعون بعواقبها الكارثية. ويمكن أن أقول إنه ليست هناك دولة في إسلامية قادرة اليوم على الدخول في الحرب. وما لا يعلمه أغلب الناس هو أن إيران تدفع في اتجاه الحرب حتى تتمكن من التفاوض باسم العرب والمسلمين. بهدف الخروج من الحصار الذي كاد يخنقها؛ فهي ضعيفة، ولن يتحاور معها أحد، ما يعني أنها لن تخرج من ورطتها، لأن العالم أصبح واع بأهدافها التوسعية وما تحيكه من مؤامرات ضد جيرانها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا...

 
هكذا، فإن رفض الآخر يعني الدعوة إلى الحرب التي لا يستطيع أحد تحمل عواقبها. أضف إلى ذلك أن الزعامات القومجية وشيوخ جماعات ا ِلإسلام السياسي لا يريدون السلام في الشرق الأوسط، لأنهم يسترزقون بالقضية الفلسطينية ويدعون الدفاع عنها؛ فهم مجرد تجار يرغبون في استمرار النزاع حتى لا تنقطع عنهم المداخيل التي يجنونها من وراء تجارتهم هذه.