الخميس 28 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد الشمسي: المحاماة بعد الانتخابات بين التطلعات والإكراهات

محمد الشمسي: المحاماة بعد الانتخابات بين التطلعات والإكراهات محمد الشمسي

أنهت مختلف هيئات المحامين بربوع المملكة انتخاباتها المهنية لاختيار نقبائها وأعضاء مجالسها لولاية تمتد لثلاث سنوات...، يثار خلاف بين من يراهن على تلك الانتخابات لتمتين وتقوية المحاماة، وبين من يرى أنها لا تعدو أن تكون روتينا يفرضه القانون كل ثلاث سنوات، وسرعان ما يتحول فيه المجلس والنقيب إلى رقم في العداد الانتخابي...

 

يرى بعض المتتبعين أن مهنة المحاماة بالمغرب تنزف في صمت وهي تفقد كثيرا من بريقها، حيث لم يعد رجالها ونساؤها يتبوؤون مناصب عليا كما كانت، مثلما وضع أهلها سلاح النضال والكفاح من أجل ليس فقط سيادة القانون بل الضغط في اتجاه تجويد هذا القانون بكشف عيوبه للحث على تعديله أو نسخه، وجعله قانونا يصلح لكل الإنسان، بغياب ملحوظ للمحامين والمحاميات عن قيادة وإنشاء جمعيات المجتمع المدني ذات الارتباط الوطيد والوثيق بالقانون وحقوق الإنسان...

 

وهناك من يرى أن الدولة فرطت في مهنة المحاماة وفي أهلها، وأنها لم تسع الى تفعيل التزاماتها حيال المحامين والمحاميات رغم مصادقتها على الاتفاقيات الدولية التي تلزم الدولة بالنهوض بوضعيتهم، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، المبادئ الأساسية بشان دور المحامين التي اعتمدها مؤتمر الامم المتحدة الثامن لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين المنعقد في هافانا بتاريخ 7 شتنبر 1990 والتي تضع قرابة 30 التزاما للمحامين والمحاميات على عاتق الحكومة، ومنها أن الحكومة تكفل للمحامين القدرة على أداء جميع وظائفهم المهنية بدون تخويف أو إعاقة أو مضايقة أو تدخل غير لائق وقدرتهم على الانتقال إلى موكليهم والتشاور معهم بحرية وعدم تعريضهم أو تهديدهم، كما تلتزم الحكومة بتوفير ضمانات لحماية المحامين إذا تعرضوا للخطر جراء تأدية وظائفهم...

 

ويرى هؤلاء أن الدولة رفعت يدها على القطاع وتركته يواجه مصيره في منعرج لا يؤمن إلا بطفرة تكنولوجية تبتلع كل أداء أو ممارسة تقليدية، في عالم بات أصغر من قرية صغيرة، ويمكن اختزاله في هاتف محمول، بالمقابل تواصل الدولة إغراق القطاع بأفواج جديدة من حملة شواهد الكفاءة، دون أن تواكب ذلك بأي تدخل يجعل تلك الأفواج قادرة على تلقي تكوين وسند يؤهلها لممارسة مهنية في ظروف تضمن الحد الأدنى من نبل مهنة.

 

ولعل أهم حاجز يعوق الهيئات المنتخبة لزحزحة الوضع غير المريح لأصحاب البذلة السوداء هو القانون المنظم للمهنة نفسه، سواء الذي يسود ويحكم حاليا أو مشروع القانون الذي تجري مناقشته، فهذا القانون شأنه شأن سابقيه يلجم المحامين ويبقي على المحاماة في تبعية بينة لوزارة العدل من جهة، ومن جهة ثانية يشكو هذا القانون كسابقيه من نقص في دمقرطة مهنة ترتبط وجودا وعدما بالديمقراطية، حيث يظل منصب النقيب حكرا على محامين بعينهم يتناوبون على تبوئه، في غياب تحديد وضبط عدد مرات شغل المنصب، استحضارا لمبدأ تكافؤ الفرص لاحتلال منصب هو في بدايته ونهايته ينبني على تحقيق أكبر قدر من أصوات الناخبين وهو ليس درجة علمية، شأنه في ذلك شأن عضوية المجالس، بالإضافة إلى الظلم الذي تعيشه المحامية وسط عالم الرجال في مهنة ملتصقة بالدستور والقانون والاتفاقات الدولية وتقتات من مبدأ المساواة، فالقوانين المنظمة لمهنة المحاماة لم تقو على ضمان تمثيلية مشرفة للنساء المحاميات في المجالس المنتخبة، في الوقت الذي يبقى فيه تقلد المحامية لمنصب النقيب هو المستحيل الثامن .

 

وإذا كان هناك من يرى أن قطار المحامين انحرف شيئا ما عن مساره الحقوقي والنضالي، فإن لذلك مبررات تتمثل في بعض الإكراهات التي تجبر المحامي والمحامية على الهرولة خلف لقمة العيش أو المعيش اليومي في واقع قاس، بعدما تنكرت الدولة لدورها في دعمه، وتركته يشتغل بإمكانياته الذاتية البسيطة في مجتمع وفي بلد باقتصاد هش ودخل فردي ضعيف، وتفشي الأمية التي تحول دون شيوع ثقافة قانونية توضح للناس حقيقة دور المحامي الذي ينتمي لأسرة قضاء عصي على الإصلاح، وقد دخل شرنقة الاستقلال على الأوراق في انتظار استقلال حقيقي تجسده الأحكام القضائية.