الجمعة 29 مارس 2024
كتاب الرأي

محمد بوبكري: صراع جنرالات الجزائر الذي قد ينتهي بانقلاب

محمد بوبكري: صراع جنرالات الجزائر الذي قد ينتهي بانقلاب محمد بوبكري
يجمع الباحثون على أن الجزائر يحكمها نظام عسكري، إذ جنرالات الجيش هم المتحكمون في كل القرارات، حيث يفرضون الرؤساء ومختلف المسؤولين ويعزلونهم كلما اختلفوا معهم، بل قد يسجنوهم أو يغتالوهم إذا اشتد خلافهم معهم. ولا يعني هذا أن جنرالات الجزائر منسجمون فيما بينهم، بل إنهم موزعون إلى مجموعات قد تتحالف مرة وقد تتقاتل مرات أخرى. ويبدو اليوم أن الجزائر تمر بفترة عصيبة نتيجة صراع الجنرالات وتصفية الحساب بينهم. ويرى المتتبعون المهتمون بدراسة الأوضاع الداخلية للجزائر أن هذه البلاد عرفت مؤخرا عودة الجنرال خالد نزار أحد رؤساء أركان الجيش السابقين الذي كان مقيما بإسبانيا، والذي انقلب على الشاذلي بن جديد ولعب دورا رئيسا في فرض عبد العزيز بوتفليقة، والذي سبق أن حكم عليه القضاء العسكري بـ 20 سنة سجنا، كما صدرت في حقه مذكرة بحث دولية. ولما دخل مؤخرا إلى الجزائر، بدل أن يخضع للمساطر القضائية للحصول على تبرئة رسمية، أصر على أن يتوقف أمام المحكمة العسكرية، واستل نص الحكم الصادر في حقه، ومزقه أمام الملأ. وهذا ما يعني أنه كان يعرف أن له ضمانات وحماية، وأن أية عواقب لن تترتب عن سلوكه هذا.
وتتميز هذه المرحلة كذلك بمغادرة الجنرال توفيق للسجن، حيث سبق أن حكم عليه القضاء العسكري بـ 15 سنة. وقد تم إخراجه من السجن بمبرر أنه مريض، وأنه في حاجة إلى العلاج. وتبرر المصادر الرسمية الجزائرية مغادرته للسجن بكونه مريضا، وبحقه في العلاج، وذلك وكأن النظام العسكري الجزائري له قيم تجعله يتميز بنزعة إنسانية. وهذا الكلام الرسمي هو مجرد ذر للرماد في العيون. لأن الجنرال توفيق يوجد الآن في منزله، حيث يقيم قرب كل من الجنرال خالد والجنرال شنقريحة.
يتميز الجنرال توفيق بجبروته وشدة عنفه وجرائمه التي يشيب لها الولدان، حيث كان يقول عن نفسه: " أنا رب الدزاير". أما الجنرال خالد نزار، فهو معروف بدمويته، حيث يتحمل مسؤولية قتل عدد من الجزائريين غير معروف، يقدره البعض في  نصف مليون جزائري، لأنه كان وراء العشرية السوداء التي كان ضالعا هو  وأفراد جماعته في حدوثها، نتيجة ابتزازهم للشاذلي بنجديد واختراقهم للمجتمع الجزائري آنذاك، وللإسلاميين كذلك، فتمكن وجماعته من خلق شروط الاستيلاء على السلطة، حيث تم لهم ذلك. فما فعلوه لم يكن نابعا من وطنيتهم ولا من محبتهم للبلاد وللشعب الجزائري، بل كانوا يسعون إلى الاستيلاء على السلطة بغية الاستحواذ على عائدات البترول والغاز وتهريبها إلى الخارج، ليتم استثمارها هناك بعيدا عن أعين المواطنين الجزائريين الذين اعترف الرئيس الحالي "تبون" نفسه أن نسبة كبيرة منهم توجد تحت عتبة الفقر...
كما تمت مؤخرا إقالة الجنرال "بوزيت" الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات الخارجية، الذي من المحتمل أن يقدم إلى المحاكمة لاحقا بهدف اعتقاله، وتم العثور مؤخرا على الجنرال عمار بوسيس، مدير القضاء العسكري، مقتولا في سيارته.
إضافة إلى ذلك، فقد قام مؤخرا البرلماني السابق بهاء الدين طليبة المعروف لدى الجزائريين باسم "أمير عنابة"، بتقديم شهادة ضد أبناء الجنرال القايد صالح وصهره الذين كان يمارس التجارة معهم. ويعد بهاء الدين طليبة من أغنى أغنياء الجزائر، وكانت تجمعه صداقة متينة مع إخوة عبد العزيز بوتفليقة. وما يثير الشك هو أن هذا الرجل محكوم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، قضى منها لحد الآن فقط أكثر من سنة واحدة بقليل في السجن، فكيف استطاع أن يقدم هذه الشهادة ضد أبناء القائد البشير وصهره، وهو ما يزال في الاعتقال، ويعرف جيدا أن ذلك قد يؤدي إلى تمديد مدة اعتقاله؟ ومن المعلوم أن هذا الرجل ليس ساذجا، أو معتوها حتى يزج بنفسه في مستنقع مشاكل أخرى، ما يفيد أن "بهاء الدين طليبة" له ضمانات بألا يلحقه أي أذى من شهادته هذه، بل صار مؤكدا أنه كان مدفوعا إلى ذلك دفعا ليتمكن خصوم قايد صالح من النيل من أبنائه وصهره، حيث لم يسبق لـ " بهاء الدين طليبة" أن أدلى بأي شيء من هذه الشهادة خلال كل من جلسات المحكمة الابتدائية، أو الاستئنافية.
فضلا عن ذلك، فقد عاد "الرئيس تبون" إلى الجزائر قادما إليها من ألمانيا التي ذهب إليها قصد العلاج، لكنه لم يعد يمارس مهامه، إلا ما يتعلق منها بتوقيع قرارات الإقالة في حق المغضوب عليهم، أو لصالح بعض الذين يحظون برضى التحالف الشكلي الذي يعد العدة للانقلاب على بقايا أنصار  القائد صالح وأتباعه في الجناح العسكري الحاكم حاليا. وقد يتم ترحيل عبد المجيد تبون مجددا إلى ألمانيا، أو إلى بلد أوروبي آخر بدعوى استكمال العلاج، لأن هذا الأخير قد تم فرضه رئيسا من قبل القائد صالح الذي يقول المتتبعون إنه مات متسما من قبل خصومه. وهذه هي مأساة حكام الجزائر، حيث ينحي بعضهم بعضا.
تؤكد هذه المعطيات وغيرها أن هناك مخططا خطيرا تتعرض له الجزائر، حيث من المحتمل جدا أن يتم انقلاب لتحالف عسكري ضد الجناح العسكري الحاكم حاليا.
لقد كان هدفي من وراء سرد هذه المعطيات هو تسليط الضوء على ما يجري في هذا البلد الشقيق الذي نتمنى لشعبه الاستقرار والازدهار...