الخميس 25 إبريل 2024
كتاب الرأي

عبد المنعم الكزان: جدلية الإنتخابات والديمقراطية في زمن كورونا

عبد المنعم الكزان: جدلية  الإنتخابات والديمقراطية في زمن كورونا عبد المنعم الكزان

تعتبر الانتخابات الوسيلة الإجرائية الملموسة تكريس الخيار الديمقراطي باعتباره الأداة التي تتبلور من خلاله حرية الإرادة للشعب /الجمهور والتي في الأخير تفرز لنا نخبا تعتبر ممثلة جماعة المواطنين القانونية باكتسابها تلك الشرعية الشعبية عن طريق هذا التفويض الشعبي، ثم يتم بعد ذلك تشكيل المؤسسات التشريعية والتنفيذية وسائر المؤسسات التي تسهر على تسيير المدينة /الدولة، طبعا هناك مجموعة من المدارس السوسيولوجية والقانونية والفلسفية ناقشت مسألة التمثيلية منذ ربيع الفكر الإغريقي، والفارابي ثم إبن خلدون .. سبينوزا .. فلاسفة العقد الإجتماعي .. ثم أخيرا المدارس الحديثة والمعاصرة اشتراكية شيوعية ليبرالية، يطرح السؤال من جديد، ماهي حدود التمثيل الفعلي للمؤسسات السياسية التي يتم اختيارها بناءا على هذه الإرادة الحرة للجمهور/ الشعب أو حتى فئة معينة؟

وهل هناك عوامل أخرى تساهم في تغليف هذه الإرادة والقناعة الحرة؟ الدين، القبيلة، الإعلام  الإقتصاد، العائلة، الثقافة،..... إذ معه لم يعد بالإمكان الحديث عن تمثيلية حقيقية للشعب، كما أن هؤلاء اللذين يمثلون السيادة الشعبية عن طريق الإجراء الإنتخابي يتحولون إلى أولغارشيات تقتسم حقول الهيمنة الاقتصادية والاجتماعية والأكاديمية،ثقافية ،سياسية في ما بينها، كما تقوم بعمليات تبادل الهيمنة في هذه الحقول في ما بينها، وما زاد من تأزيم هذه الديمقراطية التمثيلية هو التحولات العالمية خصوصا على مستوى '' السوشيال ميديا''مما عمق الأزمة بحيث حدت بشكل كبير من تأثير الأحزاب والنقابات والمجتمع المدني، بل أصبحت هذه الأخيرة تبدو منفصلة عن المجتمع وأحيانا سبب مأساته، وعليه أصبحت هذه السيادة الشعبية منفصلة عن الحقول السياسية، نظرا لأن هناك قنوات أخرى يتم من خلالها التعبير عن قضايا الجمهور، مما خلق أزمة بنيوية، ساهمت فيها الممارسات السياسية للنخب السياسية من خلال تكريس فعل القرابة والعائلة مقابل الكفاءة ؛والزبونية والولاء، مقابل العدل والإنصاف.

مما يعود بنا إلى عصر الكنيسة والنبلاء والاقنان، أوعصر السادة والعبيد .

هذا العصر الذي تم تجاوزه بوجود الأحزاب والنقابات وجمعيات المجتمع المدني، لكن هذه الأخيرة كما أسلفنا تم تقويضها عن طريق ''السوشيال ميديا '' إما على مستوى الخطاب أو التأثير، إضافة إلى مساهمة العمل عن بعد في تقويض الفعل النقابي.

ورغم هذه التحولات السياسية التي أفرزت لنا نخبا شعبوية عوضت اليسار سواء في المغرب أو بعض دول العالم، أو نجاح بعض القوى الليبرالية في ممارسة السلطة في دول أخرى ؛لم تستطع هذه التحولات أن تكبح إحساس فئات واسعة من الشعب على مستوى المغرب العالم بالغبن، والحرمان، والتهميش، والتلاعب بإرادتها العامة لصالح الطبقات الأوليغارشية، لتحافظ على مصالحها أو تقوي آليات الهيمنة على مجموعة من الحقول مما يقف سدا منيعا أمام هذه الفئات للإستفادة من ثمار النمو، وتوزيع الثروة.

وهذا الأمر ظهر جليا في أزمة كورونا بشكل واضح من خلال ضعف البنية الصحية من جهة؛ وضعف الحكومة والنخب السياسية الجهوية والمحلية في التعاطي مع الأزمة اقتصاديا واجتماعيا من جهة أخرى.

مما يفرض بالضرورة العودة إلى إحياء دور الدولة الوطنية كمدخل لإصلاح هذه الاختلالات والبحث عن أشكال جديدة لضمان السلم الأهلي  وإعادة إحياء السيادة الشعبية سواء على مستوى القوانين أو على مستوى التفعيل والتداول المؤسساتي يمكن معه إعادة إحياء الأمل في مستقبل الديمقراطية والتنمية.


عبد المنعم الكزان باحث في السوسيولوجيا