الأحد 19 مايو 2024
كتاب الرأي

عبد الإلاه حبيبي: لماذا تهاجر الأطر وطنها؟

 
 
عبد الإلاه حبيبي: لماذا تهاجر الأطر وطنها؟ عبد الإلاه حبيبي

ظاهرة هجرة الأطر للبلد ليست شيئا عاديا، لا ينبغي حسابها كواقعة ثانوية، أو موقفا معزولا لأشخاص وجدوا في الخارج ما لم يجدونه في وطنهم.. إنها علامة على خلل ما، إنذارا بتفشي الشعور بعدم الجدوى هنا في هذا الوطن المكلوم، شيء ما غير طبيعي يوحي بالهجرة، يزين المنفى، يرفع من درجات التوتر النفسي والقلق الداعي إلى المغادرة، وركوب سفينة الهروب.

 

السؤال كبير ويخفي الكثير من المعضلات، لكن المهم في هذا كله هو لماذا يفضل أصحاب العقول النوعية البحث عن فرص أخرى في بلاد الغرب، لماذا يتركون البلاد، والأحباب، والعادات، والهواء ورائحة التربة والأشجار، ويرحلون فجرا إلى حيث لن يعودوا أبدا، هل في الأمر مشكلة مالية؟ أو رغبة شخصية في تحقيق الذات؟ أو عدم الشعور بالاعتراف والاحترام من لدن المشغلين المحليين؟ أو هناك أزمة أجواء عامة تشجع العقول النيرة على الانصراف بعيدا، وطرق أبواب مجتمعات أخرى بحثا عن هواء نقي، أو عن علاقات اجتماعية راقية، أو عن تواصل رفيع، أو عن حرية مفقودة؟

 

السؤال كبير وهو بحجم أزمة بلاد تتخبط في المسارات، بقوة مجتمع يعجز عن اختيار طريق يلائم طموحات أبنائه وأحلام بناته، هو سؤال يختزل إشكالا تاريخيا، أو يكشف عن مأزق العبور نحو التنمية الحقيقية، بما فيها السماح للإنسان بأن يكون كما يريد، وبأن تعطى له الإمكانيات والوسائل لتحقيق ذاته، والعيش على منوال افقه الفكري والنفسي...

 

في تحريك الماء الساكن تتشكل الشجون على شكل تموجات هاربة، أما المقاربة الجدية فتقتضي مقالا دقيقا، لكن البحر الذي يلتهم الشباب الهارب من وضع نمطي يتكرر باستمرار أمر مفهوم، أما أن يغامر الإطار والمهندس والطبيب بركوب نفس الموجة، والتخلي عن الأرض والسقف والثدي والهواء والطقوس، فهذا مشهد يغري بالتوقف عن كل تلاعب بالألفاظ والوجدان، العقول لا تغادر أعشاشها إلا إذا شعرت بأن غذاءها أصبح نادرا في محيطها القريب... لهذا تصبح أرواحا مهاجرة...