الأربعاء 1 مايو 2024
كتاب الرأي

إبراهيم يسري: كيف بمقدور الذكاء الاصطناعي إحداث التغيير في قطاع الخدمات المالية؟

إبراهيم يسري: كيف بمقدور الذكاء الاصطناعي إحداث التغيير في قطاع الخدمات المالية؟ إبراهيم يسري

يشكل التحول الرقمي العالم من حولنا، حيث يعد تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي الأوفر حظا في ذلك، لن يترك أي قطاع صناعي دون أن تمسها الرحلة الرقمية، ومع ذلك تظل صناعة الخدمات المالية (FSI) أحد القطاعات التي تشهد أسرع الآثار وأهمها.

هذا وقد زود العاملون في قطاع الخدمات المالية بكافة المقومات التي تساعدهم على التعامل مع أي تعقيدات طارئة قد تحدث بفعل الذكاء الصناعي، وذلك على المستويين الداخلي (من حيث طرق العمل) والخارجي (من حيث التعامل مع العملاء) على حد سواء.

وتناول تقرير صادر في 2018، عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول "الفيزياء الجديدة الموجهة نحو الخدمات المالية" تحليلا مطولا لهذه الظاهرة، بيد أن أهم شيء يستفاد منه هو أنه لا يمكن التقليل من مدى التغيرات التي يحدثها الذكاء الاصطناعي في هذا الإطار، ذلك أن آثارهذا الأخير على المستوى البعيد تبقى جذرية وقادرة على قلب الأوضاع، مما يزج بالنظام الايكولوجي لصناعة الخدمات المالية في فترة تعيد تنظيمه.

منافسة من الطرف الأضعف

قد هيمنت عادة الشركات الكبرى– ذات باع طويل في السوق-على مستوي قطاع الخدمات المالية. وانطلاقا من هذا المعطى، فقد استفادت نسبيا العديد من المؤسسات في هذا القطاع من سوق يتسم بضعف التنافسية في جلب العملاء ، كما غلب على أدائها بطء عمليات التجديد "لمواكبة تغيرات الزمن". فمجرد دخولنا إلى أدوات ضبط اشتغال التكنولوجيا السحابية وأساليب التحليل الميسرة وتكنولوجيا التعلم الآلي سنرى كيف بوسع شركة ناشئة في صناعة التكنولوجيا المالية - بحيث يغلب عليها الاضطراب والتفكك -أن تزعزع سوقا أو قطاعا بكامله.

وتوفر العديد من هذه الشركات الناشئة الحلول البديلة في مجال الصيرفة والسداد والتحويلات البنكية والمعاشات والقروض وغيرها من الخدمات المالية. وتتميز خدمات هذه الشركات ذات الخدمات الرقمية أساسا بدرجة عالية من السرعة فضلا عن خلقها لقاعدة من العملاء جديدة بالكامل كانت لا تحظى بخدمات كافية من الشركات القائمة سلفا في قطاع الخدمات المالية، مما يزيد الضغط على هاته الأخيرة.

ونتيجة لذلك، شرعت العديد من شركات قطاع الخدمات المالية بتبني الحلول القائمة على التكنولوجيا السحابية والذكاء الاصطناعي أملا في تحسين سرعة استجابتها وحزمة عروض خدماتها وتجارب العملاء. وتشير الدراسات الحديثة الى أن ما يقرب من 40بالمائة من عملاء المصارف الافريقية تفضل المرور عبر القنوات الرقمية لإجراء المعاملات بدل قنوات الأبناك المعتادة.

وتعد المنافسة المضافة جيدة لمجمل الصناعة كما سيستفيد العملاء من التكنولوجيات الجديدة والمحسنة على اعتبار أنها تغير طريقة تفاعل الصناعة مع هؤلاء وتلبي تطلعاتهم.

الذكاء الاصطناعي في صلب التحول الرقمي

ولكن، ماهي أوجه وأشكال هذه التطورات؟ يكمن الذكاء الاصطناعي في صميم الأشياء مثل روبوتات الدردشة والتقييم المتقدم لائتمان العميل وإدارة العلاقة مع العميل والأمن ومكافحة غسل الاموال والكشف عن الغش.

تعتمد روبوتات الدردشة على البيانات الضخمة وتكنولوجيا التعلم الآلي للرد على تساؤلات وانشغالات العميل. فضلا عن قدرتها على تبسيط الدعم الموجه للعملاء والمتعلقةبالخدمات الروتينية مثل المعاملات المصرفية وتقديم التوصيات.إن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ذات التعامل المباشر مع العملاء هي التي تساعد شركات قطاع الخدمات المالية في أن تبقى حاضرة على الدوام من حيث خدماتها مع ترشيد الموارد اللازمة للقيام بذلك.

أما فيما يتعلق بكشف الغش، تتيح التكنولوجيا القائمة على الذكاء الاصطناعي للحواسب محاكاة وتوسيع نطاق عمليات تفكير المحلل البشرى بوتيرة وعلى نطاق يفوقان قدرة البشر. بحيث بمقدورها استعراض تريليونات المعاملات في كل محفظة مالية تجري في المؤسسة. ولهذا السبب،بإمكان المصارف وشركات التكنولوجيا المالية والوسطاء القائمين على المدفوعات كشف او يتم تنبيههم بعمليات احتيال محتملة، بحيث يتلقون التحذيرات من احتمال اختراق بطاقة الفرد او حسابه- بسرعة ونجاعة ودقة–مثلا.

الاستبصار يتفوق على الادراك (التجارب السابقة)

بوسع الذكاء الاصطناعي وأساليب التحليل أن تستخلص استنتاجات انطلاقا من مخزونات هائلة من البيانات والكشف عن التوجهات التي كثيرا ما تتجاوز نطاق حدود الرؤية الآدمية، تتيح نظرة أعمقللمحللين والمستثمرين و ما شبه. كما بوسع الذكاء الاصطناعي أيضا إبداء تقييم للملاحظات العامةعلى الشركات والوثائق وجلب ذلك الشعور المرافق للتحليل والربط بين هذه البيانات المسجلة سلفا للتنبؤ بأداء المؤشرات المالية في المستقبل في جزء من الثانية على وجه التدقيق.

وتوفرهذه الخاصيات قدرا يسيرا من المرونة والقدرة على التكيف في سوق عالمي محفوف بالمخاطر المتزايدة. وباختصار، تضيف هذه الخصائص مستوى جديدا من الذكاء إلى مؤسساتنا. وعند دمج كل هذا مع القدرات البشرية الفريدة في ادارة العلاقات مع الابداعيصبح من الممكن إطلاق العنان للطاقات الكامنة الهائلة لشركاتنا المشتغلة في قطاع الخدمات المالية.

بيوت آمنة وأكثر "ديمقراطية" (دمقرطة)

ومن خلال مجموعة حلول الأمان التي توفرها مايكروسوفت Microsoft (والتي استثمرنا فيها سنويا أزيد من مليار دولار)، نعمل جنبا إلى جنب مع مؤسسات صناعة الخدمات المالية لتحسين معاييرها المتعلقة بالأمان على الصعيد العالمي. وتساعد مجموعة الحلول -على غرار 'صندوق أمانات (ودائع) العميل الخاص بMicrosoft Azure،على سبيل المثال - عملاءنا في عمليات مراقبة وافتحاص (تدقيق) دعم ولوج المهندسين إلى أعباء العمل الحاسوبية على نظامAzure،والتي قد تتضمن بيانات أثناء حل مشكلة الدعم.

وقد حققت هذه الحلول نجاحا باهرا تجلى ذلك من خلال اشتغالنا سويا معInterswitch باعتبارها مجددة في حلول الدفع وشركة متخصصة في صناعة التكنولوجيا المالية في إفريقيا. فمن خلال الشراكة التي أجرتها 'إنترسويتش" Interswitch مع الأبناك والشركات الكبرى في نيجيريا، تسنى لـInterswitch إنشاء خدمة للضمان البنكي على نظامAzure تتيح توسيع نطاق النظم المصرفية غير التقليدية ليشمل المتعهدين غير التقليديين وموردي الشركات ومانحي القروض - مما يتيح لكل منهم إدارة تمويل سلسلة التوريد بشروط موضوعية وبشفافية.

في غضون العقد القادم،يتمثل هدف القارة الإفريقية في جعل 100 مليون افريقي مدمجين ماليا (أو "في رفع معدل اللجوء إلى الأبناك"). ويبدو أن تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي لها من الإمكانات ما يجعلها قادرة على تحقيق ذلك. ومع ازدياد الاعتماد على الذكاء الاصطناعي، فإننا في بحث دائم لمساعدة المؤسسات على الانتقال إلى أحدث الابتكارات مع الاستفادة من استثماراتها السابقة في نفس الوقت.

براهيم يسري، المدير العام الإقليمي لمايكروسوفت، بمناطق شمال وغرب وشرق ووسط افريقيا والمشرق العربي وباكستان