في الوقت الذي بحَّت حناجر المواطنين المغضوب على قدرهم بمختلف المناسبات، إن كانت ندوات أو وقفات تنديدية أو مسيرات احتجاجية، وهم يكررون كون مطالبهم بسيطة ولا تتعدى الحظوة بعيش كريم يحفظ إنسانيتهم، وأن ما كتب لهم من سنين العمر يقضونه كآدميين، خرج الحزب الحاكم في شخص رئيس المجلس البلدي لمدينة أكادير، و"جاها من الأخر" بالإعلان عن التكلف بضمان الكفن مجانا للموتى المغاربة.
وإن كانت المبادرة أخذت طابع الإنجاز غير المسبوق، أو شبيه ما يقول المثل الدارجي "ضربوها فالعين العورة"، فإن قراءة ما بين السطور تكشف وبالواضح المفضوح تحاملا إضافيا على هذا المسحوق، واستهدافا صريحا لما بقي له من فُتات معنوي. كما شأن من يقول لمريض لا يرجى شفاؤه "سير شد ليك شي سداري واستغفر مولاك حتى يدي مول الأمانة أمانتو". بدل مرافقته لمستشفيات العلاج، أو على الأقل مده بجرعة أمل نفسية ربما قد يكون لها مكان في تجاوز محنته.
وبعيدا، عن الخوض في أبعاد " كل نفس ذائقة الموت" و"ماعرفنا شكون السابق"، نظر مجموعة من الفايسبوكيين إلى الموضوع من زاوية مهينة، ليس إلا لإشاراته الدالة على اللخبطة الحاصلة في تحديد الأولويات من جانب المقلدين بأمانة التدبير. إذ عوض العناية بهؤلاء المواطنين وهم فوق الأرض قبل العرض، يتم اختصار الطريق أمامهم بانتظار وفاتهم. ولو أن الكثير، يقول أحد المبحرين، فارق الحياة وهو بها نتيجة افتقاره لأبسط شروط العيش. مضيفا: "حتى نكونو بعدا عايشين عاد يفكرو لينا في الموت..".
هو استفزاز إذن، حل ليغني "ريبرتوار" بنكيران ورفاقه في نصرة الإحتقار، مع أن شعار الساعة "لا للحكرة" مازال يرن في الآذان. لكن البادي أن ليس كل من له هذه الأخيرة يسمع، حتى وإن بلغ به الأمر إلى الترفع على تلك النعمة وإبطالها. في سبيل أن يمارس ساديته على راحته بأذن من طين وأخرى من عجين.