شاهدت على قناة 2M مشكورة
مسرحية المقال الأخير
وتابعت بعين الكاتب المسرحي والشاعر والناقد
وكذلك عين من اشتغل كثيرًا مع الفنان المبدع المدهش عبد الإله عاجل
فما شاهدته لم يكن مجرد عرض مسرحي
بل كان لحظة مسرحية نادرة
تذكّرنا لماذا أحببنا هذا الفن أول مرة
لماذا كان المسرح بيتنا
ولماذا يظلّ الأمل معقودًا على خشبة تحترق من أجل الحقيقة
المقال الأخير
عنوان يشي بالنهاية
لكن المسرحية تقول العكس تمامًا
فهي بداية
وإعادة بعث لصوتٍ طال خنقه
لصرخة أنثى تُنسى كلما انطفأت الكاميرات
وتُداس كلما كُتب التاريخ من زاوية واحدة
في قلب هذا العرض
تنهض سعاد خويي في دور وردية
امرأةٌ ليست من ورق
ولا من زجاج
بل من لحمٍ وروح
تحمل كل ما تبقّى من نساء الهامش
نساء الهزائم المتكررة
اللواتي لا يصرخن لأن أحدًا لا يسمع
وردية ليست ضحية
بل ذاكرةٌ تمشي
جسدٌ ملغوم بالأسى
قلبٌ يحاول أن يفهم
لماذا صارت الحياة شبيهةً بالحرب
ولماذا على امرأة مثلها أن تحكي بعد أن فات الأوان
وسعاد خويي
أدهشتني
كما فعلت دائمًا
لكن في هذا الدور
تجاوزت حدود التقمص
وكتبت الشخصية بجسدها
بنبرتها
بأصابعها المرتجفة
بدمعة لا تسقط
ولكنك تسمع صوتها وهي تتكوّر خلف الجفن
وفي المقابل
تأتي الصحافية
كما جسدتها ببراعة لافتة الفنانة نجوم الزوهرة
امرأةٌ تبحث عن الحقيقة
لكنها تصطدم بها وجهاً لوجه
تأتي لتُجري مقابلة
فتجد نفسها أمام مرآة
مرآةٌ تُظهر لها هشاشة الأسئلة
وتعري خواء الحياد
نجوم الزوهرة لعبت الدور بدهشة مزدوجة
دهشة من يسمع لأول مرة
ومن يخجل لأول مرة
وكان أداؤها مكتملاً
موزونًا
لا يسرق الضوء من وردية
ولا يغيب عنه
بل يخلق تلك التفاعلية الحيّة
التي تجعلنا نحن الجمهور طرفًا ثالثًا
في حوار لا يرحم
الصحافية ووردية
لم تكونا مجرد شخصيتين
بل كانتا ثنائية وجودية
الذاكرة والمستقبل
الناجية ومن تحاول الفهم
المنسية ومن تكتب عنها
كل شيء في المسرحية كان محسوبًا
ومع ذلك
كان نابضًا بالعفوية
كأننا نشاهد اعترافًا لا تمثيلًا
ولا عجب
فحين يكون عبد الإله عاجل هو من يزرع العرض
فانتظر أن يحصدك النص
ويُدهشك الصمت
وتبكي دون أن تلاحظ
هذا المخرج
لا يكتفي بترتيب الكواليس
بل يُعيد ترتيب نبض الخشبة
ويوزع الأنفاس
ويضع كل ممثل أمام حقيقته
لهذا
لم تكن وردية تتكلم
بل كانت تتطهر
وكانت الصحافية لا تسأل
بل تُستجوب
ولأن عبد الإله عاجل لا يرضى بالمعتاد
فقد اختار أن يضيف للعرض بُعدًا ثالثًا
من خلال ما سمّاه "الكاريكاتياتر"
فنٌ يجمع بين كاريزما المسرح وسينما اللحظة
بين الجسد الحي والكاميرا التي تراقب وتفضح وتكشف
هنا
لا يُكتفى بتمثيل المشهد
بل يُسجّل فورًا
ويُعرض أمام أعيننا
فتتضاعف الحقيقة
ويصير الاعتراف أكثر هشاشة، وأكثر صدقًا
كاميرا تلاحق الوجوه المرتعشة
وتكشف الدموع قبل أن تسقط
كاميرا لا تجمّل
بل تجرّد
وتضعنا كجمهور في قلب اللحظة
كأننا شهود على محكمة لا تحتاج إلى قاضٍ
في هذه التوليفة التقنية
تتحوّل الخشبة إلى كائن نابض
يتنفس، ويُصور، ويصرخ
ويتحرر من الزخرف لينحاز إلى الجرح
تتحوّل وردية إلى أكثر من شخصية
تصبح جسدًا يلمع في الضوء
ثم يتكسر في الصورة
ثم يعود إلى ذاته كأنه يسرد روحه من جديد
ووراء هذا الجمال
وهذه الصنعة الصادقة
تأتي جمعية وامراس للتنمية الثقافية
كاسم لا يرفع راية الزينة
بل يحمل مشروعًا ثقافيًا أصيلًا
جمعية تُراهن على العمق لا الزينة
على النص لا الواجهة
على وجوه تعرف الألم
وتجيد رسمه على الخشبة دون مبالغة
زبدة القول
أن المقال الأخير
ليس نصًا
بل مرآة
وليس عرضًا
بل وصية
وصية باسم نساء لم تكتب عنهن الصحف
ولم تتوقف عندهن التقارير
وصية باسم وردية
التي قد تكون جارتك
أو أمك
أو حتى أنت
وزبدة الزبدة
أن المسرح حين يُدار بصدق
وحين يُكتب من الجرح
ويُخرج من قلب مخرجٍ مثل عبد الإله عاجل
ويُؤدى من ممثلتين متألقتين مثل سعاد خويي ونجوم الزوهرة
ويُنتج من جمعية مثل وامراس للثقافة والتنمية
وحين تتحالف التقنية مع الحكي
والكاميرا مع الصمت
والبث المباشر مع همسات الجسد
فلا بد أن تتحول الخشبة إلى صلاة
إلى سؤالٍ لا ينتهي
إلى عرضٍ يبقى فيك
حتى بعد أن تُطفأ الأنوار...
مسرحية المقال الأخير
وتابعت بعين الكاتب المسرحي والشاعر والناقد
وكذلك عين من اشتغل كثيرًا مع الفنان المبدع المدهش عبد الإله عاجل
فما شاهدته لم يكن مجرد عرض مسرحي
بل كان لحظة مسرحية نادرة
تذكّرنا لماذا أحببنا هذا الفن أول مرة
لماذا كان المسرح بيتنا
ولماذا يظلّ الأمل معقودًا على خشبة تحترق من أجل الحقيقة
المقال الأخير
عنوان يشي بالنهاية
لكن المسرحية تقول العكس تمامًا
فهي بداية
وإعادة بعث لصوتٍ طال خنقه
لصرخة أنثى تُنسى كلما انطفأت الكاميرات
وتُداس كلما كُتب التاريخ من زاوية واحدة
في قلب هذا العرض
تنهض سعاد خويي في دور وردية
امرأةٌ ليست من ورق
ولا من زجاج
بل من لحمٍ وروح
تحمل كل ما تبقّى من نساء الهامش
نساء الهزائم المتكررة
اللواتي لا يصرخن لأن أحدًا لا يسمع
وردية ليست ضحية
بل ذاكرةٌ تمشي
جسدٌ ملغوم بالأسى
قلبٌ يحاول أن يفهم
لماذا صارت الحياة شبيهةً بالحرب
ولماذا على امرأة مثلها أن تحكي بعد أن فات الأوان
وسعاد خويي
أدهشتني
كما فعلت دائمًا
لكن في هذا الدور
تجاوزت حدود التقمص
وكتبت الشخصية بجسدها
بنبرتها
بأصابعها المرتجفة
بدمعة لا تسقط
ولكنك تسمع صوتها وهي تتكوّر خلف الجفن
وفي المقابل
تأتي الصحافية
كما جسدتها ببراعة لافتة الفنانة نجوم الزوهرة
امرأةٌ تبحث عن الحقيقة
لكنها تصطدم بها وجهاً لوجه
تأتي لتُجري مقابلة
فتجد نفسها أمام مرآة
مرآةٌ تُظهر لها هشاشة الأسئلة
وتعري خواء الحياد
نجوم الزوهرة لعبت الدور بدهشة مزدوجة
دهشة من يسمع لأول مرة
ومن يخجل لأول مرة
وكان أداؤها مكتملاً
موزونًا
لا يسرق الضوء من وردية
ولا يغيب عنه
بل يخلق تلك التفاعلية الحيّة
التي تجعلنا نحن الجمهور طرفًا ثالثًا
في حوار لا يرحم
الصحافية ووردية
لم تكونا مجرد شخصيتين
بل كانتا ثنائية وجودية
الذاكرة والمستقبل
الناجية ومن تحاول الفهم
المنسية ومن تكتب عنها
كل شيء في المسرحية كان محسوبًا
ومع ذلك
كان نابضًا بالعفوية
كأننا نشاهد اعترافًا لا تمثيلًا
ولا عجب
فحين يكون عبد الإله عاجل هو من يزرع العرض
فانتظر أن يحصدك النص
ويُدهشك الصمت
وتبكي دون أن تلاحظ
هذا المخرج
لا يكتفي بترتيب الكواليس
بل يُعيد ترتيب نبض الخشبة
ويوزع الأنفاس
ويضع كل ممثل أمام حقيقته
لهذا
لم تكن وردية تتكلم
بل كانت تتطهر
وكانت الصحافية لا تسأل
بل تُستجوب
ولأن عبد الإله عاجل لا يرضى بالمعتاد
فقد اختار أن يضيف للعرض بُعدًا ثالثًا
من خلال ما سمّاه "الكاريكاتياتر"
فنٌ يجمع بين كاريزما المسرح وسينما اللحظة
بين الجسد الحي والكاميرا التي تراقب وتفضح وتكشف
هنا
لا يُكتفى بتمثيل المشهد
بل يُسجّل فورًا
ويُعرض أمام أعيننا
فتتضاعف الحقيقة
ويصير الاعتراف أكثر هشاشة، وأكثر صدقًا
كاميرا تلاحق الوجوه المرتعشة
وتكشف الدموع قبل أن تسقط
كاميرا لا تجمّل
بل تجرّد
وتضعنا كجمهور في قلب اللحظة
كأننا شهود على محكمة لا تحتاج إلى قاضٍ
في هذه التوليفة التقنية
تتحوّل الخشبة إلى كائن نابض
يتنفس، ويُصور، ويصرخ
ويتحرر من الزخرف لينحاز إلى الجرح
تتحوّل وردية إلى أكثر من شخصية
تصبح جسدًا يلمع في الضوء
ثم يتكسر في الصورة
ثم يعود إلى ذاته كأنه يسرد روحه من جديد
ووراء هذا الجمال
وهذه الصنعة الصادقة
تأتي جمعية وامراس للتنمية الثقافية
كاسم لا يرفع راية الزينة
بل يحمل مشروعًا ثقافيًا أصيلًا
جمعية تُراهن على العمق لا الزينة
على النص لا الواجهة
على وجوه تعرف الألم
وتجيد رسمه على الخشبة دون مبالغة
زبدة القول
أن المقال الأخير
ليس نصًا
بل مرآة
وليس عرضًا
بل وصية
وصية باسم نساء لم تكتب عنهن الصحف
ولم تتوقف عندهن التقارير
وصية باسم وردية
التي قد تكون جارتك
أو أمك
أو حتى أنت
وزبدة الزبدة
أن المسرح حين يُدار بصدق
وحين يُكتب من الجرح
ويُخرج من قلب مخرجٍ مثل عبد الإله عاجل
ويُؤدى من ممثلتين متألقتين مثل سعاد خويي ونجوم الزوهرة
ويُنتج من جمعية مثل وامراس للثقافة والتنمية
وحين تتحالف التقنية مع الحكي
والكاميرا مع الصمت
والبث المباشر مع همسات الجسد
فلا بد أن تتحول الخشبة إلى صلاة
إلى سؤالٍ لا ينتهي
إلى عرضٍ يبقى فيك
حتى بعد أن تُطفأ الأنوار...