الأحد 12 مايو 2024
خارج الحدود

محمد الزهراوي: سياسة الرئيس ترامب تجاه الحركات الإسلامية.. براديغمات الاستشراف

محمد الزهراوي: سياسة الرئيس ترامب تجاه الحركات الإسلامية.. براديغمات الاستشراف

أثار فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب بمنصب رئيس الولايات المتحدة الامريكية عدة تساؤلات ومخاوف وعلامات استفهام كبرى حول تداعيات وانعكاسات فوز هذه الشخصية الغامضة والمثيرة للجدل على القضايا والملفات الحيوية والاستراتيجية سواء على المستوى الداخلي، وبالتحديد في ما يتعلق بحقوق الاقليات والمهاجرين، أو على المستوى الخارجي وكل ما يرتبط بمرتكزات السياسات الامريكية وعلاقاتها بحلفائها ومحددات معالجتها للملفات الحساسة والساخنة في مختلف بقاع العالم، لاسيما وأن خرجات وتصريحات هذا الرجل، خلال الحملة الانتخابية توحي في مجملها بوجود نزعة يمينية متطرفة تنذر بإمكانية وقوع تحولات قد تخلط الاوراق وتقلب التوازنات والمصالح، الامر الذي خلق حالة من الترقب والقلق لدى أوساطا واسعة من الامريكيين وغير الامريكيين.

ومن بين الشرائح العريضة التي تنظر بدورها بتوجس كبير لوصول ترامب إلى البيت البيض ولم تسلم كذلك من سهام نقده اللاذع، نجد «الإسلاميين» المشاركين في العملية السياسية الذين كانت تعتبرهم الإدارات الامريكية المتعاقبة حلفاء وتصنفهم في خانة «الاسلاميين المعتدلين». حيث كانت هذه التيارات تستأثر سابقا باهتمام كبير من طرف المؤسسات السياسة والأمنية الأمريكية المؤثرة في صنع القرار.

وقد ترجم هذا الاهتمام من لدن مراكز الابحاث والتفكير التابعة لتلك المؤسسات من خلال التوصيات والتصورات التي تدعم خيار إدماج الاسلاميين سواء بتشجيع أو الضغط على الحكومات العربية قصد اشراكهم في العملية السياسية. وبالعودة إلى تصريحات ترامب يتضح جليا أنه يضع مختلف الحساسيات الاسلامية في خانة واحدة وهي خانة التطرف والارهاب، ويتعهد كذلك باستئصال ومحاصرة هذا «المد الجارف» الذي يرى أنه بات يهدد أمن وسلامة الأمريكيين.

من هنا يبدو أن نزعة الرئيس الجديد حيال هذا الملف تتعارض كليا مع التوجهات والاستراتيجيات الأمريكية المعتمدة في تدبير ملف الإسلاميين بمختلف خلفياتهم الفكرية والايديولوجية، بحيث أن من مرتكزات هذه الاستراتيجية أنها تتسم بالالتباس والتناقض لأنها توظف تارة وبشكل خفي ورقة الإسلام الراديكالي، وتارة أخرى تلوح علنا بالإسلام الحركي المعتدل، فأمريكا تدعي محاربة الصنف الأول المتطرف رغم أنه يخدم مصالحها التوسعية المتعلقة بالتجزئة والتقسيم وإعادة رسم الخرائط الجديدة، وتشجع الصنف الثاني رغم أن التجربة أثبتت أنه معاد لمصالحها في مختلف مناطق العالم.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أنه قبل فوز ترامب سجل في عهد الرئيس أوباما أن هناك تحول تكتيكي أو تصور جديد في إطار التبلور على مستوى الاستراتيجية الأمريكية الخاصة بملف الإسلاميين المشاركين في العملية السياسية، من خلال مؤشرين اثنين: دعم الانقلاب في مصر والتواطؤ مع المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا في شهر يونيو 2016. هذا التحول من المؤكد أن الغاية منه ليس غلق قوس دعم تجربة الإسلاميين بقدر ما أن هناك مراجعة لهذا التصور القديم بعدما اتضح جليا أن حركات الإسلام السياسي يصعب ترويضها وضبطها وفق الميكانيزمات والضوابط السابقة.

هذا التصور أو الاستراتيجية الجديدة بدأت معالمها تظهر عند استحضار التجربة المصرية من خلال الضغط على السيسي للتفاوض مع الاخوان المسلمين وعقد صفقات وتسويات مع المعتقلين الإسلاميين بغية إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء والعودة إلى المراحل الأولى، حيث كان الإسلاميون ممثلين بالبرلمان ويتحركون في الساحة السياسية بشكل مضبوط ومؤطر ومسيج بقوانين واليات متعددة. أي أن أمريكا من خلال مراجعة السياسات السابقة تسعى إلى دعم اشراك الإسلاميين بشكل محدود ومتحكم فيه دون المخاطرة بالسماح لهم بالتربع على السلطة أو ممارسة الحكم على الأقل في المرحلة الراهنة.

وفي سياق قراءة واستشراف سياسة الرئيس الجديد تجاه حركات الإسلامي السياسي بالعالم العربي عامة والمغرب على وجه التحديد، لابد من استحضار بعض المحددات التي تؤطر وتتحكم في عملية اتخاذ القرار بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث توجد مؤسسات قوية لا يمكن تجاوزها في بلورة السياسات خاصة تجاه الملفات الحيوية والاستراتيجية مثل ملف الإسلاميين، كالكونغرس ووزارة الخارجية والدفاع واستشارية الأمن القومي والاستخبارات ومراكز التفكير بالإضافة لتأثير اللوبيات.

وبالاعتماد كذلك على براديكمين اثنين يمكن فهم مجالات وحدود تأثير شخصية الرئيس الجديد في مختلف الملفات التي من بينها ملف الاسلاميين، الاول، براديكم المصالح، بحيث من المستبعد أن يعادي ترامب هذه التيارات التي تتوفر على شرائح واسعة في الوطن العربي، وبفعل ثقل المصالح الامريكية بالمنطقة العربية. أما الثاني، البراديكم السلوكي، فتبعا للمنهجية التجريبية في دراسة السلوك، فإن تأثير المحيط يلعب دورا أساسيا في تطوير وتغيير شخصية الفرد بصفة عامة، لذلك فشخصية "ترامب المرشح" تختلف عن شخصية "ترامب الرئيس"، لان الرئيس الجديد سيكون محاط بطاقم من الخبراء والمستشارين المتخصصين في جميع المجالات، مما سيؤدي مع مرور الوقت إلى إحداث تغيرات جوهرية في شخصيته وتصرفاته بما يتناسب مع موقعه الجديد، وهذا الامر تكرر مع عدة رؤساء سابقين لأمريكا. وبالتالي، فتعامل ترامب مع حركات الاسلامي السياسي سيكون وفق التصور الجديد الذي تعكف مراكز التفكير الامريكية على بلورته انطلاقا من التحولات الاقليمية والدولية التي يعرفها العالم خدمة للمصالح والسياسات الامريكية في المنطقة العربية.