الخميس 25 إبريل 2024
مجتمع

عنبي: أتباع صاحب الكنز و"تحليق الملائكة" يعبرون عن منطق اجتماعي غايته صرف الناس عن القضايا الحقيقية

عنبي: أتباع صاحب الكنز و"تحليق الملائكة" يعبرون عن منطق اجتماعي غايته صرف الناس عن القضايا الحقيقية عبد الرحيم عنبي

يرى عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن زهر بأكادير، أن الاعتقاد بوجود ملائكة تحلق بفضاء مكناس وصاحب الكنز الذي صدقه الناس، تزامنت من جهة مع أجواء ليلة القدر، ومن جهة ثانية مع ما يعرف الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب من أحداث. مشيرا إلى أن أتباع وخدام الزوايا وأتباع صاحب الكنز والمصدقين بتحليق الملائكة فوق سماء مكناس، هم لا يعبرون بكيفية واضحة ومنظمة عن معتقداتهم، بيد أن الدلالات المحمولة في سلوكياتهم وأقوالهم وممارساتهم، تندرج بالضرورة ضمن منطق اجتماعي فاعل وغني كان مسكونا عنه، غير أنه عاود الظهور اليوم وبكثافة من أجل صرف الناس عن مناقشة قضاياهم الحقيقية.

+ ما هي قراءتك لحادث ادعاء رؤية الملائكة بمكناس بالتزامن مع ليلة القدر، وأيضا حادث رؤية الكنز في المنام وفي نفس الظرف الزمني والديني؟

- إن هذا الاعتقاد بوجود ملائكة تحلق بفضاء مكناس وصاحب الكنز الذي صدقه الناس، تزامنت من جهة مع أجواء ليلة القدر، ومن جهة ثانية مع ما يعرف الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالمغرب من أحداث. ولفهم المسألة بعمق دعوني أسلط الضوء بداية على الإسلام الأرثودوكسي الذي وفد على بلاد المغرب من الشرق ولم يطبق بشكل مطلق وكلي، لأنه ببساطة لم يكن بمقدوره ذلك. حيث وجد أمامه مجالا واسعا للمقدس وللمعقد، مجالا غير محدود في هذه المغرب الكبير، الذي كان وما زال يطرح عدة تساؤلات. هكذا نجد العديد من الدراسات التي اهتمت بالمقدس أو بالمجال الديني بالمغرب في فترة الحماية اهتمت بالعديد من الظواهر مثل الأضحية والسحر وطقوس عبادة الأولياء والمغارات والعيون والكهوف، والتي مازال المغرب يحافظ على العديد من مظاهره الثقافية عبر الزمن وهو يعارض من ينفيها أو يخرجها من دائرة المقدس. إن ما يحدث اليوم يبين على أن الناس مازالوا يحافظون من خلال نشاطهم الاجتماعي والمعتقدات والطقوس واعتقادهم في السحر والشعوذة والكرامة والذهنيات الغيبية التي كانت ومازالت تبرز في الأزمات. أسوق في هذا الاتجاه طرح ماكس فيبر أثناء دراسته التجريبية لتقاليد الديانات العالمية الكبرى؛ بحيث قدم الدليل على أن المعتقدات والممارسات الطقوسية غالبا ما تحمل بدلالات جديدة أو بتغيير هدفها عندما تنتقل إلى وضعيات وبنيات اجتماعية تختلف عن تلك التي نشأت وتطورت فيها في الأصل.. ومن هنا فدراسة الإسلام تطرح أكثر من تساءل؛ كونه نشأ في بيئة عربية، صحراوية ثم انتقل بيئات مختلفة من حيث اللغة والممارسات الدينية التي كانت سائدة، إن الدين يقوم بما تقوم به الإيديولوجيا، من خلال العلاقة التي ينسجها رجال الدين بين الواقع والمعتقدات الأخلاقية التي تشكله أقصد الدين. في هذا السياق، تشكل معتقدات الزوايا والصلحاء والمهدي المنتظر الذي سيملأ الأرض عدلا والبحث عن الكنوز؛ (تشكل) في المغرب إيديولوجيا دينية ضمنية بامتياز، تسعى إلى تبليد (من البلادة) المجتمع وعزله عن الواقع والمعيش اليومي.

+ ما هي أبرز الدلالات السوسيولوجية والدينية التي يمكن استيقاؤها من الحادثين؟

- إن أتباع وخدام هذه الزوايا وأتباع صاحب الكنز والمصدقين لتحليق الملائكة فوق سماء مكناس، هم لا يعبرون بكيفية واضحة ومنظمة عن معتقداتهم، بيد أن الدلالات المحمولة في سلوكياتهم وأقوالهم وممارساتهم، تندرج بالضرورة ضمن منطق اجتماعي فاعل وغني كان مسكونا عنه، غير أنه عاود الظهور اليوم وبكثافة من أجل صرف الناس عن مناقشة قضاياهم الحقيقية.. وعليه يتوجب على الباحث السوسيولوجي والأنثربولوجي إدراك وفهم المنطق الاجتماعي الحقيقي، الذي ساهم في الترويج لهذه المعتقدات وفي هذا الوقت بالذات، مع إبراز أسس هذا المنطق ومرتكزاته. إن الاعتقاد في الزوايا والأشخاص الذين يمتلكون الكرامات والمهدي المنتظر وصاحب الكنز، يقوم بالأساس على امتلاك الصلحاء، وشيوخها وبعض الأشخاص الذي يدعون امتلاك الكرامات؛ -امتلاك- البركة وقدرتهم على منحها لمريدهم وخدامهم وأتباعهم. وتشكل البركة في هذا الاتجاه نواة الاعتقاد الديني وأهم أسسه ومرتكزاته. إننا أمام سلطة تقوم على فكرة كونهم يتوفرون على قوى روحية خارقة، تمارس تأثيرا كبيرا على حياة من حولهم؛ بحيث يدعون تغيير أحوال الناس والمجتمع، كما أنهم لعبوا أدوارا سياسية مهمة؛ إذ كانوا يبرزون زمن الأزمات، وهو ما يحدث اليوم، ومن هنا وجب على الحكومة الإقرار بأن الفقر هو منتوج سياسي والبطالة منتوج سياسي وتردي الأوضاع منتوج سياسي ولا علاقة له بقوى غيبية.. وعليه فالدين يلعب دور الإيديولوجيا، بل هو الإيديولوجيا نفسها. إن الممارسة الدينية والمعتقد الذي يشكل التراث الإسلامي في العالم الإسلامي يعد عائقا أمام تقديم أية قراءة نقدية للخطاب الديني في العالم الإسلامي، سواء من خلال حقل الأنثروبولوجيا أو علم الاجتماع الديني. لأن الباحث يصطدم بالعديد من الطابوهات أو المحرمات بمثابة مقدسات لا يحق للدراسة العلمية ان تتطرق لها. الحقيقة أن أهم الدلالات التي يمكن أن نستشفها من هذه الأحداث، كون هذه الاعتقادات تساهم في بناء مواقف الناس تجاه الكون، تجاه ما يحدث في المجتمع، مواقف تعيش في علاقة تفاعل مع الواقع الاجتماعي وتؤثر فيه، بل تمنع كل محاولة للتغيير، مما يجعلنا أمام مغرب يقدم نفسه على أساس أنه تاريخيا اجتماعية، تشكل فيه الثقافة الشعبية إحدى أهم الديناميات، التي تغذي المعتقد، بحيث عبر التاريخ ظل المجذوب والبوهالي والأبله/ البهاليل والطرقيون هم من يقود المجتمع.

+ ما الذي يغذي الخرافة في نظرك؟ هل يمكن إرجاع ذلك إلى ترهل البنيات التربوية والثقافية، أم إلى تغلغل الحركات الأصولية في المجتمع؟

إن العرب المسلمون لما دخلوا المغرب أو شمال إفريقيا، وجدوا بها أناس لهم نظامهم القيمي والعقائدي وعقليتهم الدينية الخاصة، والتي تختلف بشكل جدري عن تعاليم الإسلام الدين الجديد. فالبحث في المخزون النفسي والثقافي والعقائدي يجعل الباحث خارج دائرة الإسلام. ومن هنا يمكن القول أن الإسلام الأرثدوكسي أسس خطابا ودينا منغلقا، كما أن هذه العلاقة تعتبر علاقة عداء وصراع، بحيث أن وجود الآخر هو وجود إثم/ مدنس ليس له من مبرر في الوجود سوى تهديد الإسلام وهدم المقدس. لكن هذا المقدس الذي يدافع عنه الإسلام الأرثدوكسي يحمل بين طياته خلفيات عقائد وثقافة تعود إلي ما فبل الإسلام. لأن القبائل الشمال افريقية، لم تقبل بالإسلام، كونها وجدت فيه ضالتها الروحية بل كان لأهداف سياسية واقتصادية. أي أن قبائل الشمال الإفريقي، كانت أول من اعتنق الإسلام. وأول من قبل بهذا الدين العربي الجديد وذلك، من جهة، بهدف الانتقام لنفسها من جيرانها الأيبيريين الذين كانت تربطهم بهم علاقات صراع وخصومة دائمة. ومن جهة ثانية، بهدف الحصول على الغنائم التي كانت توفرها عمليات الفتح/ الغزو الإسلامي المستمرة والدائبة، وبالأخص في اتجاه الشمال. أما سكان الجنوب المغربي فقط ظلوا يتأرجحون بين اليهودية والمسيحية ويشنون حروبا بين الفينة والأخرى على القبائل التي اعتنقت الإسلام. إن ما يروج اليوم من تصديق لتحليق للملائكة في سماء مكناس وخروج أتباع صاحب الكنز من أجل الحفر على هذا الكنز وخروج آخر في جبة المهدي المنتظر، بتزامن مع حدث ديني أي ليلة القدر، والتي يسود فيها اعتقاد لدى المغاربة والمسلمين كون ليلة القدر تفتح فيها السماء وترفع فيها الملائكة دعوة كل مسلم ومسلمة، أيضا يسود اعتقاد لدى المغاربة، كون هذه الليلة يتم فيها تسريح الجن والشياطين التي، تربط إلى أغلال مع بداية شهر رمضان، وعليه تنشط الجن والشياطين في هذه الليلة وتقضى فيها أعمال السحر والشعوذة.

أما الحدث الثاني هو ما يعرفه المجتمع المغربي من أحداث سياسية واقتصادية، حيث العديد من المغاربة يقودون حملة مقاطعة بعض المنتوجات والبضائع. نحن اليوم أمام ممارسة دينية تنبني على قيم التراث القديم، بل هناك رغبة لدى السكان في ممارستها وتحقيقها ككل. وهنا يتدخل الإسلام الأرثدوكسي الذي يعتبر الواقع عالما جاهلا إما عليه أن يتقبل هذه القيم الأرثدوكسية ككل أو يرفضها ككل. إن الدين، أقول الدين وليس التدين، مهما تعددت المفاهيم والتعاريف التي تعطى له، يبقى في النهاية عبارة عن مجموعة من المعتقدات أغلبها ضمني أكثر مما هو صريح، يمثلها أفراد المجتمع انطلاقا من تصورهم المشترك الضمني للطبيعة والسلوك اليومي. ومن هنا فالإيديولوجية الدينية مستوحاة حسب Max Webre من هذا الحس المشترك، لاسيما إذا تعلق الأمر بالديانات الكونية كالإسلام والمسيحية واليهودية.