سنة أخرى تمر، لتفتح الحدود بين مسني العالم من جديد، ويترك جانبا كل ما يميز بينهم من فوارق عرقية وسياسية واقتصادية وأيضا ثقافية، ويلتقون حول خطاب واحد مفاده تجديد رفضهم القاطع لنظرة المجتمع الدونية لهم، مع تأكيدهم الأزلي على أن تقاعدهم عن العمل لا يلغي إطلاقا قدرتهم على المزيد من العطاء، وأن المجتمعات الكونية ستكون هي الخاسر الأول والأخير من إهمال خبراتهم وعدم الاستفادة منها. ومن ثمة فقدان الإنسانية لأهم مصدر يمكن أن يلهمها بالموقف المناسب في الوقت المناسب، والسند الذي لا تستقيم بدونه حيوية الشباب مهما تشبعت بروح الإنطلاق.
والمعلوم أن هذه المطالب المتواصلة لا تعني بأن عجلة العناية متوقفة، بل العديد من الدول قطعت أشواطا مهمة في تكريم مسنيها، ومكنتهم من حقوق تتوافق إلى حد كبير مع ما أسدوه لها أيام مرحلة نشاطهم، وصرنا نرى في مواقع كثيرة رجالا تجاوزوا سن الستين وأحيانا السبعين ويتقلون مهام شرفية يغنون من خلالها مجال تخصصهم، ويساهمون في اتخاذ أكثر القرارات حساسية.
وبلادنا لا يمكن بأي حال فصلها عن الدول التي بصمت على محاولات وإن محتشمة لرد الاعتبار لهذه الفئة من المجتمع، وتمكينها في بعض الأحيان من الظروف التي تتيح لها الكشف عما تختزنه دواخلها من طاقات. وفي هذا الشأن لم يعد من باب النوادر أن نعاين مبادرات لجمعيات من المجتمع المدني، تحتفي بأحد هؤلاء الرجال والسيدات أيضا، كما أن وسائل الإعلام بدورها التفتت بشكل جدي لهذا الجانب، وأصبحت تستضيف إن باستوديوهاتها أو على صفحات جرائدها أو من خلال أمواج محطاتها الإذاعية، شخصيات نقشت أسماءها في تاريخ البلد كنوع من رد الإعتبار لها.
والأكيد أن هذه التحركات ليست كل ما يأمله المتقاعد المغربي، بل يطمع في المزيد والأكثر سواء من حيث الكم أو التأثير. وبالفعل فتح ملفه من الجانب الرسمي، لكن وللأسف من أجل أن يبلغ بأن نظام التقاعد المغربي يعاني العديد من المشاكل، والتي منها معدل التغطية المتدني. وبذلك أفاد السواد الأعظم من الذين تصادف وجودهم بزيارة "أنفاس بريس" لإحدى الحدائق العمومية، وأيضا بعض الوكالات التي تصرف معاشهم، أن وضعهم الإجتماعي لا يتوافق مع ما كانوا يطمحون إليه أيام اشتغالهم، وأكدوا بالإجماع على أن عملا كبيرا ينتظر المسؤولين لتحسين مستواهم المعيشي، وأن العامل المادي يحتل الصدارة في مطالبهم، تأسيسا على هزالة قيمة المعاشات التي يحصلون عليها.
يأتي بعد ذلك من حيث الأولويات، حسب بعض الرجال، تمكينهم من العناية الصحية بمقابل رمزي، ولما لا مجانا. خصوصا وأن الإنسان بطبعه يكون معرضا مع تقدم سنه لجملة من الأمراض تستوجب المراقبة المستمرة، كما أن المتقاعد، يتساءل أحد الشيوخ، كم يعيش بعد انقطاعه عن العمل حتى يتم إدخاله في دوامة حسابات ضيقة.
وعلى الرغم من هذه الرؤية القاتمة، كما وصفها متقاعد في سن السابعة والستين، لمشهد قمة الهرم السكاني ببلادنا، يتوسم المعنيون بالأمر خيرا في من يحتمل تقلدهم زمام الحكومة المقبلة، ويتطلعون بناء على ما أفرزته التجارب السابقة إلى طي صفحة الماضي، وتدشين بداية عهد جديد يحتل فيه المتقاعد مكانة مهمة من اهتمام أصحاب القرار، لا كما يعيشه في ظل حكومة عبد الإله بنكيران.