Wednesday 14 May 2025
مجتمع

محمد الدرويش: حصيلة وزارة التعليم العالي تجسيد لواقع مرير للجامعة

محمد الدرويش: حصيلة وزارة التعليم العالي تجسيد لواقع مرير للجامعة

لعل ما يميز الدخول الجامعي لهذه السنة هو تزامنه مع "خروج" الحكومة المنتهية ولايتها التي قادها حزب العدالة والتنمية، ولأن الأمور تقاس بخواتمها فالمفارقة الكبيرة في ما بين دخول الجامعة وخروج الحكومة، تكمن في أن محصلة هذه الأخيرة على مستوى التعليم العالي هي إرث ثقيل وحزمة من المشاكل يطبعها العنف والارتجال وتجعل بداية السنة الجامعية 2016/2017 ليست بالسهلة. لمناقشة الموضوع التقت "أنفاس بريس" بالأستاذ الجامعي محمد الدرويش (الكاتب العام السابق للنقابة الوطنية للتعليم العالي ورئيس نقابات التعليم العالي بدول المغرب العربي وهو أيضا عضو المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية)، وأجرت معه الحوار التالي:

+ كل دخول تربوي نعود للحديث عن ظاهرة العنف التي أصبحت تتزايد سنة بعد سنة في حين نجد هاته الحكومة تتحدث عن عدة انجازات في قطاع التعليم العالي مثلا منها بناء المدرجات وتوفير الموارد البشرية والتغطية الصحية للطلاب والزيادة في منحهم وأعداد المستفيدين منها... ما موقفكم من ذلك؟

- إذا اطلعنا على ما يصدر عن قطاع التعليم العالي من وثائق وتقارير ما سماه السيد الوزير بالحصيلة وقارنا كل ذلك بالواقع المرير الذي تعيشه مؤسسات منظومة التعليم العالي، سنجد تناقضا واضحا بين المكتوب والمعيش. فمثلا الحديث عن التغطية الصحية للطلاب بعدد 250.000 طالبا مغالطة مفضوحة ومكشوفة لأن الواقع يؤكد أن عدد المسجلين في التغطية الصحية يقارب 30.000 طالب. وأما ادعاؤهم توفير المناصب المالية فأمر مردود عليه بحقيقية واقع هيئة الأساتذة الباحثين بالتعليم العالي.. كم نحن؟ لا أحد من المسؤولين قادر على الجواب فالوزير مرة يتحدث عن1400 أستاذ باحث في كل مؤسسات التعليم العالي التابعة للجامعة وغير التابعة لها العام والخاص منها ومرة عن أكثر والوزير يردد دائما توفير ما بين 1500 و1000 منصبا ماليا سنوي، أي أن سيادته خصص 5000 منصب مالي على الاقل خلال ولاية هاته الحكومة والموقع الالكتروني للقطاع يؤكد أن عدد الأساتذة 12750 والمجلس الأعلى للتعليم يتحدث عن 21000 تقريبا.. فمن يمتلك حقيقة عدد هيئة الاساتذة في التعليم العالي. أما عن ظاهرة العنف فمع كل أسف أصبحت ظاهرة في تزايد مستمر تنتشر بشكل مخيف في مؤسساتنا التربوية وفي الأحياء بين المواطنين وبين التلاميذ والطلاب وبينهم وبين الأساتذة والإداريين والأسر...

ولظاهرة العنف أسباب كثيرة منها ما هو اجتماعي وما هو ثقافي وما هو اقتصادي وما هو سياسي. فكيف يمكن أن نعالج الظاهرة وطلابنا لا يجدون مطاعم وأحياء جامعية ووسائل نقل وأقسام ومدرجات وأساتذة وملاعب وأندية وغيرها من وسائل الترفيه والتعلم و التكوين والتأطير. لكل ذلك نعتقد أن حل أزمات هاته الظاهرة لا يمكن أن يتم إلا بحل القضايا الكبرى لمنظومة التعليم العالي، سواء تعلق الأمر بالجوانب البيداغوجية ومناهج وبرامج التربية والتكوين.. أما الزيادة في قيمة منح طلاب التعليم العالي فأقول، وللأمانة والتاريخ، إن الزيادة قررتها الحكومة السابقة، وقد كنت المسئول الأول نقابيا آنذاك واطلعت على الملف، وأما هاته الحكومة فنفذت قرارا سابقا، وأما الحصيلة في القطاع فقد اطلعت عليها وقرأتها بإمعان، والملاحظة الأولية عليها هي أنها لا تفرق بين العمل الحكومي وعمل العمداء والمدراء والرؤساء فماأنجزه المدير أصبح من انجاز الوزير. وهذا أمر لم يسبق أن تم من قبل. ثم كيف يمكن ان نتحدث عن توسيع الطاقة الاستيعابية ب 21 في المائة و الحال أن الطلاب والأساتذة ما زالوا يعانون من الاكتظاظ. كما أتعجب كيف تم اتخاذ قرار خلال سنة 2012 ان تتكلف الوزارة ببناء 25 مدرجا في اتفاق مع الشركة العامة العقارية وتمر أربع سنوات دون التمكن من ذلك إذ تم بناء فقط 7 مدرجات سهر على ذلك رؤساء الجامعات منها الجديدة والقنيطرة وأكادير ...

+ ما رأيكم حول مباريات التأهيل الجامعي الخاص بالأساتذة الباحثين؟

- اسمح لي أن أقر أمام الرأي العام الجامعي والوطني أن من بين أسباب خلل منظومة التعليم العالي النظام الأساسي للأساتذة الباحثين. هو نظام يجب أن نعيد فيه النظر بصفة جذرية واستعجالية إنه يشتت هيئة الأساتذة الباحثين ويساهم في خلق تناقضات بين نفس الجيل، بل إنه ساهم بشكل مباشر في قلب هرمية هاته الهيئة. أما عن مباريات التأهيل الجامعي فقد نقض وزير التعليم العالي وعده إذ كان التزم بمدة أربع سنوات فصارت 6 سنوات. هذا من حيث المدة أما من حيث الشكل فقد عرفت هاته العملية ارتجالية غير مفهومة في مجموعة من المواقع الجامعية، إذ تشكلت لجن علمية غير متجانسة وأحيانا بعيدة كل البعد عن تخصص المعني بالمباراة أو لغة اشتغاله. لذلك وحتى نتمكن من تجاوز حالة الاحتقان التي تطبع اليوم علاقات مجموعة من الأساتذة الباحثين نقترح إجراءات مستعجلة في قضية النظام الأساسي والقانون 01.00 اعتمادا على مقتضيات القانون الاطار الذي ستتم المصادقة عليه.

+ ما موقفكم من فتح المجال للموظفين حملة الدكتوراه لولوج التعليم العالي؟

- من الأمور التي اسيئ فهمها ودمرت الغايات النبيلة منها ملف الموظفين حملة الدكتوراه الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي ولا بأس من التذكير بأنه خلال سنة 2009 حين بدأنا في النقابة الوطنية للتعليم العالي نناقش الملف المطلبي للسادة الأساتذة الباحثين، كنا نضع أسس نظام أساسي جديد وذلك بتقليص عدد أطر هيئة التدريس من 10 إلى 3 ثم إلى 2 إذ كانت هيئة التدريس مكونة من: المساعد، الأستاذ المساعد، أستاذ الثانوي الـتأهيلي، أستاذ التعليم العالي مساعد، الأستاذ المؤهل، أستاذ التعليم العالي... وعليه ونتيجة الحوار مع الحكومة السابقة لم يعد هناك اليوم إطار المساعد والأستاذ المساعد، وكنا قد أحصينا أساتذة الثانوي التأهيلي التابعين لقطاع التربية الوطنية والعاملين بمؤسسات التعليم العالي في عدد 300 أستاذ. لذلك اتفقنا مع الحكومة على إجراء مباريات يتم من خلالها تحويل المنصب المالي من التربية الوطنية إلى التعليم العالي إضافة الى السماح للمساعدين والأساتذة المساعدين الحاصلين على دبلوم الدراسات العليا والعاملين بمؤسسات التعليم العالي ولوج إطار أساتذة التعليم العالي المساعدين دون وجوب التوفر علىالدكتوراه وإجراءات أخرى حتى نكون أمام 3 إطارات أستاذ التعليم العالي مساعد والأستاذ المؤهل وأستاذ التعليم العالي المنصوص عليها في النظام الأساسي للأساتذة الباحثين لسنة 1997 لنتمكن من دمج 3 إطارات في إطارين أستاذ محاضر وأستاذ التعليم العالي. لكن مع كل أسف أسيء فهم العملية فصارت الحكومة تخصص 500 منصب مالي تحويل سنويا. ويجب ملاحظة أن هذا العدد لم يستهلك أبدا، بل إن أغلب المناصب المالية الخاصة بالتحويل تنقل إلى السنة الموالية وتحتسب في الحصيلة العامة على أنها إنجاز.

+ صادقت الحكومة على دمج كليات العلوم والتقنيات والمعاهد العليا للتكنولوجيا ومدارس  ENSAفي ما سمته بالبوليتكنيك. ما رأيكم في هذا الأمر؟

- هذا عنوان من عناوين الارتجالية وانعدام الرؤيا وغياب الاستراتيجية في تدبير قطاع التعليم العالي. كيف يجوز أن يتخذ مثل هذا القرار في الزمن الميت للحكومة؟ إذ صادقت على أحداث 15 مدرسة بوليتيكنيك موزعة على 10 جامعات بمدن نذكر منها طنجة، تطوان، القنيطرة، خريبكة، برشيد، سطات، أسفي، الجديدة، مراكش، اكادير، مكناس، فاس... وذلك بإدماج المدارس العليا للتكنولوجيا EST وكليات العلوم والتقنيات FST والمدارس الوطنية للعلوم التطبيقية في ما بينها. فهل هيأت الوزارة الوصية والجامعات الظروف الجيدة لهدا الدمج.. أبدا.. هل استشار الوزير المعنيين بهذا الدمج أساتذة باحثين وطلابا وإداريين عبر مجالسهم؟ أبدا. فكيف نقبل أن يتخذ هذا القرار بدون استشارة. إنه العبث في تدبير قطاع استراتيجي للدولة. قرار خلف أثرا سيئا لدى الأساتذة والمسؤولين والطلاب. إذ يبدو أن السيد الوزير أعجب بكلمة (بوليتكنيك) فجمع مؤسسات لا تجمعها الجغرافية المحلية ولا الإمكانات البشرية والمادية ولا طبيعة التكوينات.. مؤسسات بينها تفاوت كبير في واقع تشغيل خريجيها. ثم إن القرار شابه تسرع غير مفهوم فكان من نتائجه تحركات الطلاب ومواقف النقابة الوطنية للتعليم العالي. الكل رافض للقرار. فالطلاب نظموا وقفات احتجاجية أمام رئاسات الجامعات منتفضين ضد هدا القرار ورافضينه بل إنهم ولأول مرة في تاريخ هاته المؤسسات تتوقف الدراسة قبل بدايتها وهم اليوم يتهياون لتنظيم وقفة احتجاجية أمام قبة البرلمان يوم 30 شتنبر المقبل. فلم ينقص إلا هؤلاء المهندسون للتظاهر ضد القرارات الارتجالية للسيد وزير التعليم العالي. وأنا هنا أريد أن أؤكد بأني لا أتحامل على السيد الوزير ولست ممن يتحامل على احد. فموقعي السياسي والاجتماعي والجامعي وتربيتي الوطنية على تحمل المسؤولية يفرض علي أن أفضح الممارسات التي تسيء إلى بلدي بل وتلطخ سمعة التعليم العالي بكل مكوناته.. ألم يكن السيد الوزير مسيئا للمنظومة طيلة تحمله المسؤولية؟ فهو لم يترك مجالا ولا مكونا و لا تخصصا و لا مؤسسة لم يؤذيها بتصريحاته و خرجاته غير محسوبة العواقب والنتائج والمس بأعضائها والتدخل المباشر في شؤونها.. ألم يتهم الأساتذة والإداريين بالفساد؟ ألم يؤجج بتصريحاته طلاب الآداب والطب والعلوم المدارس الوطنية للتجارة والتسيير والمدارس العليا للأساتذة والمدارس العليا للتكنولوجيا وكليات العلوم والتقنيات والمدارس الوطنية للعلوم التطبيقية وأساتذة معهد الدراسات الإفريقية ومعهد التعريب والمعهد الجامعي للبحث العلمي؟ الم يتخذ القرار ثم تحت الضغط يتراجع عنه بل ينكره؟ ألم يقل الشيء ونقيضه؟ اذن أين التحامل؟