Sunday 11 May 2025
مجتمع

العربي العزاوي: لا ينبغي الركوب على معاناة المتقاعدين المتعددة بالمزايدات السياسية

العربي العزاوي: لا ينبغي الركوب على معاناة المتقاعدين المتعددة بالمزايدات السياسية

إن القضايا أو الإشكاليات التي ترتبط بملف المتقاعدين بعد إحالتهم على المعاش ودخولهم في تصنيف المسنين، وتأثير كل  ذلك على  استقرارهم الاجتماعي والنفسي والصحي كثيرة ومتعددة. والمفارقة الكبيرة تكمن في أنه على الرغم  من أن غالبية المتقاعدين ينخرطون مباشرة بعد إحالتهم على المعاش في الهشاشة الإجتماعية، إلا أنهم  يصبحون "رقما  ثمينا " في المعادلة السياسية حيث "تستعملهم" عدة أطراف من أجل استثمار إمكانياتهم كقوة اجتماعية لحصد الأصوات في المعارك الانتخابية، اعتبارا لمكانة المتقاعد في العلاقات الاجتماعية وما راكمه طيلة حياته المهنية. ومن تم  تكبر المعاناة. هذا ما يشرحه العربي العزاوي، رئيس فدرالية الجمعيات الوطنية للمتقاعدين بالمغرب (38 جمعية)، من خلال الحوار التالي مع "أنفاس بريس":

 - كيف يستقبل المتقاعد وضعيته الجديدة كشيخ مسن بعدما قضى فترة طويلة من الحيوية كمنتج وفاعل في الحياة المهنية؟

+ ونحن نسجل هذا المعطى كأمر إيجابي، لكن ما نعارضه هو استخدام المتقاعدين لجلب الماء من العين وبعدها الطوفان. لنكن واضحين، فالانتقال إلى مرحلة التقاعد بالمغرب هو الانخراط المفاجئ في الهشاشة الاجتماعية والتي تصيب كل العلاقات الاجتماعية المحيطة بالمسن المحال على المعاش.

أولا بين عشية وضحاها تتحول العادات والسلوكيات للمتقاعد من وضع المشاركة والمساهمة الإيجابية في الحياة الإنتاجية إلى حالة من العطالة سجلنا معها ظهور العديد من حالات الإكتئاب الحادة والتي تكون السبب المباشرة في الوفاة، لأننا لا نمتلك البنيات الاجتماعية للدعم النفسي والمرافقة للمتقاعدين المسنين. زمن جانب آخر تتدهور الأوضاع داخل بيت المتقاعد لا سيما إن كان له أبناء متمدرسين وقد ينقطعون عن الدراسة.. وعوض أن يتمتع المتقاعد المسن في هذه المرحلة من العمر بالراحة بعضهم يبيع السجائر بالتقسيط أو يبحث عن عمل شاق في الحراسة لتأمين العجز المادي أو مد اليد بحكم الحاجة ويلجأ إلى التداوي بالأعشاب نظرا لغلاء كلفة العلاجات الاستشفائية للأمراض المزمنة. وفي حالات معينة يفصل من البيت الذي يأويه لعدم قدرته على الإيفاء بكلفة الكراء ومحاكم المملكة يروج بها العديد من هذه الملفات.. ولن يتضح لنا تشخيص هذه الأوضاع المزرية إلا بتحليل مؤشرات أسعار كلفة الحياة بالسوق.

والسوق لا يفرق بين الغني والفقير والموظف والعامل والمتقاعد والأرملة. الأسعار يحكمها منطق العرض والطلب وكلفة الإنتاج وهامش الربح.. هنا مربط الفرس. ومنذ متى لم تتحرك المعاشات وفق منطق تحرك الأسعار؟ ماهي حقيقة كلفة الحياة التي لا نقل كريمة وإنما تضمن الاستمرار في الوجود؟

فبلادنا تمر من منعطف أزمة اقتصادية يتم التعاطي معها بالإجراءات والقرارات التي تسعى للحفاظ على التوازنات المالية على حساب التدهور المستمر للتوازنات الاجتماعية، ليظل التآكل يصيب القدرة الشرائية.. زيادات متوالية وصاروخية في الماء والكهرباء والمحروقات والمواد الغذائية بكل أصنافها إلى جانب ارتفاع نسب البطالة والتي تمس بشكل مباشر أبناء وبنات الأرامل والمتقاعدات والمتقاعدين. وهذه اليوم من بين العوامل التي تغذي تصاعد وثيرة الإحتجاج في كل مدن ومداشر البلاد حيث يخرج المحتجون للتنديد بهذا الغلاء الفاحش لتكاليف الحي

- لكن كيف ترون في الفدرالية تهافت الهيئات السياسية على فئة المتقاعدين من أجل توظيف التجارب المهنية لهذه الفئة وما راكمته من علاقات إجتماعية لخدمة أجندات سياسية وانتخابية بعيدا عن معالجة مشاكل المتقاعدين بالأساس؟

+ إننا نؤكد في المكتب الفدرالي وندق ناقوس الخطر على ضرورة استحضار العوامل التي ذكرت ومعاناة المتقاعدين المختلفة الأبعاد،خاصة بربط التقاعد مع الشيخوخة والتقدم في السن وذلك حتى لا يتم  الركوب على ملف المتقاعدين بالمزايدات السياسية أو من أجل ذر الرماد في العيون كما حدث في ملف تعويض الأرامل وما واكبه من ضجة إعلامية توحي بالتمثل الخيري للمعالجة التجزيئية، هروبا من المقاربة الحقوقية الشاملة والتي تصون كرامة للمواطنين وتسعى إلى تعزيزها.

صحيح إن بلادنا ومنذ حكومة التناوب مع السي عبد الرحمان اليوسفي استحضرت الإنشغال بقضايا المسنين وصاغت استراتيجية وطنية مع السيدة نزهة الصقلي، بل ذهب الدستور المغربي في فصله (الفصل 34) والمتعلق بالأشخاص المُسنّين لإدراجهم ضمن خانة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، ونصّ على ضرورة وضع وتفعيل سياسات عمومية خاصة بهم وتنفيذها لحمايتهم منَ الهشاشة، وتكريس حقوقهم الأساسية، وترجمتها فعليا من خلال السياسات العمومية خاصّة بالأشخاص المسنّين بالمغرب.

هل استطعنا اليوم التنزيل السليم لهذه الأهداف الكبرى لتحقيق الحد الأدنى في التصدي لهذه الهشاشة التي تصيب أوضاع المتقاعدات والمتقاعدين والأرامل أم تركناها للتدهور العام؟.

أيضا يمكن الاعتراف بأن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي قام بإنجاز علمي هام في الدراسة التي قام بها حول هذه الأوضاع وعمل على تشخيصها بدقة، مستنتجا المؤشرات الصادمة ومحذرا من أن الموضوع إن لم يحظ بالمواجهة الجماعية سيزداد سوءا في المستقبل.

- ماهي انتظارات الفدرالية للنهوض بوضعية المتقاعدين إذن؟

+ إن التشخيص موجود، والمعطيات متوفرة كما أن الإسقاطات المستقبلة معلومة.. ماذا يخصنا؟ إنها ببساطة الإرادة السياسية والتي لا تتحقق على مستوى الأماني والأحلام والوعود العرقوبية، بل بتوفير برامج عملية واتخاذ قرارات عاجلة كإعفاء المتقاعدين من الضريبة على الدخل واستحضار مجالس الجهات والجماعات المحلية في سياساتها الترابية لتوفير البنيات التحتية للاستقبال، ومرافقة ودعم هذه الشريحة التي تؤكد المعطيات حولها أنّ أعدادها يتزايد بوتيرة أسْرَع ثلاث مرّات من تزايد عدد السّاكنة العالمية، وذلك بسبب ارْتفاع متوسّط أَمَدِ الحياة عنْد الولادة، وانْخفاضِ معدّل الولادات.

ولا يشذّ المغرب عن هذه القاعدة، حيث إن نسبة الأشخاص المسنين الذين يبلغ عمرهم 60 سنة فما فوق ما انفك يتزايد بوتيرة مطَّردة.

وعلى المستوى الفردي، تتجلى الشيخوخة في الفقدان الكلي أو الجزئي، بوتيرةٍ متفاوتة، لإحدى أو لمجموع القدرات الجسمانية أو الذهنية أو المادية، لتُطرح بذلك إشكالية كبرى تتعلّقُ بفُقْدان الإستقلالية بدرجة تتفاوت بدورها بين الأشخاص. ولذلك، فإننا لا نتحدث هنا عن فئة متجانسة، بل غنية بتنوعها وعطاءاتها وقدراتها بين عناصر ما زالت لديها القدرة على المساهمة في تطوير المجتمع وخدمته وبين عناصر تحتاج إلى ضمان حقوقها وحمايتها من مختلف التحولات التي تعرفها الأسْرة المغربية لضمان حقوقها المنصوص عليها في الدستور، ومختلف القوانين التي تنص على ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لضمان كرامة المواطن.