السبت 18 مايو 2024
مجتمع

عبد الله زروال : التربية الإسلامية أم التربية الدينية وسؤال الإصلاح؟

 
 
عبد الله زروال : التربية الإسلامية أم التربية الدينية وسؤال الإصلاح؟

إذا كان قرار مراجعة مناهج ومقررات التربية الدينية في مؤسسات التعليم بالمغرب يعتبر بالقرار السيادي الصادر عن أعلى سلطة في البلاد وهو بمثابة اعتراف من الدولة بوجود خلل في تدريس هذه المادة يجب تداركه وإلا لما كانت الدعوة لمثل هذه المراجعة أصلا !! فلماذا تصر الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية في إطار المراجعة المطلوبة على رفضها تغيير تسمية مادة التربية الإسلامية بالتربية الدينية ؟ بل وما هي بواعث تحرك الجمعية المذكورة ومن يقف وراءه في هذا الظرف بالذات؟ أسئلة وغيرها طرحتها "أنفاس بريس" على عبد الله زروال، أستاذ التربية الإسلامية بسطات،باحث جامعي في الحوار الديني والحضاري وقضايا التجديد في الثقافة الإسلامية في الحوار التالي:


+ما هو في نظرك سر إصرار الجمعية على عدم تغيير التسمية من التربية الإسلامية إلى الدينية ؟
- بداية الباعث الذي دعا الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية إلى الحديث عن الموضوع والتطرق له كونها من أهل الاختصاص في هذا المجال، ولها الحق كل الحق في الدفاع عن مادة التربية الإسلامية وأطرها، ويقف من وراءها أساتذة هذه المادة الغيورين عليها، ونحن معها لم نستسغ هذا التغيير دون سوق المبررات العلمية والمنهجية والموضوعية لهذا التغيير هذا من جهة، ومن جهة ثانية لها ولنا الحق في أن تتساءل عن ماهية هذه المراجعة وأهدافها وخلفياتها ومرجعيتها، وأسباب تغيير المصطلح من التربية الإسلامية إلى التربية الدينية، إذ إن الإشكال المبدئي يرتبط أساسا بالمصطلح ذاته لأن استبدال المصطلح من التربية الإسلامية إلى التربية الدينية له خلفيات ودلالات بحيث لا يمكن أن يتم هذا التغيير عبثا، بل تحكمه مرجعية وأهداف وغايات معينة لم يتم التصريح بها، ومعلوم أن تحديد المصطلحات وضبط المفاهيم تكتسي أهمية قصوى في سائر حقول المعرفة باعتبارها وعاء العلم والمعرفة، فهي تعبر عن مضامين تلك المرجعية وأداتها في التعبير والتغيير، وبالتالي فتغيير المصطلح يفرض السؤال التالي: لماذا هذا التغيير وما دواعيه؟ هل المشكل كامن في المصطلح ذاته أم في مضمون التربية الإسلامية؟ فإن كان في مضمونها فهل باعتبارها مادة "مدرسة"، أم باعتبارها مناهج تربي على المبادئ والقيم الأخلاقية وترشد السلوك الفردي والاجتماعي؟ فالإشكال يقع إذن في تحديد نوعية الخلل، ثم إن هذا التغيير في (المصطلح) يفتح إشكالات ويطرح تساؤلات عميقة لا تخلو من أهمية من قبيل: هل سيتم الاقتصار في تدريس مادة التربية الإسلامية على المعرفة الإسلامية وقيمها ومبادئها المستوحاة من القرآن والسنة أم سيتم اعتماد معارف دينية عامة ومطلقة مستقاة من الإسلام وغيره من الديانات الأخرى كاليهودية والمسيحية مراعاة لوجود أقليات دينية في المغرب.


+هذا واقع قائم خاصة وأن هذه التعددية تستوعبها دستوريا مؤسسة إمارة المؤمنين ؟
- جوابي على هذا السؤال يستدعي بعدين أساسين: الأول: أن إمارة المؤمنين مصطلح شرعي يستقي مشروعيته من الإسلام ذاته، وهي تعني الخلافة عن الله ورسوله في حراسة الدين وسياسة دنيا المسلمين، ثم يعيش تحت كنفها من كان من غير المسلمين من الأقليات الدينية، وهذا يحيلنا على البعد الثاني وهو أن المغرب ليس فيه بحمد الله تعددية دينية وإنما فيه أقليات دينية، فإذا سرنا في سياق توسيع مجال مادة التربية الإسلامية لتصبح تربية دينية تستوعب كل الأديان فهذا يتناقض أساسا مع خصوصية إمارة المؤمنين، ويتعارض مع كل المقررات الرسمية ومع جوهر الدستور المغربي الذي ينص على أن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام.
ولنا أن نتساءل هل سيضع واضعو هذه المناهج والبرامج الجديدة في حسبانهم ما يمكن توقعه مستقبلا من آثار لهذا التغيير على مستوى عقائد الناس وقيمهم وعلى الوحدة الوطنية، بحيث إذا كان التغيير وفق الرؤية السالفة الذكر فإن هذا سيذكي نار الطائفية والفرقة الدينية بالمغرب على غرار دول أخرى كلبنان والعراق وغيرها، وهذا ما لا نرجوه لهذا البلد العزيز، علما أن الدستور المغربي قد كفل لكل الأقليات المتواجدة حق ممارسة شعائرهم الدينية والتعبدية في مؤسساتهم الدينية الخاصة بكل حرية واحترام، ويتعلمون مبادئ دينهم في مدارسهم التعليمية الخاصة بهم. وبالتالي فتغيير المصطلح في النهاية يوحي باحتمال تدريس جزء من مبادئ الديانة اليهودية والديانة المسيحية في إطار مرجع تعليمي واحد.


+لكن بعيدا عن مسألة المصطلح فضرورة مراجعة المناهج تأتي بعدما تم انتقاد هذه المناهج لكونها تؤدي إلى التطرف الذي هو ضد قيم التسامح والوسطية والاعتدال ؟
- السؤال في شقه الأول له ما يسوغه وهو ضرورة مراجعة مناهج وبرامج مادة التربية الإسلامية بغية تجويدها في سياق المساهمة في تجويد مسار المنظومة التعليمية بالمغرب شريطة عدم الإخلال بالمضمون الإسلامي للمادة محاباة لجهات ما علمانية أو غربية، بل ينبغي أن يكون التغيير استجابة لحاجة وطنية تراعي الخصوصية الإسلامية لهذا البلد الأمين. ولهذا نحن نتفاعل مع هذا التوجيه الملكي ونتطلع في الآن نفسه إلى مراجعة رصينة لهذه المناهج الدراسية لإعطاء المادة المكانة اللائقة بها بحيث تصبح مسهمة في تنمية المجتمع وحماية أمنه الروحي من كل أشكال الغلو والتطرف.
وأما الشق الثاني من السؤال وهو كون المادة المدرسة تؤدي إلى التطرف وضد قيم التسامح والوسطية والاعتدال فهذا استنتاج وادعاء باطل يعوزه الدليل، ويروج له للأسف جهلا أو قصدا، فمادة التربية الإسلامية يرجع لها الفضل في إيجاد الشخصية المتوازنة والسوية فكرا وسلوكا، فهما وتطبيقا، قيما وأخلاقا بعيدا عن كل غلو أو تطرف. ثم لماذا هذا الربط بين المادة والتطرف ومن له الحق في أن يصدر صك هذا الاتهام، وما الحجة والدليل والأساس الذي استند إليه في استصدار هذا الحكم، إنه جور واتهام نرفضه جملة وتفصيلا، فهو اتهام يطعن في جهود أساتذة المادة ومفتشيها، كما يطعن في مصداقية رقابة الوزارة الوصية على الشأن التعليمي. فالناظر في مقرر التربية الإسلامية الذي ندرسه للناشئة غني بقيم الإسلام النبيلة كالتسامح والتعايش وغيرها، لكن أن نتهم بأننا ندرس التطرف فهذه مغالطة لا نقبل بها البتة.


+إذا كانت هذه المقررات سليمة وتدعو إلى القيم النبيلة بعيدا عن التطرف فلماذا تتم مراجعتها إذن في نظرك ؟
-فالتجديد ضرورة حتمية وحاجة ملحة لا ريب تقتضيها متغيرات الزمان والمكان لكنه تغيير في الآليات والوسائل، وتجويد في المضامين والمناهج والبرامج سعيا للرقي بمستوانا التعليمي وترسيخا لقيم الإسلام السمحة. وما نؤمله أن يكون منهج الإصلاح يعتمد الكيف بدل الكم، وأن تكون المضامين المقررة للتلاميذ فعلا مستقاة من الثقافة ومن الأصول الإسلامية بحيث تشمل الجانب المعرفي والقيمي والمهاري لأننا نريد من المتعلم أن يمتلك المعرفة الإسلامية الصحيحة ويمتلك طريقة ممارستها أيضا، وهكذا فالمادة في حاجة إلى تطوير في مضمونها وفي طرق تدريسها كي تكون مادة حيوية فاعلة تنشئ مواطنا قادرا على الاندماج في وسطه الاجتماعي ومجابهة مشكلاته وبناء ذاته وبناء مجتمعه وهذا ليس بالأمر الهين، بل يحتاج إلى مراجعة رصينة لا تخالف في مضامينها جوهر الإسلام وماهيته وتستجيب لتطلعات الناشئة والمجتمع.


+كيف وقد تم المرور إلى مرحلة التطبيق وبدأ الشروع في تأليف المقررات الجديدة التي تم وضعها وفق المراجعة؟
-لازال التصور غير واضح والرؤيا غير ناضجة لم تأخذ حقها بعد في التداول والتشاور، ولم يتم إشراك الفاعلين في الحقل التربوي ممن هم من أهل الاختصاص في هذا المجال، كل ذلك من العوائق التي قد تحول دون الإخراج الجيد لهذا المنتوج المرتقب، يؤكد ذلك السعي المستعجل لإخراج مقررات دراسية في زمن قياسي لا يحترم معايير الجودة مما سيترتب عليه عيوبا ونقائص معرفية ومنهجية.