في سياق رصد تفاعل الوسط الحقوقي مع التطورات الأخيرة لقضية تورط البرلماني ورئيس جمعية كرامة لحقوق الإنسان، عبد العالي حامي الدين، في مقتل الطالب أيت الجيد محمد بن عيسى سنة 1993، وبروز معطيات دفعت بعائلة الضحية للمطالبة بإعادة فتح الملف من جديد، اتصلت "أنفاس بريس"، بالأستاذ عبد الغني السلماني رفيق الضحية، الذي أدلى لنا بهذا التصريح..
"نظرا لحساسية الملف، ونظرا لطبيعة المستهدف الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى، الذي تمت تصفيته يوم فاتح مارس 1993، منذ ذلك التاريخ وإلى حدود 2001 و2005، فالجميع سواء من أقارب الشهيد أو رفاقه وأصدقائه، والذين رافقوه وعاشوا معه في الجامعة (أنا واحد منهم)، كنت مرة أحاول أن أميط اللثام عن ملف القضية، وأنبش في تفاصيله، وأكتب مقالات في الموضوع بمناسبة ذكرى استشهاد أيت الجيد محمد بن عيسى، ولم أكن أعرف أن حامي الدين متورط بشكل مباشر حتى اللحظة التي صدرت فيها الأحكام وأدين وقضى عقوبة حبسية مدتها سنتين.
لقد استمعت لشهادات، من بينها شهادة الطالب الحديوي الخمار، باعتباره رفيق الشهيد، وكان لحظة تصفيته يمتطي معه سيارة الأجرة.. والثابت أن الشهيد أيت الجيد قد اغتالته حركات الإسلام السياسي، وعدد الأشخاص المشاركين في تنفيذ التصفية الجسدية يتجاوز 16 فردا، أوقفوا سيارة الأجرة، وتم إنزال أيت الجيد محمد بن عيسى، رغم مقاومة الخمار لذلك، لكن في آخر المطاف توصلوا إلى اغتيال الشهيد، رغم أنه إنسان مسالم واجتماعي وينبذ ثقافة العنف والكراهية.
أيت لجيد في تلك الفترة كان عضو لجنة الجامعة الانتقالية (وهذا الأمر لا تتناوله الصحافة).. الشهيد كان في تلك الفترة عنصرا قياديا باسم الطلبة القاعديين التقدميين، وكان هناك إمكانية الهيكلة، لأن تلك المرحلة شهدت حوارا فصائليا، مما سهل إمكانية عقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد الوطني لطلبة المغرب. ولكن للأسف شاءت لأقدار، وشاء التحالف ما بين قوى الإسلام السياسي ووزارة الداخلية التي كانت توظفهم وتوفر لهم الأجواء وأمكنة التداريب.. وفي هذا السياق نستحضر إنزالات سنتي 1990 و1991 والتي توجت باغتيال الطالب المعطي في وجدة، وأيت الجيد في فاس، وهذه الأحداث خير دليل.
هذه ذاكرة نعتبرها جزءا من تاريخ المغرب، لا نريد أن نمر على هذه الفترة مرور الكرام ، وباعتبار أن "المتهم" حامي الدين كان طالبا سنة 1993، وقبل أن يلتحق بشعبة الحقوق، فقد كان طالبا فاشلا في شعبة العلوم ورسب في اجتياز الامتحانات، حيث سيتمكن من تغيير الشعبة بواسطة التيار التقدمي الذي كان سائدا وسط الجامعة آنذاك.
لذلك أقول لحامي الدين، إن كان يثق في قضاء وطنه، وقانون بلده، ويدعي أنه بريء، فلماذا لا يترك القضاء يقوم بمهامهم، وتأخذ لأمور مجراها الطبيعي، ليثبت براءته أمام المجتمع المغربي.. أما إن كان متورطا وتوفرت القرائن والمعطيات الجديدة التي تفيد أنه فعلا قام بعملية اغتيال أيت الجيد، فعلى حامي الدين أن يترك القضاء يقوم بعمله.
لكن الأساسي في هذا الملف بالنسبة لنا هو ابراز الحقيقة والكشف عن الحقيقة، نحن نريد أن نعرف من اغتال الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى؟ ويجب على حامي الدين أن تتوفر فيه الشجاعة ويستيقظ ضميره، ويقول "راه اللي قتلوا أيت الجيد محمد بن عيسى ينتمون لحركة الإسلام السياسي.. وأنا ما معاهمش" مثلا. فإن كان يعتبر نفسه بريئا عليه أن يقول الحقيقة.
التيار الذي نتحدث عنه هو تيار استئصالي ظلامي داخل الجامعة، وبأن الوضع الذي كانت تعيشه الجامعة المغربية، وخاصة كلية الآداب والعلوم الإنسانية والمواقع الجامعية بكل من وجدة فاس مكناس مراكش... هو نفس الوضع الذي تعيشه عدد من الدول العربية، سواء في سوريا أو ليبيا والعراق. فأحداث 16 ماي الأليمة في المغرب هي نتيجة تراكم فعل تفريخ الحركات التكفيرية.
وبصفتي باحثا ومهتما، أقول إنه يجب تسليط الضوء على ذهنية التقديس الساذج للديني، التي أصبحت تكتسح الفضاء العام، وتفرض نمطها على المجتمع، حيث توجهاتها وتوجساتها لم تعد ملائمة للذهنية الحديثة التقدمية المؤمنة بقدرة الإنسان بالتفاعل مع المحيط، والجواب عن إشكالات الواقع، وتعقيداته، هذا هو الذي يحركنا في هذا الجانب، لأننا مؤمنون ببناء وطن يتسع للجميع.
اللحظة التي وصلت فيها حركات الاسلام السياسي للسلطة، وتمكنت فيها من الحكم، غيرت من خطابها، وتقول بأنها قامت بمراجعات فكرية، لكن التاريخ المقرون بالجرائم ضد الإنسانية ليس فيه تقادم.. لذلك نحن نفتح هذا الملف ونتابعه باعتبارنا شاهدين في نلك الفترة، وكانت لنا علاقات رفاقية مع الشهيد أيت الجيد في تلك المرحلة.. وأعتبر هذا شهادة لتاريخ، نحن لا نتجنى على أحد أو نستهدف طرفا معين، أو شيئا من هذا القبيل، ونضالنا للكشف عن الحقيقة ليس استغلالا سياسويا لملف الشهيد أيت الجيد محمد بن عيسى".