الاثنين 29 إبريل 2024
سياسة

لإقبار قضية شهداء قوات الأمن.. الجزائر تتحرك لشراء صكوك الغفران لجلادي مجزرة «إكديم إيزيك» بالصحراء

لإقبار قضية شهداء قوات الأمن.. الجزائر تتحرك لشراء صكوك الغفران لجلادي مجزرة «إكديم إيزيك» بالصحراء

منذ اندلاع أحداث «إكديم إزيك» في نونبر 2010 وقضية السجناء المترتبة عنها تشكل، يوما بعد يوم، مجال الاستثمار السياسي بالنسبة إلى خصوم المغرب ومحترفي العمل الحقوقي الدولي، الأمر الذي حول الموضوع إلى سجل تجاري محفوظ أصبح معه الجلادون ضحايا، بل أصحاب قضية، وعناوين للمساومة في المحافل الدولية، خاصة مع التطورات التي عرفتها قضيتنا الوطنية مؤخرا في أكتوبر من سنة 2010، شهدت مدينة العيون عمليات نزوح جماعي باتجاه نصب الخيام بضاحية «إكديم إزيك». كانت الصورة آنذاك تفيد بأن النازحين يسيرون في أفق رسم لوحة احتجاجية من خارج المدينة ضد على ما اعتبر عنف المدينة الاقتصادي والاجتماعي. وقد ضخم هذه الصورة سوء العلاقة والتدبير بين مسؤولي السلطات المحلية والمنتخبة وبعض أعيان مدينة العيون. ومن تم برزت أكبر المطالب المنادى بها، والتي قد تقرأ من وجهة موضوعية على أنها التمثل الطبيعي لمطلب المغاربة في العيش الكريم من قبيل التنديد بجشع سياسة العقار ، وبتردي آليات الحماية الاجتماعية...

لكن للصورة خفاياها ومضمراتها التي لم تنقلها آنذاك وسائل الإعلام الوطنية والدولية، أو تلك المعادية لوحدتنا التربية. بل ترصدها وقائع وسير المتورطين في اندلاع تلك الأحداث، هؤلاء الذين حولتهم بعض وسائل الإعلام الأجنبية إلى «أبطال» بمعارك وهمية، وإلى رموز للعمل الحقوقي الدولي. وهي السير والوقائع التي تثبت بأن الأحداث كانت عبارة عن سيناريو مرتب سلفا من طرف انفصاليي الداخل، تجاوبا مع مخطط التأزيم المملى أساسا من طرف حركيي تلك التظاهرة بقيادة النعمة الاصفاري والذي يفيد وجود أنظمة أمنية وعسكرية ولوجيستيكية تحكمت في إدارة خطة النزوح، ووجهت العمل التنسيقي مع السلطات المحلية خلال عمليات التفاوض، ودبرت احتجاز المواطنين الذين تجاوبوا مع نداء فض الاحتجاج، خاصة بعد أن لبيت مطالبهم المعلنة، وما واكب ذلكم من عمليات تجييش وتحضير وتعبئة وصلت إلى حد المواجهة الدموية مع القوات العمومية التي ترتب عنها 11 قتيل من عناصر القوة العمومية.

لرسم «بروفيل» لهؤلاء الحركيين الذين تزعمهم النعمة أسفاري  لا بد أن نشير إلى معطى أساسي يتمثل في كون جزء من المتورطين هم من ذوي السوابق، وهو ما ينفى عنهم الطهرانية المفترضة للمناضلين الحقوقيين بشكل عام. ويتمثل المعطى الثاني في كون جزء من هؤلاء المدانين هم أصلا من مدن مغربية مختلفة وغير متنازع عنها، ذلك أن خمسة منهم ينحدرون من كلميم وأسا وطانطان...

أما المعطى الثالث فهو ما يعكس الوجه الأخطر للأحداث التي يريد المتورطون أن يقدموها كتعبير احتجاجي يروم تحقيق مطالب عامة بوسائل سلمية (؟!). يتعلق الأمر في هذا الخصوص بنوعية المحجوزات التي ضبطت في الخيام والتي تتوزع تتوزع إلى عملات أجنبية (الأورو والدينار الجزائري تحديدا) وسلاح أبيض من قبيل الفؤوس والسواطير والسكاكين والسيوف...

المعطيات الثلاثة تفتح نية التسخير السياسي، وارتباط ذلك بأجندات الخارج (الجزائر والبوليزاريو تحديدا)، وانخراط كل ذلك ضمن فكرة التسويق الحقوقي التي صارت تطبع العمل الدولي في مجال حقوق الإنسان، خاصة بعد تحول هذا العمل إلى «مكاتب دراسات» تحت الطلب اخترقتها الجزائر (عبر التمويل السخي) كوصفة جديدة في مناوراتها الدولية بعد كساد وصفتها السابقة الممثلة في ما يسمى في المعجم والسلوك الجزائريين، وفي سوق النخاسة الدولية بشكل عام بلعبة «الحقائب الدبلوماسية».  

وقد تعزز هذا التوجه على الخصوص بانخراط جيوب «حقوقية» مغربية أصبحت بمثابة «مكاتب انتداب» لتلك السوق في المغرب. بل الأنكى من ذلك أن هذه المكاتب «المحلية» قد صارت تضع قضية المدانين في ملف «إكديم إيزيك»، موضوع الدرس ضمن صدارة الأولويات «الحقوقية»، تماما كما لو أن المغرب الحقوقي مهيأ فقط لمثل هذه القضايا التي يحاكم فيها فعلا مواطنون مغاربة من أجل «جرائم تكوين عصابة إجرامية، والعنف في حق رجال القوة العمومية أثناء مزاولتهم لمهامهم المفضي إلى الموت بنية إحداثه». وكما لو أن قضايا حقوق الإنسان الجوهرية في المغرب قد حلت لنتفرغ فقط إلى هذا النوع من النشاط العام. والغريب في سلوك هذه المكاتب صمتها المطلق عن حقوق الضحايا من القوات العمومية المغربية الذين سقطوا في أحداث «إكديم إيزيك»، وهو يمارسون واجبهم الوطني في مواجهة نزعات الانفصال، مثلما يسجل صمتها «التاريخي» عن الآثار الإنسانية المدمرة الناتجة عن طرد آلاف المغاربة من الجزائر سنة 1975 كردة فعل همجية على نجاح المسيرة الخضراء. كما يسجل صمت المكاتب ذاتها عن انتهاكات حقوق الإنسان في تندوف وفي الجزائر المفترض أنها امتداد لنا في المحيط الإقليمي، وهو اعتبار جيو سياسي تحتمه مقاربات القرن حيث من المفترض كذلك أن قضية حقوق الإنسان هي كل لا يتجزأ بالمنظور الكوني لهذه الحقوق.

لكل هذه الاعتبارات تتضح الصورة بظاهرها وباطنها لتؤكد أن أحداث «إكديم إزيك» كانت لحظة مفصلية في إبراز أن الأمر يتعلق بحرب مستأنفة تشنها علينا الجزائر رسميا من خلال استمرار مناوءتها للقضية الوطنية عن طريق احتضان فكرة الانفصال سياسيا ولوجيستكيا، وعن طريق وكلائها في المغرب والعالم، بأذرع الانفصال المبثوثة على امتداد الوطن، وبالمسوقين الخارجيين، وعن طريق استثمار «مكاتب الدراسات» في مجال حقوق الإنسان. مجمل التحليل إن أحداث «إكديم إزيك» هي فصل جديد ضمن استراتيجية التي لا تكفي الجزائر من خلالها باجترار الدور التقليدي الممثل في دعم أطروحة الانفصال، والسعي الدائم إلى مضايقة الحق المغربي، ولكنها تضيف إلى كل ذلك أهدافا مضاعفة أخرى على شاكلة الطعن في النظام القضائي المغربي، وفي المنظومة السجنية بادعاء أن محاكمة المتورطين قد تمت خارج اعتبارات المحاكمة العادلة، وبادعاء تعرض هؤلاء السجناء إلى أبشع أصناف التعذيب الممنهج في أفق الادعاء الكبير بأن المغرب بصدد ممارسة «إبادة عرقية» للرافد الصحراوي. 

تفاصيل أوفى تطلعون عليها في عدد أسبوعية "الوطن الآن" المتواجد حاليا في الأكشاك