الاثنين 6 مايو 2024
سياسة

يونس فراشن: تنامي الفعل الاحتجاجي بالمغرب بلور أشكالا جديدة ومبتكرة في التعبير عن الاحتجاج

يونس فراشن: تنامي الفعل الاحتجاجي بالمغرب بلور أشكالا جديدة ومبتكرة في التعبير عن الاحتجاج

في سياق تضارب المواقف بين مكونات كتيبة الفريق الحكومي برئاسة بن كيران بخصوص منع المظاهرات وقمع الاحتجاجات بالعنف والقوةهذا الحراك الاجتماعي والذي دشنته الأطر العليا المعطلة مرورا بجمعيات المعطلين بمختلف درجات مستوياتهم التعليمية فضلا عن مختلف المسيرات الشبابية والنسائية، وصولا إلى حركة الطلبة الأطباء ثم الاساتذة المتدربين للتصدي لقرارات ذات الحكومة وإعمال القانون وأجرأة مضامين دستور 2011 للتأسيس لمغرب الحريات، في هذا السياق عادت عقارب الزمن المغربي لطرح قضية الحركات الاحتجاجية السلمية في الشارع العام وأمام مؤسسات الدولة ، ولمساءلة الوضع القانوني في هذا الشأن فتحت "أنفاس بريس والوطن والآن" صفحاتها لمختلف الفاعلين السياسيين والنقابيين والحقوقيين والجمعويين لمناقشة الحق في التظاهر والاحتجاج وأسبابه ومسبباته وهذا نص الحوار مع الاستاذ يونس فراشن عضو المكتب السياسي لحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وعضو الهيئة التنفيذية لفيدرالية اليسار الديمقراطي.

ـ لماذا في نظركم هذا التصاعد المطرد للحركات الاحتجاجية بالمغرب؟؟

يعيش المغرب اليوم حالة احتقان اجتماعي خطير، وهو وضع لايتعلق بظرفية طارئة أو عارضة يجتازها المجتمع، بل هو تعبيرعن أزمة بنيوية عميقة وهي نتيجة حتمية للاختيارات اللاشعبية واللاديمقراطية للدولة والحكومة أو الحكومات التي تعاقبت على تنفيذ إملاءات المؤسسات المالية الدولية و خدمة مصالح المخزن السياسية والاقتصادية وهو ما أدى الى تفاقم الأزمة الاجتماعية كجزء من الأزمة البنيوية الشاملة وتخلي الدولة تدريجيا عن أدوارها الاجتماعية، لهذا كان من الطبيعي ان يعرف المغرب سلسلة من الأشكال الاحتجاجية و النضالية لمواجهة هذه الهجمة غير المسبوقة على المكتسبات الاجتماعية والضرب المتصاعد للقدرة الشرائية للمواطنين، وعوض ان تبحث الدولة وحكومتها عن اجوبة للوضع الاجتماعي ومعالجة أسباب الأزمة فإنها تلجأ كعادتها للمقاربة الأمنية لوقف هذه الاحتجاجات لأنها تعتبرها انتقاصا من هيبتها.

ـ كيف تقرؤون تطور الوضع الحقوقي بالمغرب في علاقته بدستور 2011 وهل تلمسون تغييرا نحو الأفضل أم العكس؟

بالنسبة لنا داخل حزب المؤتمر الوطني الاتحادي نعتبر أن مغرب اليوم يعرف تراجعات وردّةً غير مسبوقة على جميع المستويات، ضرب للمكتسبات الاجتماعية وتعميق أكبر للفوارق الطبقية والمجالية وتفويت معلن للخدمات الاجتماعية واستمرار أشكال الفساد الإداري والاقتصادي، كما أننا أمام عودة قوية لمظاهر التحكم و الاستبداد وضرب الحقوق والحريات وخاصة الحق في التعبير وإبداء الرأي والاحتجاج، تراجع يبرزمن خلال مجموعة  من الأحداث والممارسات التي تؤكد عودة المغرب الحقوقي إلى زمن السبعينات والثمانينات و يمكن أنأشير هنا على سبيل المثال لا الحصر لما وقع من تعنيف همجي ولاإنساني للأساتذة المتدربين والقمع الوحشي الذي تعرضت له احتجاجاتهم السلمية في العديد من المواقع وخاصة بإنزكان رغم عدالة مطالبهم والتي نعيد التأكيد على مساندتنا المطلقة لها، وقبلهم تعرض الطلبة الأطباء للقمع داخل الحرم الجامعي، أما قمع الأشكال النضالية للمعطلين والمكفوفين وغيرهم فقد اصبحت تحدث بشكل شبه يومي، وكلها تدخلات وقعت وتقع في أغلب الحالات دون أدنى احترام للقانون، كما أنناأمام موجة من التضييق الممنهج على مجموعة من التنظيمات الحقوقية والنقابية، وهنا لابد من أنأشير إلى ما يتعرض له الأخ عبد الله رحمون عضو المجلس الوطني لحزبنا وعضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل وكاتب اتحادها الجهوي بأكادير والذي صدر في حقه حكم قضائي غريب يقضي بالحجز على شقته بمبرر تحريضه للعمال على الإضراب وهو ضرب سافر للحريات النقابية، فضلا عن محاكمة القاضي الهيني الذي عبر عن رأيه ودافع عن استقلال القضاء، كما أننا تتبعنا جميعا فضيحة حقوقية صارخة بمنع الأساتذةالمتدربين ومواطنين من السفر تحسبا لمسيرة الأحد 24 يناير عبر محاصرة المحطات الطرقية والسككية.

هذه كلها أحداث ووقائع تؤكد بالملموس اننا أمام تراجع خطير في المجال الحقوقي، وضرب حتى للحد الأدنى من الحقوق التي يكفلها دستور 2011، كما أنها ضرب وتجاوز لكل المواثيق والعهود الدولية التي صادق عليها المغرب.

ـ ما هي أسباب هذا التراجع؟ وما هي الضمانات الحقوقية والقانونية لتحصين مطلب الحق في التظاهر السلمي والحضاري؟

نعتقد في حزب المؤتمر الوطني الاتحادي أن أسباب هذا التراجع تعود بالأساس إلى غياب الديمقراطية، لأن الديمقراطية الحقيقية تتأسس أولا على احترام حقوق الإنسان والحريات الفردية والعامة وفصل حقيقي للسلط ومؤسسات تمثيلية فعلية تجسد الإرادة الشعبية ،لكننا للأسف أمام دولة لا تمتلك الوعي التاريخي لتستوعب مطلب التغيير كضرورة وطنية تاريخية موضوعية لأن بنية تفكيرها السياسي تقليدانية محافظة رغم ترويجها لواجهة حداثية بتواطؤ مع بعض النخب السياسية التي اختزلت العمل السياسي في الولاء للدولة، ويظهر ذلك من خلال مقاربتها الأمنية في التعامل بنزعة سلطوية محضة مع الاحتجاجات والحق في التعبير بمبرر الحفاظ على هيبة الدولة، ونعتقد كذلك أن من أسباب هذا التراجع الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي يتسم بالهجوم العنيف على مكتسبات العمال والمستبعدين اجتماعيا بشكل عام، وهو واقع مرتبط بسياق أزمة الرأسمالية وجشع الرأسمال، فمجموعة من الدول اليوم تعيش توترات اجتماعية نتيجة ارتفاع الأسعار وضرب خدمات الحماية الاجتماعية والنقص الحاد في فرص العمل اللائق وغيرها من التحولات في البنيات الاقتصادية و العلاقات الاجتماعية التي تنعكس على المستوى السياسي والحقوقي وهو ما ينطبق على المغرب كذلك، فتنزيل مجموعة من السياسات اللاشعبية، وضرب المكتسبات الاجتماعية كالتقاعد وصندوق المقاصة، والإجهاز على الخدمات العمومية كالصحة والتعليم و استمرار أشكال الفساد والريع، يؤدي إلى المزيد من الاحتجاج والتوتر الاجتماعي، وهو ما تقابله الدولة بمزيد من تضييق هامش الحريات والحقوق بغاية الضبط والتحكم.

بناء عليه نعتبر في المؤتمر الوطني الاتحادي وفي فيدرالية اليسار الديمقراطي أن الضمانة الأساسية لاحترام الحقوق والحريات  هي الاستمرار في النضال من أجل البناء الديمقراطي وعناوينه الأساسية الملكية البرلمانية، وفصل السلط، ودولة المؤسسات والحق والقانون، والقضاء على كل أشكال الفساد والريع والإقصاء وتحقيق العدالة الاجتماعية. 

ـ هل الحركات الاحتجاجية السلمية والحضارية تساهم في بلورة وعي المجتمع من خلال ترسيخ قيم الحرية والديمقراطية؟

يمكن أن نقول أن الحركات الاحتجاجية السلمية والحضارية ساهمت في تكسير حاجز الخوف، ولو بشكل نسبي كما أن تنامي الفعل الاحتجاجي بالمغرب بلور أشكالا جديدة ومبتكرة في التعبير عن الاحتجاج، وظهرت أساليب جديدة كذلك في وسائل التعبئة وتشكيل الرأي العام وتتمثل أساسا في وسائط التواصل الاجتماعي، وهو ما بدأ يؤسس لترسيخ ثقافة الاحتجاج في المجتمع، لكن لابد من القول كذلك أن الحركة العفوية للجماهير والمطالب الفئوية المعزولة لا تؤدي بالضرورة إلى ترسيخ الوعي بضرورة التغيير الديمقراطي فهذا دور المثقف كمنتج للوعي ودور القوى الديمقراطية التي يجب تقوم بتنزيل الوعي بضرورة الربط الجدلي بين الوضع الاجتماعي وبين البنيات السياسية والقانونية القائمة، فأغلب الحركات الاحتجاجية بالمغرب اليوم سقف مطالبها اجتماعي بالأساس، لكن الاحتجاج الاجتماعي عندما يواجه بالقمع والعنف يبدأ بشكل تدريجيي في رفع سقف المطالب واتخاذ أفق سياسي غير مؤطر ولعل تجارب دول بجانبنا خير تأكيد.

ـ لماذا تصر الحكومة المغربية على عدم تفعيل القانون لضمان الحقوق والواجبات انطلاقا من حركية المجتمع وفعالياته المدنية والحقوقية والسياسية والنقابية؟

الحكومة الحالية تطبق السياسات النيوليبرالية الأكثر توحشا، وتضرب في العمق كل التراكمات التي حققها الشعب المغربي وقواه الحية المناضلة من مكتسبات حقوقية وسياسية واجتماعية، فرئيس الحكومة ينطلق من وهم الشرعية الشعبية وتمثله الغير السليم للديمقراطية، والتي يؤمن بجانبها التقني فقط بمعنى الأغلبية والأقلية، بينما الديمقراطية في الواقع هي تدبير حضاري للصراع بين مصالح مختلف التشكيلات الاجتماعية في المجتمع عبر تعبيراته المدنية والسياسية والاجتماعية، اليوم الحكومة تلغي كل آليات إشراك تنظيمات المجتمع ولنا في تجميد الحوار الاجتماعي مع النقابات ومحاولة تمرير خطتها لإصلاح التقاعد خير دليل على ذلك، لهذا فنحن  كحزب المؤتمر الوطني الاتحادي نعتبر أن استمرار وتزايد مستوى الاحتقان الاجتماعي مع ما يرافقه من ضرب لكل مؤسسات الوساطة بين الدولة ومكونات المجتمع والاستمرار في قمع الحركات الاحتجاجية وضرب الحقوق والحريات الأساسية، سيؤدي بالبلاد إلى المجهول، لأن الاستقرار لا يبنى بالاستبداد والقمع والتحكم بل بضمان الحقوق والحريات وضمان العيش الكريم لكافة أبناء الوطن، ولأن الوطن ليس فقط حدود وجغرافيا فقط بل أيضا حقوق مدنية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، وقد دعا المكتب السياسي للحزب في آخر بيان له، دعا الدولة والحكومة إلى معالجة أسباب الاحتقان الاجتماعي من خلال مباشرة الإصلاحات الحقيقية السياسية والمؤسساتية، واحترام الحقوق والحريات، وتقليص الفوارق الطبقية  وتعزيز الدور التوزيعي للدولة بما يحقق شروط العدالة الاجتماعية.