السبت 18 مايو 2024
سياسة

عبد اللطيف أكنوش: الحلف المقدس.. الملك و"بيجيدي"، وجهان لعملة واحدة (الجزء الأول)

 
 
عبد اللطيف أكنوش: الحلف المقدس.. الملك و"بيجيدي"، وجهان لعملة واحدة (الجزء الأول)

في "الزمن الدافئ" بالانتخابات والحملات الانتخابية، كثيرا ما يفتح الباب للتعليقات والقراءات والتحليلات التي تنصب على النتائج وعدد الأصوات والمقاعد، وصعود هذا الحزب أو ذاك، وأفول نجم حزب زيد أو حزب عمرو.. أمر طبيعي في المجتمعات التي ترعرعت في أحضان الديمقراطية بانتخاباتها وحملاتها ومشاريع أحزابها، بحثا عن الأفضل لشعوبها.. وهو أمر قد يكون شاذا في مجتمعنا، أو في المجتمعات التي تشبهه، بالنظر لكونه في بداية الطريق من أجل بناء ديمقراطيته.. أمر شاذ إذا لم تترك أمور التحليل لأصحابها "الشرعيين" من ذوي الاختصاص في إطار ما يسمى "مبدأ التخصص الوظيفي" المعمول به في الديمقراطيات المتقدمة... فالأشياء عندنا تبدو مقلوبة، إذ ينزوي المتخصص ويترفع عن الإدلاء بدلوه في التحليل والتعليق، وينبري من لا اختصاص له ويقول ما يشاء مغلفا إياه في مصطلحات مستقاة من سجل العجيب الغريب، أو من قواميس علم الحيوان، أو من قواميس السحر والشعوذة والكلام بالمرموز.. وفي أحسن الحالات يهرب "المحلل" إلى مفاهيم الماضي البعيد أو القريب لتأطير كلامه، غير مكلف نفسه عناء البحث في المتغيرات على الصعيدين المؤسسي والسياسي، فيعيد بذلك كلام الماضي مفوتا فرصة الفهم على السياسي، وعلى المواطن، وعلى الصحافي، وعلى الرأي العام عموما.

مناسبة هذا الكلام ما قرأته مؤخرا عن التحليلات والتعليقات التي انصبت على الانتخابات الجماعية والجهوية ليوم الرابع من شتنبر 2015.. مع أنني استبقت الحدث بأن نبهت إلى أن هناك مصطلحات فقدت الكثير من معانيها أيام الراحل الحسن الثاني وأيام محمد السادس قبل دستور يوليوز 2011، وانتقيت مصطلحين اثنين متكاملين هما "المخزن" و"حكومة الظل"! وكانت خلاصتي، أن المصطلحين معا أضحيا عديمي الجدوى في فهم الحقل السياسي المغربي، فبالأحرى فهم الانتخابات!

 ويمكن إيجاز أفكار هذه التحليلات فيما يلي، مع تشديدي على أن التحليل الذي جاد به الأستاذ محمد الناجي في صفحته على "الفايسبوك"، يبقى من أصوب التحليلات على الإطلاق، وسوف يلمس قارئ هذه الورقة، بأنني ألتقي مع جل أفكاره حول نتائج "بيجيدي"، وحول الفعل السياسي لحزب بنكيران منذ شهر يناير 2011، أي قبل الدستور وفي عز ما أسمته الصحافة آنذاك بالربيع العربي:

مجموع هذه الكتابات تنطلق من تواجد، أو استمرارية تواجد، "خريطة انتخابية" مضمرة في علاقة "القصر"، دون تحديد معنى "القصر" بالأحزاب السياسية، مع أن الجهة التي أشرفت على الانتخابات هي جهة بنكيران التي تقود الحكومة وليس غيرها، من دون أن يأبه أصحاب هذا التحليل لتناقض أطروحتهم.. ثم تستطرد هذه التحليلات بالقول أن نتائج "بيجيدي "، فاجأت القصر"، بل "وأزعجته"، من دون تبيان عناصر المفاجأة ومن دون تبيان عناصر ذلك الإزعاج وأسبابه.. وعليه سيكون مضمون هذه الورقة هو الرد على هذه الأطروحة، إن جاز تسميتها بالأطروحة، واقتراح بديل عنها من أجل فهم العلاقة السياسية التي تربط رئيس الحكومة وحزبه "بيجيدي" بالملك الدستوري بمقتضى نص الدستور الجديد وبمقتضى رمزية الفعل السياسي منذ خروج حزب الاستقلال من الحكومة وما أعقب هذا الخروج من ممارسات سياسية جديدة لا قبل للمغاربة بها، ممارسات غابت من متن التحليلات التي انطلقت منها. من هذه الممارسات الجديدية المطابقة لروح الدستور الجديد، رفض الملك التام لطلب بنكيران وشباط التدخل في قضية خروج الاستقلال من الحكومة، كما كان معهودا أيام الراحل الحسن الثاني!!

قبل يوليوز 2011، كان المطلب الديمقراطي الأساسي هو تطويق أعمال وأفعال الملك بقواعد دستورية، والقطع مع الممارسة التقليدانية المرتبطة بالفصل 19 الذي كان يجعل من الملك سلطة خارج الدستور من دون تقييدها بأي قاعدة دستورية. إذ كان بمجرد إحالة أفعاله على هذا الفصل، ينحصر الفعل القانوني للدستوري، لتحل محله ممارسات آتية من أصول الأحكام السلطانية العتيقة التي سرعان ما تنقلب إلى ممارسات تسلطية لا تترك أي هامش لحركة الأحزاب ولإعمال الآليات الديمقراطية في الشأن السياسي للبلاد ولصالح العباد.

قبل يوليوز 2011، نادى أصحاب 20 فبراير بملكية برلمانية لخصها أصحابها في مقولة "ملك يسود ولا يحكم".. إلا أن معظم مكونات الطبقة السياسية، بزعامة "بيجيدي" وبنكيران، رفضوا رفضا باتا هذا الطرح، بل وهدد بنكيران مقاطعة التصويت على الدستور في حالة ما إذا جرد الملك من جميع اختصاصاته، خاصة الدينية منها!! فوقع الاتفاق حينها بين مكونات الأحزاب السياسية، وجل مكونات المجتمع المدني، بل وبعض مكونات حركة 20 فبراير نفسها، على مقاربة تجزيئية لسلطات الملك عبر تحديدها تحديدا صارما، وتطويقها بقواعد دستورية واضحة تمنع من ضخ قواعد الأحكام السلطانية في السلطات المدنية للملك، وتخصيص فصل قائم الذات داخل الدستور ينص على الاختصاصات الدينية للملك. وهذا ما كان بأن أفرد الدستور الجديد فصلين متمايزين هما الفصل 42 للسلطات المدنية للملك كرئيس دولة، والفصل 41 للسلطات الدينية للملك كأمير للمؤمنين بوضوح تام لا شائبة فيه.