الاثنين 6 مايو 2024
سياسة

لماذا أعلن أمير المؤمنين الحرب على شيعة اليمن؟

لماذا أعلن أمير المؤمنين الحرب على شيعة اليمن؟

لم يكن انخراط المغرب في الحرب على الحوثيين ارتجالا في السلوك الاستراتيجي، أو قفزة في الفراغ، ولكنه موقف ثابت في السياسة الخارجية، وفي النهج الذي تتبناه القوات المسلحة الملكية منذ استقلال المغرب إلى اليوم. ففي سنة 1960 شاركت بلادنا في عملية الأمم المتحدة لحماية الوحدة الترابية للزايير (الكونغو الديمقراطية اليوم) التي عاد إليها لنفس المهام سنة 1977. وفي سنة 1995 شاركت وفق نفس المبدإ في الصومال، وكذلك تم الأمر في البوسنة والهرسك (1996)، وفي إقليم كوسوفو (1999)، وفي الكوت ديفوار (2001)، ثم في إفريقيا الوسطى عام 2013، إضافة إلى المشاركة التاريخية في حرب الجولان سنة 1973، مع اختلاف السياق.

إنه الإطار نفسه الذي تندرج ضمنه المشاركة المغربية اليوم في حرب استعادة الشرعية بقيادة المملكة العربية السعودية التي تربطها مع اليمن علاقة حرب وسلام منذ عشرينيات القرن الماضي.

في الورقة التالية إجابة عن أسئلة الحرب الجديدة ودوافعها، ودلالات مشاركة المغرب بوحدات قتالية بدأت في الجو، في أفق احتمال انتقالها إلى ساحة النزال البري..

جغرافية اليمن ليست فقط امتدادا ترابيا، أو مجرد حدود مع السعودية، ولكنها جزء من الأمن القومي لهذه الأخيرة التي وضعتها الأقدار الجيوستراتيجية في مجال لا يشكل فيه المقدس الديني المشترك، أو الخزان النفطي مصدر القوة الوحيد، ولكن هناك أيضا المعبران البحريان الحاسمان في حركة التجارة العالمية (مضيق باب المندب غربا، ومضيق هرمز شرقا). وتتضاعف خطورة المعبرين الحيويين بوجود الجوار الإيراني الذي جعل المملكة العربية السعودية بالفعل وبالقوة بوابة العالم العربي، ودرعه السني. وبدون استحضار هذا المعطى تظل قراءة ما يجري اليوم هناك بلا معنى أو سياق.

في سنة 1924 خاضت السعودية واليمن حربا ضروسا حول الحدود، وحول من يملك القرار الجيوستراتيجي في المنطقة، ولم تتوقف تلك الحرب المدمرة إلا بعد مرور عشر سنوات تم إنهاؤها سنة 1934 بفضل اتفاقية الطائف. وفي سنة 1962 اندلعت حرب أهلية لتفجر النسيج اليمني بعد قيام عبد الله السلال بالانقلاب على الملكية، ما دعا مصر جمال عبد الناصر إلى دخول تلك الحرب مدعمة ثورة السلال في مواجهة السعوديين الذين اختاروا مساندة الإمام محمد بدر. ودامت تلك الحرب ثماني سنوات لتنتهي سنة 1970، دون أن ينزع فتيل التوتر نهائيا. ومع ذلك هدأت العلاقات نسبيا بين البلدين، خاصة مع تمكن علي عبد الله صالح (الرئيس اليمني السابق) من انتهاج نوع من الهدنة المقنعة مع جيرانه. لكن سنة 2009 ستشهد فصلا متنوعا من التوتر الدائم إثر قيام السعوديين بقصف مواقع الحوثيين بعد انتهاكهم لحدود المملكة، بهدف ما اعتبره السعوديون سعيا شيعيا لزعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة العربية. فهل أغفل أنصار عبد المالك الحوثي هذه المعطيات التاريخية، وهم يقررون التحول من تجمع مذهبي محدود بمنطقة صعدة إلى «دولة» تغتصب الدولة لفائدة قيام نظام ولاية الفقيه عند أقدام المملكة السعودية التي يتحرك حكامها في العالم باعتبارهم قادة المذهب السني وحماة الحرمين وملاك أكبر خزان بترولي عربي؟

لا يمكن استساغة فرضية إغفال  ذلك، ولكن يبدو لنا أن هناك اعتبارين أساسيين دفعا بالحوثيين إلى الانقضاض على صنعاء، في أفق ابتلاع دولة اليمن:

أولهما، اعتبار تحركهم إحدى ثمار «الربيع العربي»، حيث يصورون أنفسهم حركة شعبية ثورية قد يقرأها المحيط الإقليمي والدولي كخيار ذاتي للشعب اليمني الذي يفترض أنه حر في تدبير تفاعلاته الداخلية.

أما الاعتبار الثاني فيعود إلى تصور الحوثيين أنفسهم مسنودين، سياسيا ومذهبيا، بقوة إقليمية كبرى هي إيران، المسنودة هي الأخرى بتحالف استراتيجي مع روسيا، خاصة وأن تمرد آل الحوثي قد تم في الوقت الذي تجري فيه المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية حول الملف النووي، والتي تعد بإمكانية قيام حل تفاوضي إيجابي للطرفين. ولأن الحوثيين يحسبون وحدهم تحرك السعوديين بسرعة قصوى ضمن تحالف يشارك فيه بشكل أساسي مجلس التعاون الخليجي، باستثناء سلطنة عمان، كما تشارك فيه فعليا القوات العسكرية في دول مصر والأردن والسودان والمغرب.

واضحة إذن بواعث إعلان الحرب على التمرد الحوثي، مثلما هو واضح قرار المغرب بالانخراط في هذه الحرب باعتبار الموقف الثابت للسياسة الخارجية المغربية بخصوص تدخلاته العسكرية في المناطق الملتهبة في العالم، وباعتبار أنه معني بوقف الزحف الشيعي على العالم العربي، وباعتبار "الالتزام الموصول بالدفاع عن أمن الشقيقة المملكة العربية السعودية والحرم الشريف، وبقية دول مجلس التعاون الخليجي الذي تجمعه بالمملكة المغربية شراكة استراتيجية متعددة الأبعاد" كما سطر ذلك بيان وزارة الخارجية المغربية بالمناسبة.

هل ستبلغ هذه الحرب غاياتها؟ هل سيضطر الحوثيون إلى التراجع إلى قواعدهم الأولى؟ وهل سينتصر خطاب الشرعية على التمرد؟

تصعب الإجابة عن هذه الأسئلة، والحرب في أيامها الأولى، لكن المؤكد أن "عاصفة الحزم" قد انطلقت بمشاركة عربية كبرى، وبمباركة أمريكية وتزكية أوروبية ومساندة تركية لا لبس فيها، ولن تهدأ نيرانها إلا بعد  إقرار معادلات جديدة في الصراع الإقليمي الدائرة أصوله الأولى منذ كان الإنسان هناك.

 (تفاصيل أخرى عن هذا الموضوع تقرأونها في العدد الجديد من أسبوعية "الوطن الآن" والذي ستجدونه في الأكشاك)

une-Coul-3