أصدر البيت الأبيض مؤخرا وثيقة استراتيجية جديدة مثيرة للجدل، تكشف عن ملامح توجه أمريكي نحو إعادة صياغة النظام الدولي وفق عقيدة "أمريكا أولاً"، وتعيد إحياء روح "عقيدة مونرو" التي تعود إلى القرن التاسع عشر، في إشارة واضحة إلى مسعى واشنطن لاستعادة نفوذها في النصف الغربي من الكرة الأرضية.
الوثيقة، التي تقع في نحو ثلاثين صفحة، توصف بأنها من بين أكثر النصوص الاستراتيجية الأمريكية أهمية خلال السنوات الأخيرة، إذ تتضمن خطوطا عريضة لرؤية إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للقيادة العالمية المقبلة، وتعلن أن "المحور الوحيد للاستراتيجية الأمريكية هو المصالح الوطنية" وفق رؤية ترامب الشهيرة.
وتشير مضامين الوثيقة إلى نية الولايات المتحدة تعزيز هيمنتها في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مع التركيز على السيطرة على قناة بنما، إلى جانب انتقاد واضح للمواقف الأوروبية من جملة من القضايا والقيم المشتركة.
كما يعتبر هذا التوجه امتدادا وتحديثا.لما يُعرف بـ"ملحق روزفلت" الصادر سنة 1904، والذي دعم تفوق واشنطن في محيطها الجغرافي.
وتؤكد الوثيقة أن مرحلة هيمنة الشرق الأوسط على السياسة الخارجية الأمريكية قد بلغت نهايتها، سواء على مستوى التخطيط طويل المدى أو أولويات العمل الميداني اليومي، في إشارة إلى إعادة توجيه الاهتمام الأمريكي نحو فضاءات أخرى يعتبرها البيت الأبيض أكثر انسجاما مع مصالحه الاستراتيجية.
أما في القارة الإفريقية، فتقترح الوثيقة انتقال واشنطن من نموذج المساعدات التقليدية إلى إقامة شراكات اقتصادية مع دول مختارة بعناية، تكون قائمة على الاستثمار واستغلال الموارد الطبيعية والإمكانات الاقتصادية الواسعة التي تزخر بها القارة.
الخطاب العام للوثيقة يوحي، بحسب مراقبين، بأن الولايات المتحدة تسعى لتكريس مرحلة جديدة من التفوق الذاتي والانغلاق الجيوسياسي على القيم والمصالح الأمريكية، في وقت تتجه فيه القوى الدولية الأخرى لبناء توازنات جديدة في النظام العالمي المقبل.