أعلنت وزارة الشباب والثقافة والتواصل عن مشروع بناء مخيم شاطئي جديد بالواليدية، بكلفة تتجاوز ثمانية ملايير سنتيم، وهو خبر يستحق التقدير من حيث دلالته على استمرار الاستثمار في فضاءات الطفولة والشباب، وتعزيز البنيات التحتية الموجهة لهذه الفئة التي تشكل رصيد المغرب الاستراتيجي.
غير أن هذا الإعلان يفتح من جديد سؤالا ظل يطرح داخل المنظومة التربوية ولدى المهتمين بتاريخ الحركة التخيمية عن كيفية التوفيق بين الحاجة إلى بناء منشآت جديدة وبين مسؤوليتنا في صيانة مراكز جبلية قديمة تحتفظ فضاءاتها على جزء غني من الذاكرة الحية للمخيمات التربوية بالمغرب.
فالمراكز الجبلية من إفران إلى أزرو وتافوغالت وتوفليحت وغيرها، شكلت لعقود مدرسة حياتية، وفضاء وطنيا لصناعة الأجيال، وحاضنة لتجارب آلاف الأطر والمتطوعين الذين مروا منها وهم يحملون رسالة التربية وروح الخدمة العامة.
إن هذه الفضاءات بتاريخها لا يجب اختزالها في كونها مجرد منشآت تحتاج إلى إصلاح، وإنما يجب اعتبارها قطع ناذرة من التراث اللامادي للمغرب، ومسارح حقيقية لذكريات جماعية طبعت شخصية ووجدان أجيال كاملة من الاطفال والشباب. ومن ثم فإن إهمالها أو تأجيل ترميمها يفقد المنظومة التخييمية رصيدا رمزيا لا يعوض.
والحديث عن صيانة هذه المراكز لا ينبغي أن هو مناسبة للدعوة إلى اعتماد رؤية متوازنة، تجعل بناء الجديد استثمارا للمستقبل، وصيانة القديم حماية للذاكرة وضمانا للاستمرارية. ومن باب حسن النية، نتمنى ألا تكون المفاضلة بين البناء والإصلاح محكومة باعتبارات تقنية أو حسابية بسيطة، إذ قد تبدو كلفة الترميم أعلى من حيث الوقت والجهد، لكنها تظل الأقل ثمنا إذا نظرنا إليها بمنطق التراث والقيمة المعنوية والهوية التربوية للمخيمات المغربية. وإن أي رؤية إصلاحية حقيقية لمنظومة التخييم لا يمكن أن تكتمل دون إدماج هذه الذاكرة ضمن أولويات الاستثمار العمومي. ومن ثم فإن بناء مخيمات جديدة خطوة إيجابية ومحمودة، لكن الحفاظ على إرثنا التخيمي مسؤولية لا تقل أهمية. وبين الأمرين يمكن للمغرب أن يجد معادلة ناجعة تجعل من التخييم ورشا مستداما يربط الماضي بالحاضر، ويمنح الأجيال القادمة فضاءات تربوية تليق بها، تجمع بين جودة التجهيزات الحديثة ومناخ تربوي أصيل يعكس هوية التخييم في بلادنا.
وإلى أن تتبلور هذه الرؤية بشكل متكامل، يظل الأمل قائما في أن تبادر الوزارة إلى إحداث مركز وطني لحفظ الذاكرة التخييمية التربوية، يتولى مهمة جمع وتوثيق التراث اللامادي المرتبط بمنظومتنا التخيمية. فالكثير من الوثائق ما تزال موزعة بين أيدي مسؤولين سابقين أو في أرشيفات جمعيات وطنية، بينما الروايات الشفوية مهددة بالاندثار مع رحيل الرواد الأوائل.