Saturday 22 November 2025
اقتصاد

محمد الديش: واقع الجبل المغربي في ظل الإجهاد المائي

محمد الديش: واقع الجبل المغربي في ظل الإجهاد المائي محمد الديش، مستشار في الديموقراطية البيئية

تعتبر جبال المغرب، ولا سيما سلاسل الأطلس والريف، شريان الحياة للبلاد، فهي المصدر الرئيسي للمياه العذبة التي تغطي أكثر من 80% من احتياجاتها. ورغم هذه الأهمية الحيوية، فإن هذه المناطق الجبلية تواجه تحديات كبيرة تتعلق بنقص المياه وتدهور الموارد الطبيعية، تعود ذلك بشكل رئيسي إلى التغير المناخي، الإدارة غير المستدامة للموارد، والتوسع العمراني.. بالإضافة إلى ذلك، فإن التلوث الصناعي والزراعي يلوث المياه الجوفية والسطحية ويجعلها بالتالي غير صالحة للشرب أو الزراعة. مما يؤثر بشكل مباشر على حياة السكان المحليين ويهدد التوازن البيئي.

 

تحديات المياه في المناطق الجبلية بالمغرب

إن السياسة المعتمدة في بناء السدود كانت تراعي السفوح والسهول، سواء لحمايتها من الفيضانات أو لتوفير مياه الري (مثل الفيضانات التي شهدها سهل الغرب والسدود التي أقيمت عقبها). في الوقت الذي لم تراعي هذه المشاريع ضمان عائدات مباشرة أو غير مباشرة من هذه المياه لفائدة مصدر هذه المياه (مثال سد بين الويدان الذي كان يسقي آلاف الهكتارات ويولد الطاقة الكهربائية في حين أن أعالي السد كانت تعيش في الظلام وتعتمد على مياه سطحية في السقي مؤخرا أصبحت تعاني من العطش. ناهيك عن مستويات التوحل التي تعاني منها هذه الخزانات بسبب تجاهل الحفاظ على علية السدود بتشجيرها وحماية غاباتها وتنمية عيش ساكنتها. 

 

وتعتبر الوضعية الحالية نتيجة واضحة للاختيارات المعتمدة مركزيا، مما انضاف إلى حدة التحديات المناخية وتهور التدخلات البشرية.

الجفاف وقلة التساقطات المطرية: تشهد المناطق الجبلية بالمغرب فترات جفاف متكررة وانخفاضًا ملحوظًا في معدلات التساقطات المطرية، مما يؤدي إلى نقص حاد في المياه.

نقص مياه الشرب والسقي: يعاني سكان المناطق الجبلية من نقص حاد في مياه الشرب الصالحة للاستهلاك الآدمي، كما تعاني الزراعة من نقص المياه اللازمة للسقي، مما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي.

تركيز الاستثمارات على السدود الكبرى: يتم توجيه معظم الاستثمارات المائية نحو بناء السدود الكبرى التي تخدم المناطق السهلية والحواضر، مما يهمش المناطق الجبلية.

ارتفاع تكلفة حلول تحلية مياه البحر: رغم أن تحلية مياه البحر تعتبر حلاً لتوفير المياه، إلا أن تكلفتها المرتفعة تجعل من الصعب تطبيقها على نطاق واسع، خاصة في المناطق الجبلية المعزولة.

تدهور الموارد الطبيعية: يؤدي الإفراط في الرعي، وقطع الأشجار، والتوسع العمراني إلى تدهور الأراضي وتآكل التربة، مما يقلل من قدرة الجبال على الاحتفاظ بالمياه.

 

آثار هذه التحديات

تدهور الأوضاع المعيشية للسكان: يؤدي نقص المياه إلى تدهور الأوضاع الصحية والاجتماعية للسكان، ويزيد من الهجرة من المناطق الجبلية.

تدهور الإنتاج الزراعي: يؤثر نقص المياه على الإنتاج الزراعي، مما يؤدي إلى انخفاض الدخل وزيادة الفقر.

تهديد التنوع البيولوجي: يؤدي الجفاف وتدهور الأراضي إلى فقدان التنوع البيولوجي في المناطق الجبلية.

زيادة حدة الصراعات على المياه: قد يؤدي التنافس على الموارد المائية الشحيحة إلى نشوء صراعات بين مختلف الفئات الاجتماعية.

 

مداخل الحلول:

إن هذا الوضع يؤثر سلبًا على حياة السكان المحليين، ويحد من التنمية الاقتصادية، ويهدد التوازن البيئي. ولذلك، فإننا ندعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة وعملية لحل هذه المشكلة، بما في ذلك:

إدارة مستدامة للموارد المائية: يجب اعتماد استراتيجيات شاملة لإدارة الموارد المائية، تشمل تحسين كفاءة استخدام المياه، وتشجيع الزراعة المقاومة للجفاف، وحماية الغابات كوسيلة للحفاظ على المياه وتنظيم المناخ.

ضمان العدالة المجالية في توزيع المياه: يجب ضمان توزيع عادل للمياه بين مختلف المناطق، مع إيلاء اهتمام خاص بالمناطق الجبلية المحرومة، والاعتراف بحقوق المنبع لسكان الجبال.

تشجيع الزراعة المستدامة: اعتماد أساليب زراعية تستهلك كميات أقل من المياه، وتزيد من خصوبة التربة، وتشجيع الفلاحات غير المستنزفة.

تطوير البنية التحتية المناسبة لتعزيز الأمن المائي: يجب الاستثمار في تطوير البنية التحتية المائية في المناطق الجبلية، بتوفير منشآت مائية صغيرة ومتوسطة في الأعالي، وحفر الآبار، وتطوير شبكات الري المناسبة للجغرافية الجبل مع إمكانية اعتماد محطات صغيرة لتحلية المياه تشتغل بالطاقات المتجددة.

تشجيع استخدام الطاقات المتجددة: يمكن الاستفادة من الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لتشغيل محطات تحلية المياه الصغيرة في المناطق المعزولة.

الإشراك وتعزيز الوعي بأهمية المياه: يجب تشجيع المشاركة الفاعلة للمجتمع المحلي في إدارة الموارد المائية، وتوعية السكان بأهمية ترشيد استهلاك المياه، وأساليب الزراعة المستدامة، والحفاظ على البيئة.

اعتماد سياسات مائية عادلة: اعتماد سياسات مائية عادلة تحفظ حقوق ساكنة الجبال، وتضمن استدامة الموارد المائية للأجيال القادمة.

التعاون بين مختلف القطاعات: يجب تعزيز التعاون بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني لحل مشكلة نقص المياه في المناطق الجبلية.

 

على سبيل الاستخلاص، تعتبر جبال المغرب ثروة وطنية يجب حمايتها والحفاظ عليها.  تحقيق هذه الأهداف يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني لحماية هذا المورد الحيوي وضمان استدامته للأجيال القادمة. فمن خلال اعتماد استراتيجيات شاملة وإدارة مستدامة للموارد المائية، يمكننا ضمان توفير المياه للشعب المغربي والحفاظ على التوازن البيئي في هذه المناطق الحساسة.