قالت الأستاذة سهام الكمراوي، المحامية بهيئة طنجة، إن قضية هدم قصر الضيافة ببوسكورة "الكرملين"، تطرح إشكالا عميقا يهم علاقة الاستثمار بمنظومة التعمير بالمغرب، حيث تتقاطع مصالح المستثمرين مع تعقيدات المساطر الإدارية وحدود تدخل السلطات، إلى جانب التفاوت الواضح في تأويل النصوص القانونية المنظمة للمجال.
وأوضحت الكمراوي أن هذا الملف كشف عن فجوة قائمة بين ما يعتبره المستثمر "حقًا مكتسبًا" بموجب تراخيص ووثائق رسمية، وما تراه الإدارة إخلالا قانونيا يبرر تدخلها لوقف الأشغال أو إصدار قرارات بالهدم، مضيفة أن كثيرا من هذه الحالات لا ترتبط بسوء نية من المستثمرين، بل ناتجة عن تضارب في التأويلات وتعدد الجهات المتدخلة.
وشددت الأستاذة الكمراوي على أن الحصول على رخصة للبناء أو التهيئة يفترض أن يضمن حدًا أدنى من الاستقرار القانوني، غير أن الواقع أثبت أن بعض الرخص لا توفر هذا الاستقرار عمليًا، بحكم أن الإدارة قد تعود لتراجع أو تعيد تقييم ملفات المشاريع عند بروز معطيات جديدة، أو بعد تغيّر المسؤولين، أو تدخل جهات أخرى ذات صلاحيات تقريرية في الميدان الترابي.
وأضافت أن الإدارة من جانبها تعتمد على القوانين المؤطرة للتعمير، مثل القانون 12-90 المتعلق بالتعمير، والقانون 25-90 الخاص بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية، بالإضافة إلى قانون مراقبة وزجر المخالفات في ميدان البناء، معتبرة أن منح الرخص لا يمنح مناعة قانونية مطلقة للمشاريع، لأن السلطات تملك صلاحية سحبها أو إلغائها إذا ثبت أن منحها تم بناءً على معطيات غير دقيقة أو مخالفة للمقتضيات التنظيمية الخاصة بالمنطقة. كما لفتت الانتباه إلى أن تنزيل النصوص القانونية على أرض الواقع يظل أكبر تحدٍّ، بسبب تداخل القوانين وتعدد الجهات، مما يجعل أي خلل مسطري بسيط، مثل خطأ في الإعلان أو الإيداع أو الملاءمة مع التصميم المصادق عليه، سببا كافيا لرفض المشروع أو سحب الترخيص أو إصدار قرار بالهدم.
وترى الأستاذة الكمراوي أن حالات كثيرة في المغرب تعطلت فيها مشاريع استثمارية بسبب جزئيات تقنية بسيطة لم يُنتبه إليها في بدايات الإجراءات.
وترى المحامية بهيئة طنجة أن الإشكال في جوهره ليس مرتبطًا بمشروع بعينه، بل بمنظومة كاملة تحتاج إلى مراجعة عميقة لضمان توازن بين حماية المجال العمراني وتشجيع الاستثمار. واعتبرت أن الإصلاح يجب أن يركز على تبسيط المساطر، وضمان انسجام بين المؤسسات المتداخلة، وتوحيد المرجعيات القانونية لتفادي تضارب القرارات.وختمت الأستاذة الكمراوي تصريحها بالتأكيد على أن تحسين مناخ الاستثمار في قطاع البناء والتعمير يتطلب أكثر من الترويج للفرص، داعية إلى تخليق مسطرة الترخيص، وتبسيط المراقبة، وتحقيق الانسجام بين السلطات المحلية والمؤسسات التقنية. وقالت إن كل خطأ قانوني بسيط في هذا المجال قد يؤدي إلى خسائر مادية واجتماعية كبيرة، ما يجعل تطوير قوانين التعمير أولوية مواكبة للدينامية الاستثمارية التي يشهدها المغرب.