لم يتوقف الجدل المتجدد إثر تصريح حمدي ولد الرشيد، رئيس جهة العيون الساقية الحمراء، حول استثناء جهة كلميم واد نون من مشروع الحكم الذاتي للصحراء.
في هذا التصريح، تؤكد ميمونة الحاج داهي، على أن جهة كلميم واد نون لم تكن مجرد مساحة إدارية يمكن استثناؤها بسهولة من سياق النزاع. داعية إلى قراءة أعمق تتجاوز الخطوط الاستعمارية الرسمية، مع تأكيد أن الحكم الذاتي مشروع دولة وحده هي صاحبة القرار النهائي..
في هذا التصريح، تؤكد ميمونة الحاج داهي، على أن جهة كلميم واد نون لم تكن مجرد مساحة إدارية يمكن استثناؤها بسهولة من سياق النزاع. داعية إلى قراءة أعمق تتجاوز الخطوط الاستعمارية الرسمية، مع تأكيد أن الحكم الذاتي مشروع دولة وحده هي صاحبة القرار النهائي..
كلما صدر تصريح يعيد ترتيب جهات الجنوب داخل مبادرة الحكم الذاتي، أتوقف عند الفكرة وليس عند صاحبها. لأن الملف أكبر من اسم، وأوسع من موقع، وأبعد من جملة عابرة.
والقول بأن جهة كلميم واد نون خارج نطاق الحكم الذاتي يستحق الوقوف، لا يدفعني إلى ذلك الاعتراض أو الاصطفاف، إنما غايتي تصحيح زاوية الرؤية.
واد نون ليست منطقة يمكن إخراجها بخط فوقي مستقيم. هي مجال عاش أثر النزاع بقدر ما عاشته الساقية الحمراء ووادي الذهب، حتى وإن كان ذلك خارج العدسات. طنطان عاشت تحت قصف القذائف، والزاك تم إجلاء ساكنته حماية لهم من الهجمات، وآسا شهد أهاليه اقتحام بيوتهم نهارًا جهارًا، ووادي درعة وآيت وابلي حجارتها شاهدة على عمليات الخطف والقتل. و"لبيرات" القرية التي اختطف ساكنتها عن بكرة أبيهم تحضر كلما احتاج المرء دليلاً على أن الأرض كانت أوسع من تقارير الإدارة الإسبانية.
ولا يعني ذلك منح الجهة وزنًا تفاوضيًا، لكنه يمنحها حقها في السرد لأنها لم تكن خارج المشهد، ولم تعش الأحداث من خلف الستار.
وهذا وحده يكفي لإعادة النظر في كل قراءة تقف عند حدود الاستعمار وتغفل حدود الحرب.
وحتى على مستوى البنية الاجتماعية، فالصورة ليست بسيطة. جنوب المغرب، بكل قبائله وتداخلاته، لم يعرف يومًا حدودًا صلبة. بعض قيادات البوليساريو خرجت من طنطان وكلميم، وهذا لا يغير موقع الجهة السياسي، لكنه يكشف أن الجنوب، في عمقه البشري، كان مسرحًا لأحداث متشابكة، ولا يمكن حصره في مربع إداري ضيق.
وحين نحتكم إلى التاريخ الإداري نفسه، تظهر مفارقات واضحة. طرفاية، وهي جزء من جهة العيون الساقية الحمراء، لم تكن ضمن الصحراء المستعمرة إسبانيا قبل 1958. المحبس، التي تعد اليوم أكثر نقطة تماس حساسة، تقع داخل تراب جهة كلميم واد نون.
وهذه التفاصيل تكفي لتوضيح أن معيار الاستعمار، وحده، لا يرسم حدودًا عادلة ولا دقيقة لمجال الحكم الذاتي.
وتبقى ذاكرة الناس مرجعًا أساسيًا في قراءة ما جرى. ذاكرة الأسر التي عاشت القصف والاختطاف والترحيل والقتل ليست روايات عائلية، بل مادة تحليلية تعيد ترتيب الخريطة بشكل أدق مما تفعله الوثائق، ومن يتجاهلها يفقد نصف الصورة.
لكن رغم كل ذلك، تبقى حقيقة واحدة ثابتة لا يختلف عليها عاقلان وهي أن الحكم الذاتي مشروع دولة.
فالدولة المغربية هي التي قدمته، وهي التي تمسك بخيوطه، وهي التي تعرف حدوده ومجاله وقيمته الاستراتيجية.
ولا يمكن لأي تصريح، مهما كانت مكانة صاحبه، أن يغير واقع أن القرار سيادي، وأن رؤيته تأتي من الرباط، بعيدًا عن لاعبي التصنيفات الجهوية.
إنصاف واد نون لا يحتاج رفع الصوت ولا خلق خصومة. يكفي فقط أن نضع الوقائع في مكانها، فالجهة ليست خارج النزاع، ولم تكن خارجه اجتماعيًا ولا ميدانيًا، لكنها أيضًا ليست طرفًا سياسيًا رسميًا داخله.
هي جزء من الصورة الكبرى، جزء من الجنوب الذي عاش ما عاش، وبقي واقفًا، دون أن يطالب بالكثير، سوى الاعتراف بدوره ضمن رواية لا يجوز بترها.. ذاكرة أهل واد نون تحمل ما لم تحمله تقارير عسكرية وما لم تشهد عليه طاولات مجالس الأمن.. "ذاك هوما أخبر فيه".
وهنا تحديدًا، يصبح النقاش صحيًا، والقراءة أكثر توازنًا، والملف أقرب إلى حقيقته من كل زوايا النظر الضيقة.. وحد يتراشف لو الرخى..