Sunday 5 October 2025
مجتمع

لحسن العسبي: هل المغربي كائن محتج (روفيكس) بطبعه؟

لحسن العسبي: هل المغربي كائن محتج (روفيكس) بطبعه؟ لحسن العسبي
أعترف بداية أن الفضل في تحنيش هذه الأسطر هنا (تكملة لما سبق على حسابي بالفايس) يعود إلى شكل تفاعل بعض "إخوتنا" المشارقة وبعض "الفهايمية العنصريين" من فرانسيس وإسبان (خاصة الحالة الباثولوجية التي يمثلها إنياسيو سامبريرو وأيضا الطفولة السياسية لمقتنصي فرص من قبيل فرانسيسكو كاريون وكولدو سالازار لوبيز)، مع المحطة الجديدة للإحتجاجات في الشارع بالمغرب التي شملت مناطق ومدنا عدة. التي اتضح من خلالها أنهم يجهلون (أو يتجاهلون قصدا) واقع الفعل الإحتجاجي تاريخيا عند المغاربة.
إن من يعود إلى عشرات الدراسات العلمية الرصينة التي اشتغلت على ظاهرة "الإحتجاجات العمومية" بالمغرب، خاصة منها الدراسات الأمريكية والألمانية والمغربية، يكاد يخرج بملاحظة محورية يمكن إجمالها في سؤال مركزي:
- هل المواطن المغربي كائن محتج بطبعه؟
سيكون من العبث الإعتقاد أن المغربي وحده من يحتج دون باقي أبناء الحياة فوق الكرة الأرضية، أو أن له امتيازا خارقا في ذلك. هذا وهم.
لكن المثير فعلا، استنادا على نتائج العديد من تلك الدراسات العلمية الرصينة (مغربية وأجنبية) هو أن المغربي راكم تجربة مختلفة في "تقنيات الإحتجاج"، التي طورت لديه مجتمعيا الوعي السياسي (بسقف وطني) من أسلوب "التمرد" (بكل فاتورته العنيفة) إلى أسلوب "الإحتجاج" (بنزوعه السلمي المدني). وأن ذلك قد تحقق منذ نهاية الثمانينات من القرن 20 (منذ أكثر من 38 سنة، أي حسابيا منذ جيلين).
إن من حسنات محطة الإحتجاجات (الشبابية) الجديدة التي نعيشها اليوم (ظاهرة جيل Z)، أنها شكلت فرصة لتعرية مدى الجهل المركب لدى جهات خارجية عربية وغربية بسبب تهافتها (وتفاهتها أيضا)، الذي يُسقِطُها بسرعة في الزَّلَلْ (لمن لا يعرف معنى الكلمة فهي أنهم "تايجيو على كنتهم"). على قدر ما هي فرصة ليتعلموا "تَمَايُزَ" القصة السياسية والإجتماعية والحضارية للمغاربة كأمة ("تمايز" وليس "تَميُّز").
إنه بالعودة، كمثال فقط، إلى دراسات كل من الباحث الإجتماعي المغربي الدكتور عبد الرحمن رشيق والباحثة المغربية مونية بناني الشرايبي والباحثة الأمريكية شانتال بيرمان (أستاذة العلوم السياسية بجامعة جورج تاون بواشنطن)، سنجد أن خريطة الإحتجاجات بالمغرب تكاد تكون أشبه بخبز يومي منذ أكثر من 35 سنة. منذ التحول من منطق "التمرد" الذي تمثله أحداث 20 يونيو 1981 كمثال، إلى وعي "الإحتجاج" السلمي.
هل سيصدق "إخوتنا" المشارقة (الزاعقون اليوم بلا علم في قنوات ومواقع إلكترونية لمجرد الرفع من التراند) أن معدل الإحتجاجات في الشارع العام بالمغرب ما بين 1995 و 2019، هو 83 احتجاجا في الشهر على امتداد كامل التراب المغربي، أي بمعدل 22 احتجاجا في الأسبوع و 4 احتجاجات في اليوم. أي أنه في بلد عربي إفريقي إسمه المغرب من دول "الجنوب المعولم" يحتج الناس في الشارع العام يوميا ب 4 مواقع، دون أن يكون ذلك سببا لأي توتر أو نتائج أمنية سلبية.
أليس هذا واحدا من العناوين على "وعي المواطنة" العالي عند المغربي (في الدولة وفي المجتمع)؟.
أليس هذا هو ما يفسر أن المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي تمت دسترة التظاهر فيه كحق من حقوق المواطنة؟
أليس المغرب هو البلد العربي الوحيد الذي تدرس فيه منذ 30 سنة مادة "حقوق الإنسان بالمرجعية الكونية" في مدارس الأطر والأمن والجيش؟.
سيكون من الوهم الإعتقاد أننا مغربيا في "جنة الحقوق"، بل إن الطريق لا تزال طويلة لترسيخ "ثقافة الحق والعدل" عندنا كثقافة سلوكية مواطنة. لكن المتحقق فعليا هو أننا نعيش تراكما للتجربة بتدافع متواصل وحي بين المجتمع والدولة بمنطق "التوافق" ومنطق "الوعي المدني السلمي". (حتى الإنزلاق الأخير نحو المواجهات العنيفة ببعض فواتيره المؤلمة شكل درسا تراكميا للجميع، كانت ترجمته في سرعة استعادة المبادرة من الجهتين للمحافظة على ذلك "الوعي المدني السلمي").
إن المغاربة يتحركون وليسوا جامدين. والمثل الشعبي المغربي يعلمنا أنه "في الحركة بركة".
بل إنه بالعودة إلى نتائج أغلب دراسات من أشرت لأسمائهم فوق، نجد أن المغاربة يتظاهرون ويحتجون وينزلون إلى الشارع العام لأسباب متعددة، يمكنني إجرائيا تقسيمها كالآتي:
- هناك الإحتجاجات السياسية الحقوقية أو الثقافية أو القومية (فلسطين والعراق) بعضها يصل إلى مليون متظاهر، وهي تشكل حوالي 40 %.
- هناك الإحتجاجات الفئوية القطاعية النقابية وهي تشكل حوالي 18 %.
- هناك الإحتجاجات المجالية الخاصة بجهة دون أخرى (العطش، الطرق القروية، الريف، جرادة كمثال) وهي تشكل 12 %.
- هناك المظاهرات ذات الشأن الرياضي (فرحا بانتصار أو احتجاجا على فريق منهزم أو قرار تحكيم خاطئ أو جامعة رياضية متحيزة) وهي تشكل 7 %.
- هناك الإحتجاجات الممكن تسميتها ب "الدينية" (قصة الإفطار العلني كمثال) وهي تشكل 2 %.
 
بالتالي، أيها "الإخوة" في هجير الشرق، ارحمونا من جهلكم بنا.
عودوا إلى كراسي العلم وأصول البحوث العلمية الدقيقة (الميدانية)، ستجدون أن المغربي يكاد يكون "كائنا محتجا" بطبعه، لأنه يصدر عن تراكم في تجربة "المواطنة".
إن ما نعيشه اليوم مغربيا هو مجرد محطة (قد تطول وقد تقصر) من مسار طويل لشعب حي. فنحن مثلما نبني الطريق فالطريق تبنينا.