في الوقت الذي يمر فيه المغرب بتحديات داخلية يتعامل معها بحكمة، خرجت توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، بتصريح صادم يبارك الفوضى ويُشرعن التخريب، مما أثار موجة استنكار واسعة داخل الأوساط المغربية.
نشر الكاتب اليمني، هاني سالم مسهور، مقالا بـ "العين الإماراتية" تناول الخلفيات الحقيقية لهذا الخطاب التحريضي، ويكشف الوجه الآخر لناشطة لم تحمل يومًا مشروع سلام، بل كانت دومًا صوتًا لمشروع إخواني لم يخلّف سوى الخراب. قراءة نقدية ضرورية في زمن اختلاط الشعارات بالمواقف، والكلمات بالنوايا.
هي الوقاحة بكل بشاعتها، فلم يكن تصريح اليمنية (حمالة الحطب) الحائزة على جائزة نوبل للسلام عام 2011، توكل كرمان، الذي وصفت فيه مشاهد التخريب والحرق في بعض المدن المغربية بـ"مجد للشعب المغربي الثائر"، مفاجئًا لمن يعرف سيرتها السياسية.
لكنه كان صادمًا للرأي العام المغربي بكل مكوناته، لأنه كشف بلا رتوش عن الوجه الحقيقي لامرأة ارتبط اسمها بالسلام، بينما مسيرتها كلها لم تكن سوى صناعة للفوضى وإشعال للنار.
منذ لحظة ظهورها كأيقونة للربيع العربي في اليمن، كانت توكل كرمان واجهة ناعمة لمشروع خشن، مشروع الإخوان المسلمين. رفعت شعارات الحرية، لكنها دفعت آلاف الشباب إلى ترك مقاعد الدراسة والانضمام إلى ساحات الاحتجاج التي تحولت بسرعة إلى منصات تجنيد إخوانية، بدلاً من أن تقود جيلًا إلى التنوير، قادته إلى المجهول، حيث انتهى كل شيء إلى كارثة، بلد محروق، دولة ممزقة، وشعب أُلقي إلى مصيرٍ مظلم.
لم يكن اليمن بحاجة إلى أصوات ترفع الشعارات وتغذي الأوهام، بل إلى بناء دولة ومؤسسات وتعليم وصحة، لكن توكل ومن معها حوّلوا الساحات إلى مواكب هتافٍ بلا مشروع، والنتيجة واضحة. الإخوان سلّموا صنعاء للحوثيين دون طلقة واحدة، لم يُطلقوا النار للدفاع عن الجمهورية التي زعموا حمايتها، بل انسحبوا بهدوء وتركوا العاصمة تسقط، إنها الحقيقة التي يعرفها كل يمني اليوم، الربيع العربي انتهى بتسليم اليمن للحوثي، وتوكل كرمان كانت في قلب هذه الخيانة.
الخيانة الإخوانية لم تتوقف عند هذا الحد، بل تكرّرت مراتٍ عدة وامتدت إلى غدرٍ بقوات التحالف العربي، دماء جنود الإمارات والسعودية والبحرين وقوات الجنوب واليمن دفعت ثمن هذه الخيانات والغدر، وبلغت الوقائع ذروتها حين زحفت قواتٌ تابعة للإخوان نحو إسقاط عدن، فتصدت لها قوات الجنوب بدعم إماراتي وتحت مظلة التحالف العربي، وكان ذلك اليوم كشفًا لوجوه الغدر وانكشافًا للنيات الحقيقية.
وإذا كان اليمن قد دفع الثمن الأكبر، فإن الإقليم كله تذوق السموم نفسها، في مصر، كانت كرمان صوتًا من أصوات الإخوان الذين حاولوا اختطاف "ثورة يناير" وتحويلها إلى مشروع تمكين عقائدي، فجعلوا البلد على حافة الانهيار. في سوريا، دعمت خطابًا مسمومًا بارك عسكرة الحراك السلمي وحوّله إلى حرب طائفية مفتوحة غذتها الجماعات المتطرفة تحت لافتة الإخوان. في تونس، وقفت مع حركة النهضة التي أدخلت البلاد في عقد من الضياع السياسي والاقتصادي، وفي كل محطة كان موقفها واحدًا، الدفاع عن الإخوان حيثما كانوا، ولو كان الثمن دماء الشعوب وخراب الأوطان.
اليوم، وبعد أكثر من عقد على ذلك الربيع المسموم، تعود لتطل من جديد، لكن هذه المرة على المغرب، بلد مستقر، يبني اقتصاده، يحضّر لمشاريع رياضية وتنموية كبرى، ويعرف شعبه كيف يطالب بحقوقه في إطار مؤسساتي، لم يكن يحتاج إلى وصاية ولا إلى خطابات تحريضية من الخارج، ومع ذلك، اختارت توكل أن تصف مشاهد سيارات محترقة ومتاجر منهوبة بأنها "مجد للشعب المغربي الثائر"، أي مجد هذا؟، وأي فخر في حرق ممتلكات الناس وترويع الآمنين؟.
التناقض صارخ: كيف لجائزة نوبل للسلام أن تبقى في يد من يبارك العنف ويدعو إلى إشعال الفتنة؟ إن تبرير التخريب بعبارات "المجد" و"الفخر" يُسقط عن الجائزة معناها الأخلاقي، ويجعلها غطاءً لمشاريع الهدم بدلا من أن تكون رمزًا لصناعة السلام. ما صدر عنها ليس موقفًا مع الشعب المغربي، بل موقفًا ضد المغرب وأمنه واستقراره.
ولعل من المفارقات أن من تحمل لقب "نوبل للسلام" تستمتع بمشاهد الدم والدخان، في بلدها اليمن دفعت الشباب إلى ساحات أدت إلى انهيار الدولة. في مصر وسوريا وتونس، دعمت القوى الإخوانية المسمومة التي سممت الحياة السياسية. واليوم، تبث السم نفسه في المغرب، لهذا ليس غريبًا أن نصفها بأنها "حمالة الحطب" التي لا وظيفة لها سوى إشعال النار وترك الشعوب تحترق.
لكن الخطورة هنا ليست في تصريح عابر على منصة تواصل اجتماعي، بل في الرسالة المبطنة. تحويل احتجاجات محدودة إلى "ثورة كبرى" هو محاولة رخيصة للركوب على الأحداث، وتوظيفها لصناعة بطولة إعلامية زائفة، التحريض من وراء الشاشة لا يكلف شيئًا لصاحبه، لكنه يكلف المواطن البسيط الكثير. التاجر الذي خُرّب متجره، الموظف الذي أُحرقت سيارته، رجل الأمن الذي كُسرت ساقه، والأم التي ارتجف قلبها خوفًا على مصير ابنها، هذه هي الحقيقة التي لا تراها توكل كرمان من منفاها، أو لا تريد أن تراها لأنها لا تعيش آثار خطابها التحريضي.
المغرب ليس بحاجة إلى وصاية خارجية، منذ سبعة عقود من الاستقلال، عالج المغاربة قضاياهم بأنفسهم، وأثبتوا أن إصلاح البيت الداخلي يتم عبر الحوار الوطني والمؤسسات، لا عبر الاستقواء بالخارج أو التحريض من بعيد، المغرب بلد السيادة والكرامة، لا يحتاج إلى دروس من ناشطة يمنية فشلت في إنقاذ بلدها وتسلمت جائزة دولية لتوزع الفوضى حيثما أرادت.
من هنا تأتي أهمية أن يكون الرد على هذا الخطاب التحريضي بحجم التحدي. الدعوة إلى عريضة وطنية بمليون توقيع تُرفع إلى لجنة نوبل للمطالبة بسحب الجائزة من توكل كرمان ليست مجرد رد فعل غاضب، بل رسالة إلى العالم بأن المغرب لا يقبل أن يُستغل استقراره لمشاريع عبثية، وأن جائزة نوبل لا يمكن أن تبقى في رصيد شخصية تبارك الفوضى وتشجع على الفتنة.
لقد أثبت التاريخ أن الإخوان حيثما حلوا تركوا وراءهم الخراب، اليمن مثال صارخ، ومصر وتونس وليبيا والسودان وسوريا شواهد حية، والمغرب اليوم يرفض أن يكون المحطة التالية في رحلة الخراب هذه، لذلك فإن تسمية توكل كرمان بـ"حمالة الحطب" ليست مجازًا بل هو توصيف دقيق، امرأة تحمل الحطب لتشعل النار، وتستمتع برؤية الدخان يتصاعد، دون أن تعنيها حياة الناس ولا استقرار الأوطان.
الدفاع عن الحقوق لا يكون بحرق الممتلكات، والسلام لا يُبنى من دخان الحرائق، المغرب لا يحتاج إلى أصوات خارجية تستثمر في أزماته، بل إلى تعزيز مسيرته التنموية، إلى حماية وحدته الوطنية، وإلى رفع صوته في وجه كل من يريد تحويل قضاياه إلى ورقة لعب، وما صدر عن توكل كرمان هو جرس إنذار. معركة المغرب لم تعد فقط مع من يندس في شوارعه، بل مع الأصوات الخارجية التي تريد تحويله إلى نسخة أخرى من فوضى الربيع العربي.