يُفترض أن تشكل الرقمنة رافعة أساسية لتحديث الإدارة العمومية وتقريب الخدمات من المواطن، غير أن التجربة المغربية ما تزال تعكس فجوة واسعة بين الخطاب والممارسة. فرغم الاستثمارات الضخمة المعلنة في مجال الرقمنة، يظل المواطن يعاني في ولوج خدمات بسيطة، مثل تجديد رخصة السياقة أو الحصول على البطاقة الرمادية للسيارة.
فعلى سبيل المثال، قد يستغرق تجديد رخصة السياقة المفقودة أو منتهية الصلاحية ما لا يقل عن ثلاثة أشهر، بعد إيداع ملف ورقي لدى مؤسسة بريد بنك، في مسار إداري يتسم بالبطء والتعقيد. بالمقابل، تقدم تجارب إقليمية قريبة نموذجًا مغايرًا: ففي الأردن، يُنجز نفس الإجراء إلكترونيًا وفي غضون ساعة واحدة فقط، بما يعكس كفاءة المنظومة الرقمية وفعاليتها. الأمر ذاته ينسحب على البطاقة الرمادية، التي تتطلب في المغرب أشهراً طويلة، بينما تُسلَّم في الأردن في ظرف وجيز لا يتجاوز ساعة.
تثير هذه المفارقة سؤالًا جوهريًا حول مردودية الوكالة المعنية، التي تُحصّل سنويًا موارد مالية ضخمة من هذه الخدمات، دون أن يقابل ذلك جودة أو سرعة في الأداء. وعليه، يصبح من الضروري فتح نقاش جدي حول إعادة هيكلة منظومة الخدمات الرقمية بالمغرب، بما يضمن تبسيط المساطر، تقليص آجال المعالجة، واعتماد مقاربة أكثر شفافية ونجاعة.
إن تجاوز هذا الوضع يقتضي رؤية استراتيجية واضحة، تقوم على:
• التحول من الرقمنة الشكلية إلى الرقمنة الفعلية المرتبطة بجودة الخدمة.
• ربط تمويل الوكالة وباقي المرافق العمومية بمؤشرات الأداء وقابلية القياس.
• تعزيز التكامل بين المنصات الرقمية وتوحيد قنوات الخدمة لتفادي تكرار المساطر.
• إشراك المواطن كمستفيد أساسي في تقييم جودة الخدمات وتحسينها.
• التحول من الرقمنة الشكلية إلى الرقمنة الفعلية المرتبطة بجودة الخدمة.
• ربط تمويل الوكالة وباقي المرافق العمومية بمؤشرات الأداء وقابلية القياس.
• تعزيز التكامل بين المنصات الرقمية وتوحيد قنوات الخدمة لتفادي تكرار المساطر.
• إشراك المواطن كمستفيد أساسي في تقييم جودة الخدمات وتحسينها.
إن رقمنة الإدارة ليست غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لتكريس الثقة بين المواطن والدولة، وتحويل المرفق العمومي إلى أداة ناجعة للتنمية. والمغرب، وهو يتطلع إلى موقع متقدم في محيطه الإقليمي والدولي، مدعو اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى جعل الرقمنة رافعة فعلية للتحديث، لا مجرد شعار للاستهلاك.
