Monday 25 August 2025
منبر أنفاس

محمد النصراوي: مثلث الأزمات في العراق.. الإعلام والشائعات والسياسة

 
محمد النصراوي: مثلث الأزمات في العراق.. الإعلام والشائعات والسياسة محمد النصراوي

كلّ مرة تهتزّ فيها الساحة العراقية بحادثة جنائية مثيرة، يتبيّن أن القصة أبعد بكثير من مجرد ملف أمني أو قضية جنائية؛ فالحوادث الفردية سرعان ما تتحول إلى قنابل رأي عام، يتناقلها الناس في المقاهي ومواقع التواصل، لتصبح مادة للتجييش والتوظيف السياسي.
والمفارقة أن ما يُضخّم أحيانًا لا يكون الأخطر من حيث طبيعة الجريمة أو حجمها، بل بسبب قابليته العالية لتحريك الجماهير وصناعة الغضب الشعبي.

خلال الفترة الماضية، شاهدنا كيف يمكن لقضية واحدة أن تستحوذ على اهتمام الرأي العام بشكل يفوق عشرات القضايا الأخرى، بعضها أشدّ فداحة، لكنها مرّت مرور الكرام.
هذه الازدواجية تكشف وجود لاعبين غير مرئيين يعرفون تمامًا أيّ ملف يُثير العاطفة العامة، وأيّ ملف يظل في الظل. فالقضية التي هزّت الشارع لم تكن مجرد مأساة إنسانية، بل تحولت إلى أداة ضغط نفسي وسياسي على الدولة، خصوصًا مع غياب رواية رسمية متماسكة وسرعة انتشار الشائعات.

وسائل الإعلام ومنصات التواصل لعبت دور المسرِّع، إذ باتت فضاءً مفتوحًا لتداول الروايات دون تحقق، مما ساهم في خلق حالة من الفوضى المعرفية.
وهنا يبرز السؤال: لماذا لم تقم الدولة بدورها في ضبط الرواية منذ اللحظة الأولى؟ ولماذا تُرك المجال مفتوحًا لجهات تتقن فن التلاعب بالمزاج المجتمعي؟

البُعد الأخطر لا يكمن في الحادثة نفسها، بل في البيئة التي تجعل من حادثة فردية مادة لإعادة إنتاج خطاب فقدان الثقة بالمؤسسات، وتغذية شعور الانهيار في المجتمع.
مثل هذه الحالات تعكس هشاشة العلاقة بين المواطن والدولة، وتفضح ضعف أدوات الردع والاتصال الحكومي.
والأهم من هذا وذاك، أنها تكشف عن وجود معركة خفية تُدار على مستوى الرأي العام، حيث تُستخدم القضايا الجنائية كوقود سياسي له أبعاد متعددة.

الاستقصاء البسيط لمجرى التفاعل يكشف ثلاث حلقات مترابطة:
الأولى تتمثل في الحدث نفسه،
الثانية في التغطية الإعلامية المتسارعة والمتناقضة،
والثالثة في الاستثمار السياسي الذي يحاول تحويل الغضب الشعبي إلى ورقة ضغط ضد الآخرين.
وإذا جمعنا هذه الحلقات، سنكتشف أننا أمام مشهد يتجاوز البُعد الإنساني إلى مستوى صراع الإرادات.

العراق اليوم لا يواجه مجرد جرائم متفرقة، بل يواجه حربًا على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تُصاغ قصص وتُضخّم أخرى، لتغدو كل حادثة اختبارًا جديدًا لمدى صمود الدولة في مواجهة الحملات المنظّمة.
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا:
هل نستفيق يومًا لنجد أن كل حادثة فردية تتحول إلى أزمة وطنية؟
أم أن مؤسسات الدولة ستتعلم كيف تبادر إلى إدارة الوعي قبل أن ينفلت الأمر من يدها؟